التفكير الفلسفى _ المبادئ- المهارات و تطبيقاتها.pdf
الأستاذ الدكتور : مصطفى النشار
من مقدمة:
التفكير الفلسفي : المبادى - المهارات وتطبيقاتها .
إن مهارة التفكير الفلسفي والتفكير المنطقي حزمتان مترابطتان يسلم كلاهما للآخر، ويساعد كلاهما الآخر في أن يجعلا منا أصحاب قدرة على التفكير العلمي المنظم؛ حيث سنستخدم عقولنا في التفكير بطريقة توصلنا إلى نتائج محددة على الصعيدين النظري والعملي، فالتفكير العقلي المنظم يعني : تفكيرا علميا هادفا، ويعني أننا ببساطة
نفكر بطريقة تحقق لنا ولشعبنا ولأمتنا بالتالي التقدم والازدهار.
وعلى ذلك فإن من يخشى التفكير الفلسفي فكأنما يخشى أن يكون إنسانا عاقلا، أن يحقق ماهيته على الأرض؛ فلم يخلقنا الله إلا لكي نفكر ونتأمل، إلا لكي نعمر هذا العالم بهذا النمط من التفكير العقلي المنظم الذي به تنتظم حياتنا، والذي به
نتميز عن كل مخلوقاته الأخرى.
إن التفكير الفلسفي. النمط الفكري الوحيد الذي يميزنا عن غيرنا من المخلوقات، ويجعلنا قادرين على عمارة الأرض وتطوير حياتنا عليها بشتى الصور، إنه ببساطة هو ما يحقق ماهية الإنسان، فكيف لمن يدعى إنساناً أن يخشى أن يكون نفسه ؟!
إذن عزيزي القارئ فعليك أن تكون نفسك، ولكي تكون نفسك وتحقق ماهيتك التي خلقك الله بها على هذه الأرض فلابد أن تُعمل عقلك وأن تفكر بطريقة تحقق تميزك، وليست هذه الطريقة إلا التي ندعوك إلى أن تفكر بها: إنها التفكير الفلسفي والمنطقي، وهذا الكتاب الذي بين يديك سيساعدك في التعرف على المهارات اللازمة لذلك وامتلاكها. فأهلاً بك إنسانا حقا، إنسانا يفكر بطريقة منطقية فلسفية ولا يسلم بفكرة ولا يتعرض لتأمل أي مشكلة إلا من خلال ذلك التفكير الفلسفي والمنطقي، أهلا بك قارتا ومحاورًا وناقدًا، أهلا بك مندهشا ومحللا، أهلا بك شائًا ومؤيدا، أهلا بك ممارسا لكل هذه الصور من التفكير الفلسفي والنقدي والمنطقي، ولتعلم أن ممارستك لها إنما هي سبيلك وسبيلنا إلى التقدم والإبداع في كل مجالات الحياة العلمية والعملية.
الفصل الأول
معنى التفكير ومهاراته
اولا : معنى التفكير وأنواعه
إن التفكير هو العملية التي تتم عبر سلسلة من النشاطات التي يقوم بها العقل حينما يتعرض لمثير حسي ! أو فكري، وهو عملية مجردة يشوبها الكثير من الغموض؛ حيث تنطوي على نشاطات غير مرئية وغير ملموسة، فما نلاحظه أو نلمسه منها هو في الواقع نواتج لفعل التفكير ذاته، سواء جاءت بصورة منطوقة في الكلام أو بصورة مكتوبة أو بصورة حركية.
وقد شغل الفلاسفة والعلماء بتحليل عملية التفكير منذ أفلاطون وأرسطو في العصر اليوناني وحتى الآن، فقد قال أفلاطون إننا لا ن ندرك أي حقيقة بصدد أي شيء إلا من
خلال التفكير، ونقصد به التفكير العقلي المجرد وقال أرسطو بأن التفكير العقلي المجرد عملية تتم خارج الجسم ومفارقة له؛ فالتفكير لديه ليس عملية مادية، بل تنأى عن قوانين المادة؛ فبينما تتأثر حواسنا الخمس بكثرة الإحساسات لدرجة تضعف معها من كثرة الاستخدام؛ إذ يبدأ الإنسان حياته وقدرته على الإبصار كاملة ثم يضعف شيئًا فشيئا وهكذا في بقية الحواس، أقول: بينما يحدث ذلك في عملية الإدراك الحسي، نجد أن عملية التفكير لا تتأثر بأي شيء مادي، إذ ينشط العقل وتتقدم قدراته التفكيرية والإبداعية بكثرة التفكير وممارسة الإبداع الفكري.
↔
وعلى كل حال فعملية التفكير تبدأ من تلقي ما تخطه الحواس الخمس على صفحة العقل من انطباعات ومدركات حسية، وتنتهي بتحليلات وتأملات عقلية مجردة، فهي
عملية حركية وتمر بمراحل عديدة وصور مختلفة للتفكير، منها ما يسمى بالتفكير التفريقي Divergent Thinking ومنها ما يسمى بالتفكير التجميعي Convergent
Thinking، والأخير يعني إمكانية التوصل إلى إصدار معلومات جديدة من المعلومات المتاحة التي سبق معرفتها أو الوصول إليها، بينما الأول يقارن بين النتائج والأفكار
والمعلومات المتاحة، ولا يصل فيه الفرد عادة إلى إجابات واحدة صحيحة لأنه ينطلق أصلا في تفكيره من إجابات متعددة، وهذا النوع هو أقرب ما يكون إلى ما يسمى بالتفكير
الإبداعي.
ثانيا: مهارات التفكير وعملياته
لعل أول هذه المهارات التي تساعدنا على التفكير في أي شيء أو في حل أي مشكلة هي مهارة الملاحظة، وهي المهارة التي نتمكن من خلالها من جمع المعلومات والبيانات
من خلال استخدام حواسنا مفردة أو متآلفة، وعملية جمع البيانات والمعلومات لا بد أن تكون مصحوبة بهدف محدد نسعى لتحقيقه أو الوصول إليه. وتأتي بعد مهارة المشاهدة والملاحظة مهارة التصنيف، إذ بعد جمع البيانات والمعلومات يبدأ العقل في تصنيفها وتنظيمها، وهي مهارة أساسية لبناء الإطار المعرفي لأي إنسان، فهو عندما يصنف الأشياء والمعارف يضعها في مجموعات وفق نظام معين وبعد المشاهدة والتصنيف تأتي مهارة المقارنة؛ إذ يبدأ الإنسان في المقارنة بين الأفكار، أو بين الأشياء أو بين الظواهر أو بين الأحداث، وفقًا لأوجه الشبه أو الاختلاف؛ ليخلص إلى أوجه الاتفاق أو الاختلاف فيما بينها.
وبعد هذه المهارات الثلاث تأتي مهارة التفسير وهي عملية عقلية غرضها تفسير الموضوع أو الحدث أو الشيء موضع الملاحظة والتفكير، والتفسير عبارة عن المعنى أو القانون المنظم لهذا الشيء أو هذه الظاهرة، أو تلك الخبرة الحياتية
استخلاص التي نحاول فهمها وتفسيرها من خلال التفكير فيها. وثمة مهارة أخرى تسمى التلخيص، حيث يمكن للمرء أن يلملم أفكاره وملا نظاته ليتوصل في النهاية إلى الأفكار العامة أو الأفكار الرئيسية ليعبر عنها بوضوح وإيجاز، وهي عملية ليست بسيطة لأنها عملية تنطوي على التجريد أو كشف الارتباطات وبيان الاختلافات، إنها عملية نعيد فيها
بشكل مبسط صياغة الفكرة أو الأفكار الرئيسية التي توصلنا إليها بصدد موضوع التفكير. وثمة مهارة أخيرة ترتبط أيضا بالتفكير وهي القدرة على تطبيق الأفكار وتحويلها من
أفكار مجردة توصلنا إليها عن طريق الملاحظة والتصنيف والتفسير، إلى صياغة حلول للمشكلة موضوع التفكير إن التطبيق يعني هنا استخراج القوانين والمفاهيم والمبادئ
والنظريات التي سبق أن توصلنا إليها للتعامل مع أي موقف جديد نتعرض له، أو لدراسة أي مشكلة جديدة من داخلها.
إن كل هذه الصور من التفكير ومهاراته إنما هي متضمنة تلقائيا في أنواع التفكير العقلاني المفيد التي ندعو إليها في هذا الكتاب ألا وهي:
1- التفكير الفلسفي.
2- التفكير المنطقي أو العلمي.
3- التفكير الناقد.