📁 آخر الأخبار

ما هو التدرج الاجتماعي؟ الدليل الشامل لفهم اللامساواة والطبقات الاجتماعية

ما هو التدرج الاجتماعي؟ الدليل الشامل لفهم اللامساواة والطبقات الاجتماعية

ما هو التدرج الاجتماعي وما المقصود به؟ اكتشف كيف يحدد هذا النظام فرص حياتك، وما هي طبقات المجتمع الثلاث، وما علاقته بالتغير الاجتماعي ونظريات علم الاجتماع الكبرى.

مقدمة: لماذا تختلف فرص الحياة بين الناس؟

​هل تساءلت يوماً لماذا يبدو أن بعض الأفراد يولدون وفي فمهم ملعقة من ذهب، بينما يكافح آخرون طوال حياتهم لمجرد تأمين الأساسيات؟ لماذا تختلف الفرص المتاحة في التعليم، والصحة، والعمل بشكل جذري من شخص لآخر؟

​هذه ليست صدفة. هذه الظاهرة العالمية هي موضوع دراسة علم الاجتماع الأساسي، ولها مصطلح علمي دقيق: "التدرج الاجتماعي" (Social Stratification).

​في عالم مثالي، قد يُكافأ الجميع بناءً على جهدهم وموهبتهم فقط. لكن في الواقع، تعمل مجتمعاتنا كـ "طبقات" (Strata) جيولوجية، حيث يحدد مكان ميلادك، وعائلة، ومواردك المتاحة، مسار حياتك بشكل كبير.

​هذا المقال ليس مجرد تعريف أكاديمي، بل هو رحلة عميقة لفهم "نظام التشغيل" الخفي لمجتمعاتنا. سنقوم بتفكيك مفهوم التدرج الاجتماعي، وسنجيب بشكل مباشر على الأسئلة الأكثر إلحاحاً التي يطرحها الباحثون في جوجل (كما ظهر في صندوق "يطرح الناس أيضاً" - PAA).

​سنستكشف ما المقصود بالتدرج؟، ونتعمق في ما هي طبقات المجتمع الثلاث؟، ونوضح ما هو المستوى الاجتماعي؟، وسنربط كل هذا بمفاهيم أوسع مثل التغير الاجتماعي ومراحل تطور علم الاجتماع


ما هو التدرج الاجتماعي؟ الدليل الشامل لفهم اللامساواة والطبقات الاجتماعية
اللامساواة في المجتمع..


الفصل الأول: ما المقصود بالتدرج؟ 

​عندما يسمع الناس كلمة "تدرج"، قد يفكرون في سلم أو هرم. وهذا ليس بعيداً عن الصواب.

"التدرج الاجتماعي" (Social Stratification) هو مصطلح سوسيولوجي يشير إلى النظام الذي يقوم المجتمع من خلاله بتصنيف أفراده في تسلسل هرمي (Hierarchy). هذا التصنيف ليس عشوائياً، بل هو نظام مُنظم ومُؤسسي يوزع الموارد، والمكانة، والسلطة بشكل غير متساوٍ بين فئات مختلفة من الناس.

​بعبارة أبسط، التدرج الاجتماعي هو "الترتيب الطبقي" للمجتمع.

​لكن لفهم هذا المفهوم بعمق، يجب أن ندرك أربعة مبادئ أساسية تجعل التدرج الاجتماعي مختلفاً عن مجرد "اللامساواة الفردية":

1. التدرج هو سمة للمجتمع، وليس مجرد انعكاس للفروق الفردية

​البعض غني والبعض فقير ليس فقط لأنهم يمتلكون مواهب مختلفة. بل لأن "النظام" (System) مُصمم ليمنح امتيازات معينة لفئات معينة. على سبيل المثال، نظام التعليم قد يفضل أبناء الأثرياء الذين يذهبون إلى مدارس خاصة، بغض النظر عن ذكائهم الفردي.

2. التدرج ينتقل من جيل إلى جيل

​هذا هو السبب في أن "الحراك الاجتماعي" (تغيير الطبقة) صعب للغاية. الآباء لا يورثون أبناءهم المال والممتلكات (رأس المال الاقتصادي) فحسب، بل يورثونهم أيضاً "رأس المال الثقافي" (التعليم، الذوق، شبكة العلاقات). الطفل المولود في طبقة عليا يبدأ السباق من نقطة متقدمة جداً.

3. التدرج ظاهرة عالمية، لكنها تختلف في شكلها

​كل مجتمع في العالم لديه شكل من أشكال التدرج. لكن "أساس" هذا التدرج يختلف. في بعض المجتمعات (مثل الهند تقليدياً)، كان الأساس هو "نظام الطبقات المغلقة" (Caste System) الديني. في مجتمعات أخرى، كان "نظام العبودية". وفي المجتمعات الصناعية الحديثة، الأساس هو "النظام الطبقي" (Class System) القائم على الاقتصاد.

4. التدرج لا يتعلق باللامساواة فقط، بل بـ "المعتقدات"

​كل نظام تدرج يُبقي نفسه حياً من خلال "أيديولوجيا" (Ideology) — وهي مجموعة معتقدات ثقافية تبرر هذا الترتيب وتجعله يبدو "طبيعياً" أو "عادلاً".

  • مثال: في النظام الإقطاعي، كانت الأيديولوجيا هي "الحق الإلهي" للملوك.
  • مثال: في المجتمعات الرأسمالية الحديثة، الأيديولوجيا هي "الجدارة" (Meritocracy) — فكرة أن النجاح هو نتاج الجهد الفردي، مما يعني ضمنياً أن الفقر هو نتاج "الفشل الفردي".

الفصل الثاني: ما هي طبقات المجتمع الثلاث؟ 

​عندما نتحدث عن "النظام الطبقي" (Class System) الحديث، فإن التقسيم الأكثر شيوعاً وبساطة هو النموذج الثلاثي. هذا النموذج، على الرغم من تبسيطه، مفيد كنقطة بداية.

"ما هي طبقات المجتمع الثلاث؟" هي عادةً:

  1. ​الطبقة العليا (The Upper Class)
  2. ​الطبقة الوسطى (The Middle Class)
  3. ​الطبقة الدنيا أو العاملة (The Lower/Working Class)

​دعنا نحلل كل واحدة منها:

1. الطبقة العليا (The Upper Class)

  • من هم؟ يشكلون نسبة ضئيلة جداً من السكان (غالباً 1-3%).
  • مصدر الثروة: ليس الراتب الشهري، بل "الثروة الموروثة" (Inherited Wealth) والاستثمارات وملكية الأصول (الشركات، العقارات). هم يملكون "وسائل الإنتاج".
  • الخصائص: غالباً ما يلتحقون بمدارس وجامعات نخبوية حصرية، ويشكلون شبكات اجتماعية مغلقة (يتزوجون من بعضهم البعض)، ويمتلكون تأثيراً سياسياً هائلاً.

2. الطبقة الوسطى (The Middle Class)

  • من هم؟ هي الفئة الأوسع والأكثر تنوعاً في المجتمعات الصناعية.
  • مصدر الثروة: "الرواتب" المكتسبة من الوظائف المهنية والفكرية (الأطباء، المهندسون، المعلمون، المديرون). هم يعتمدون على "رأس مالهم البشري" (مهاراتهم وتعليمهم).
  • الخصائص: يؤمنون بقوة بالتعليم كأداة للترقي، يمتلكون منازلهم، ويشكلون "الطبقة الوسطى العليا" (مهنيون ذوو دخل عالٍ) و"الطبقة الوسطى الدنيا" (موظفون إداريون، معلمون).

3. الطبقة الدنيا / العاملة (The Lower/Working Class)

  • من هم؟ يشكلون جزءاً كبيراً من السكان.
  • مصدر الثروة: "العمل اليدوي" (Manual Labor) أو الوظائف الخدمية ذات الأجور المنخفضة (عمال مصانع، سائقون، عمال نظافة، موظفو مطاعم).
  • الخصائص: يعيشون غالباً من "راتب إلى راتب" (Paycheck to Paycheck)، لديهم أمان وظيفي أقل، ومستويات تعليم أقل، وفرص محدودة للحراك الاجتماعي التصاعدي. غالباً ما يكونون أول من يتأثر بالأزمات الاقتصادية.

نقد النموذج الثلاثي: هل هو دقيق؟

​علماء الاجتماع، وخاصة أصحاب منظور "نظرية الصراع"، يجدون هذا النموذج مُضللاً.

  • كارل ماركس (Karl Marx) جادل بوجود طبقتين رئيسيتين فقط تحددان كل شيء:
    1. البرجوازية (Bourgeoisie): الذين يملكون وسائل الإنتاج.
    2. البروليتاريا (Proletariat): الذين لا يملكون سوى قوة عملهم ويبيعونها للبرجوازية.
  • ​من منظور ماركس، "الطبقة الوسطى" هي مجرد وهم أو "برجوازية صغيرة" (Petite Bourgeoisie) ستسقط حتماً إلى البروليتاريا.

الفصل الثالث: ما هو المستوى الاجتماعي وعلاقته بالتدرج؟ 

​هذا سؤال ممتاز يقودنا إلى ما هو أعمق من مجرد "المال". النموذج الثلاثي (الطبقة العليا/الوسطى/الدنيا) يركز بشكل كبير على "الاقتصاد". لكن "المستوى الاجتماعي" هو مفهوم أوسع.

​لفهم ذلك، يجب أن نستدعي عبقرية ماكس فيبر (Max Weber).

​رأى فيبر أن التدرج الاجتماعي ليس مجرد بعد واحد (الاقتصاد، كما قال ماركس)، بل هو تفاعل معقد بين ثلاثة أبعاد:

1. الطبقة (Class) - البُعد الاقتصادي

  • ​يتفق فيبر مع ماركس على أن هذا مهم. إنه يتعلق بوضعك في "السوق" (Market). كم تجني؟ ما هي ممتلكاتك؟ هذا هو "الثروة" (Wealth).

2. المكانة (Status) - البُعد الاجتماعي (هذا هو "المستوى الاجتماعي")

  • "المستوى الاجتماعي" أو "المكانة" هو الاحترام الاجتماعي والهيبة (Prestige) التي يمنحها لك الآخرون.
  • ​المكانة لا ترتبط دائماً بالثروة بشكل مباشر.
    • مثال: أستاذ جامعي قد يكون دخله أقل من رجل أعمال (طبقة اقتصادية أقل)، لكنه يتمتع بـ "مستوى اجتماعي" أو "مكانة" أعلى بكثير.
    • مثال: "زعيم عصابة" قد يكون ثرياً جداً (طبقة اقتصادية عليا)، لكن "مكانته" في المجتمع العام سلبية ومدمرة (مستوى اجتماعي منخفض جداً).
  • ​المكانة تُكتسب من خلال "نمط الحياة" (Lifestyle)، والتعليم، والمهنة، وحتى النسب العائلي.

3. السلطة (Party) - البُعد السياسي

  • ​هي القدرة على تحقيق إرادتك وفرضها على الآخرين، حتى ضد مقاومتهم.
  • ​السلطة يمكن أن تأتي من السياسة (أن تكون مسؤولاً حكومياً)، أو من قيادة نقابة عمالية، أو منظمة.
  • مثال: موظف حكومي بسيط قد لا يملك "ثروة" أو "مكانة" عالية، لكنه يملك "سلطة" اتخاذ قرارات تؤثر على حياة آلاف الناس.

الخلاصة: "المستوى الاجتماعي" (المكانة) هو بُعد رئيسي من أبعاد التدرج. يمكنك أن تكون غنياً (طبقة عليا) ولكن بمستوى اجتماعي منخفض (مثل الأثرياء الجدد الذين يُنظر إليهم بدونية من قبل العائلات الأرستقراطية القديمة)، أو يمكنك أن تكون فقيراً (طبقة دنيا) ولكن بمستوى اجتماعي عالٍ (مثل عالم دين أو شيخ قبيلة).

الفصل الرابع: النظريات الكبرى المفسرة للتدرج الاجتماعي

​لماذا يوجد التدرج الاجتماعي أصلاً؟ هل هو ضروري؟ أم هو شكل من أشكال الظلم؟ هنا يكمن الانقسام الأكبر في علم الاجتماع.

1. المنظور الوظيفي (Functionalism): "التدرج ضروري"

  • النظرية (Davis-Moore Thesis): جادل كينغسلي ديفيس وويبرت مور بأن التدرج الاجتماعي "ضروري" لبقاء المجتمع.
  • كيف؟ المجتمع لديه وظائف "أكثر أهمية" (مثل الجراحة، الهندسة النووية) ووظائف "أقل أهمية".
  • ​لضمان أن "الأشخاص الأكثر موهبة" سيبذلون الجهد والوقت والتكلفة (سنوات الدراسة) لملء هذه الوظائف الهامة، يجب على المجتمع أن يقدم لهم "مكافآت" أكبر (مال أعلى، مكانة أعلى).
  • النتيجة: التدرج واللامساواة ليسا مشكلة، بل هما "حافز" يدفع المجتمع للأمام.

2. منظور نظرية الصراع (Conflict Theory): "التدرج ظلم"

  • النظرية (Karl Marx & followers): يرفض هذا المنظور فكرة "الضرورة" تماماً.
  • ​التدرج ليس نتاج "الحاجة" إليه، بل هو نتاج "الصراع" على الموارد الشحيحة.
  • ​الطبقات العليا (البرجوازية) لا تحصل على مكافآت لأنها "الأكثر أهمية"، بل لأنها "الأقوى". لقد نجحوا في تصميم النظام (القوانين، التعليم، الإعلام) ليخدم مصالحهم ويحافظ على امتيازاتهم.
  • النتيجة: التدرج هو نظام استغلالي. الوظائف "الهامة" (مثل الأطباء) تُكافأ، لكن ماذا عن الوظائف "الأساسية" (مثل عمال النظافة أو المزارعين) التي بدونها ينهار المجتمع؟ لماذا مكافآتهم ضئيلة؟ الجواب، حسب نظرية الصراع، هو "نقص السلطة".

3. منظور التفاعلية الرمزية (Symbolic Interactionism): "التدرج في حياتنا اليومية"

  • ​هذا المنظور لا يسأل "لماذا" يوجد التدرج، بل يسأل "كيف" نمارسه ونُعيد إنتاجه يومياً.
  • ​نحن "نؤدي" (Perform) طبقتنا الاجتماعية في تفاعلاتنا.
  • الاستهلاك المظهري (Conspicuous Consumption): مصطلح صاغه ثورستين فيبلين، يصف كيف نشتري أشياء (سيارات فارهة، ملابس ماركات) ليس لأننا "بحاجة" إليها، بل "لإظهار" مستوانا الاجتماعي للآخرين.
  • بيير بورديو (Pierre Bourdieu): طور هذا المفهوم بعبقرية من خلال "رأس المال الثقافي" (Cultural Capital). الطبقة العليا لا تحافظ على مكانتها بالمال فقط، بل بـ "الذوق" (معرفة الموسيقى الكلاسيكية، الفن، آداب المائدة).
  • ​يتم استخدام هذا "الذوق" كأداة "إقصاء" للآخرين.

Pierre Bourdieu - التدرج الاجتماعي والطبقات الثقافية
.عالم الاجتماع بيير بورديو، أحد أبرز من حلل العلاقة بين الطبقة والثقافة

الفصل الخامس: ما المقصود بالتغير الاجتماعي وعلاقته بالتدرج؟ 

​هذا سؤال محوري يربط "البنية" (Structure) بـ "الحركة" (Process).

"ما المقصود بالتغير الاجتماعي؟"

التغير الاجتماعي (Social Change) هو تحول في البنى الثقافية والاجتماعية للمجتمع بمرور الوقت. إنه تغيير في "كيفية" عمل المجتمع (مثل التحول من مجتمع زراعي إلى صناعي، أو التغير في قوانين حقوق المرأة).

ما علاقة هذا بالتدرج الاجتماعي؟

العلاقة ذات اتجاهين:

  1. التغير الاجتماعي يسبب تغيراً في نظام التدرج:
    • مثال: الثورة الصناعية (تغير اجتماعي هائل) دمرت "النظام الإقطاعي" (التدرج القائم على ملكية الأرض) وأنشأت "النظام الطبقي" (التدرج القائم على رأس المال الصناعي).
    • مثال: حركة الحقوق المدنية (تغير اجتماعي) غيرت نظام التدرج القائم على "العرق" في أجزاء كثيرة من العالم.
  2. التدرج الاجتماعي يسبب (أو يمنع) التغير الاجتماعي:
    • نظرية الصراع: التفاوت الصارخ (التدرج) هو "المحرك" الرئيسي للتغير الاجتماعي. عندما يزداد الظلم، تقوم الطبقات الدنيا بـ "ثورة" (تغير اجتماعي جذري) لتغيير النظام.
    • المنظور الوظيفي: التدرج يمنع التغير الاجتماعي الفوضوي، لأنه يحافظ على "الاستقرار".

الابن الشرعي للتدرج والتغير: "الحراك الاجتماعي" (Social Mobility)

​لا يمكن الحديث عن هذا الموضوع دون ذكر "الحراك الاجتماعي". إذا كان "التدرج" هو (مبنى) المجتمع، فإن "الحراك" هو (المصعد) أو (الدرج) بين طوابقه.

  • الحراك الاجتماعي (Social Mobility): هو حركة الأفراد أو الجماعات بين مستويات مختلفة في نظام التدرج الاجتماعي.
  • الأنظمة المفتوحة (Open Systems): مثل "النظام الطبقي"، تسمح نظرياً بالحراك (من فقير إلى غني أو العكس) بناءً على الجدارة.
  • الأنظمة المغلقة (Closed Systems): مثل "نظام الطبقات المغلقة" أو "العبودية"، لا تسمح بأي حراك. مكانتك تحددها لحظة ولادتك وتموت بها.

أنواع الحراك الاجتماعي:

  • حراك رأسي (Vertical): حركة للأعلى أو للأسفل (موظف يحصل على ترقية ليصبح مديراً).
  • حراك أفقي (Horizontal): تغيير الوظيفة بنفس المستوى (معلم ينتقل من مدرسة إلى أخرى بنفس الراتب والمكانة).
  • حراك بين الأجيال (Inter-generational): مقارنة المستوى الاجتماعي للأبناء بآبائهم (ابن عامل مصنع يصبح طبيباً).
  • حراك داخل الجيل (Intra-generational): تغيير المستوى الاجتماعي خلال حياة الفرد (شخص يبدأ كبائع بسيط وينتهي كرئيس تنفيذي لشركة).

الفصل السادس: مراحل تطور المجتمع وعلاقة كل مرحلة بالتدرج 

​لقد سأل الباحثون أيضاً: "ما هي مراحل تطور علم الاجتماع؟" و "ما هي مراحل المجتمع الثلاث؟".

هذه الأسئلة تبدو بعيدة، لكنها في صميم فهم التدرج. إنها تشير مباشرة إلى "أبو علم الاجتماع" أوغست كونت (Auguste Comte)


اوغيست كونت
اوغيست كونت.


​رأى كونت أن المجتمع (ومعارفنا عنه) يتطور عبر "قانون المراحل الثلاث":

  1. المرحلة اللاهوتية (Theological Stage)
  2. المرحلة الميتافيزيقية (Metaphysical Stage)
  3. المرحلة الوضعية (Positive Stage)

​والآن، دعنا نربط هذا بـ "التدرج الاجتماعي" لنرى كيف كان شكل اللامساواة في كل مرحلة:

1. التدرج في "المرحلة اللاهوتية" (المجتمع التقليدي/العسكري)

  • فكر المرحلة: تفسير العالم بناءً على "قوى إلهية" أو "آلهة".
  • شكل التدرج: هرمي صارم قائم على "الحق الإلهي".
  • الطبقات العليا: الكهنة، رجال الدين، الملوك، القادة العسكريون (الذين يحكمون باسم الإله).
  • الطبقات الدنيا: العبيد، الأقنان، عامة الناس.
  • الحراك: شبه مستحيل (نظام مغلق).

2. التدرج في "المرحلة الميتافيزيقية" (عصر النهضة والتنوير)

  • فكر المرحلة: تفسير العالم بناءً على "قوى مجردة" وفلسفية (مثل "الطبيعة").
  • شكل التدرج: بداية تفكك النظام الإقطاعي.
  • الطبقات العليا: النبلاء (الأرستقراطية) الذين لا يزالون يسيطرون بحكم "النسب"، ولكن بدأت تظهر طبقة "فلاسفة" و "رجال دولة" يمتلكون "سلطة" فكرية وسياسية.
  • الطبقات الدنيا: الفلاحون، وبداية ظهور "الحرفيين" في المدن.
  • الحراك: محدود ولكنه ممكن.

3. التدرج في "المرحلة الوضعية" (المجتمع الحديث/الصناعي)

  • فكر المرحلة: تفسير العالم بناءً على "العلم" والملاحظة التجريبية (وهنا ولد "علم الاجتماع").
  • شكل التدرج: النظام الطبقي (Class System).
  • الطبقات العليا: لم يعودوا الكهنة أو النبلاء، بل الصناعيون، العلماء، المصرفيون، والمهندسون. التدرج أصبح قائماً على "الوظيفة" الاقتصادية والعلمية في المجتمع.
  • الطبقات الدنيا: الطبقة العاملة الصناعية (البروليتاريا).
  • الحراك: أصبح "مفتوحاً" نظرياً بناءً على "الجدارة" والتعليم.

​إذن، "مراحل تطور علم الاجتماع" هي نفسها المراحل التي أعادت تشكيل "نظام التدرج الاجتماعي" بالكامل، من نظام قائم على الدين إلى نظام قائم على الاقتصاد والعلم.

خاتمة: التدرج الاجتماعي ليس قدراً، بل هو نظام

​لقد بدأنا بسؤال بسيط: ما هو التدرج الاجتماعي؟

والآن نرى أنه النظام المعقد الذي يمس كل جانب من جوانب حياتنا.

إنه ليس مجرد "فقر وغنى".

  • ​لقد أجبنا على "ما المقصود بالتدرج؟" بأنه نظام هرمي مؤسسي.
  • ​وأوضحنا "طبقات المجتمع الثلاث" (العليا، الوسطى، الدنيا) كنظرة مبدئية، ثم تعمقنا فيها بفضل ماركس.
  • ​وفهمنا "المستوى الاجتماعي" (المكانة) كبُعد مستقل عن الثروة، بفضل ماكس فيبر.
  • ​وربطنا "التغير الاجتماعي" بالتدرج من خلال مفهوم "الحراك الاجتماعي".
  • ​واستعرضنا "مراحل تطور المجتمع" لنرى كيف تغير شكل التدرج عبر التاريخ.

​التدرج الاجتماعي يحدد متوسط أعمارنا، ونوع الرعاية الصحية التي نحصل عليها، وجودة تعليمنا، وحتى بمن نتزوج. إنه يؤثر على كل شيء.

​فهم هذا النظام هو الخطوة الأولى ليس فقط للنجاح الأكاديمي أو لتصدر نتائج البحث، بل هو الخطوة الأولى نحو "تغييره". التدرج الاجتماعي هو "بناء اجتماعي" (Social Construct)، وما تم بناؤه اجتماعياً، يمكن إعادة بنائه اجتماعياً.

تعليقات