قراءة تحليلية في كتاب "علم الجمال: فلسفة الفن" لفريدريك هيجل | الحلقة الأولى
يُعد كتاب "محاضرات في علم الجمال" (Lectures on Aesthetics) للفيلسوف الألماني جورج فريدريك هيجل أحد أهم المراجع الكلاسيكية التي أسست لفلسفة الفن كفرع معرفي مستقل. في "الحلقة الأولى" أو المقدمة التمهيدية لهذا العمل الضخم، يضع هيجل اللبنات الأولى لتعريف هذا العلم، مصححاً المفاهيم المغلوطة حول تسميته، ومحدداً مجاله الدقيق.
نستعرض في هذه المقالة ملخصاً تحليلياً للأفكار الجوهرية التي طرحها هيجل في مستهل محاضراته، وتحديداً إشكالية مصطلح "الإستاطيقا" وعلاقتها بفلسفة الفن الجميل.
![]() |
| غلاف كتاب علم الجمال: فلسفة الفن" لفريدريك هيجل. |
1. تحديد موضوع الدراسة: "الفن الجميل" حصراً
يستهل هيجل محاضراته بتحديد دقيق لموضوع بحثه، مؤكداً أن هذه المحاضرات مكرسة لـ "فلسفة الجمال". لكنه سرعان ما يضيق النطاق ليكون أكثر دقة، موضحاً أن مجاله ليس الجمال بمفهومه العام الشامل (كالجمال الطبيعي)، بل هو "عالم الجميل الفني"، أو بعبارة أدق "الفن الجميل". هذا التمييز جوهري لفهم فلسفة هيجل التي تعلي من شأن الجمال الفني باعتباره نتاجاً للروح، مقارنة بالجمال الطبيعي.
2. الإشكالية اللغوية والفلسفية لمصطلح "إستاطيقا" (Aesthetics)
يقف هيجل مطولاً عند الاسم الشائع لهذا العلم وهو "علم الجمال" أو (Aesthetics). يرى هيجل أن هذا المصطلح، إذا أُخذ بمعناه الحرفي والاشتقاقی، يُعتبر قاصراً وغير كافٍ للتعبير عن جوهر هذا العلم.
- المعنى الحرفي: كلمة Aesthetics تعني بدقة "علم الإحساس" أو "علم الشعور".
- الأصل التاريخي: نشأ هذا المصطلح كعلم جديد في ألمانيا ضمن مدرسة كريستيان وولف (Wolff). في تلك الحقبة، كان يتم التعامل مع الأعمال الفنية بناءً على "المشاعر" التي تثيرها في المتلقي (مثل: اللذة، الإعجاب، الخوف، والشفقة).
ينتقد هيجل هذا المنظور لأنه يربط الفن بالأثر النفسي والحسي المباشر، بينما يرى هيجل أن الفن مرتبة عليا من مراتب الروح والحقيقة، ولا يمكن اختزاله في مجرد "إحساس".
3. محاولات تسمية بديلة: لماذا سقط "علم الرشاقة"؟
نظراً لعدم القناعة بمصطلح "إستاطيقا" وسطحيته في وصف عمق الفن، يشير هيجل إلى أنه تم بذل محاولات لطرح مصطلحات بديلة. كان من أبرزها مصطلح "Callisthenics" أو "علم الرشاقة الجسمانية".
لكن هيجل يرفض هذه التسمية أيضاً ويعتبرها غير سديدة، وذلك لسببين:
- العلم الذي يقصده لا يتناول "الجميل" باعتباره مجرد رشاقة أو خفة جسدية.
- موضوع العلم هو "جمال الفن" بكل أبعاده الروحية والمادية، وليس الجانب الجسماني فقط.
4. الخلاصة: قبول الاسم والتمسك بالمضمون
بعد مناقشة القصور في المصطلحات، يقرر هيجل اتخاذ موقف عملي. يدعو إلى التمسك بكلمة "Aesthetics" (إستاطيقا/علم الجمال)، ليس لأنها دقيقة علمياً، ولكن للأسباب التالية:
- أن الاسم مجرد "اسم" ولا يمس جوهر الموضوع.
- أن الكلمة قد جرت على الألسنة وأصبحت عُرفاً لغوياً شائعاً لا يمكن تجاهله.
ومع ذلك، يشدد هيجل في نهاية هذه الحلقة على أن التعبير العلمي والدقيق لمجال دراسته هو "فلسفة الفن"، وبشكل أكثر تحديداً "فلسفة الفن الجميل". بهذا، ينقل هيجل البحث من دائرة "الإحساس الذاتي" إلى دائرة "التأمل الفلسفي الموضوعي" للفن.
ملخص النقاط الرئيسية (للباحثين والطلاب):
- موضوع الكتاب: ليس الجمال الطبيعي، بل الجمال الفني (الفن الجميل).
- نقد مصطلح Aesthetics: لأنه يعني "علم الإحساس"، وهو إرث من مدرسة "فولف" التي ربطت الفن بمشاعر اللذة والخوف.
- رفض مصطلح "علم الرشاقة": لأنه يختزل الجمال في الرشاقة الجسمانية.
- الموقف النهائي: الاحتفاظ بلفظ "إستاطيقا" كاسم شائع، مع التأكيد أن المضمون الحقيقي هو "فلسفة الفن الجميل".
