نظرية التعلم الاجتماعي لألبرت باندورا: الدليل الشامل للتعلم بالملاحظة
ما هي نظرية التعلم الاجتماعي؟ اكتشف كيف فسر ألبرت باندورا التعلم عبر الملاحظة، النمذجة، وتجربة "دمية بوبو" الشهيرة. تحليل شامل للكفاءة الذاتية والحتمية التبادلية.
مقدمة: كيف نتعلم حقاً؟ الثورة التي أحدثها باندورا
كيف يتعلم الأطفال السلوكيات المعقدة مثل الكرم، أو التعصب، أو حتى الخوف من العناكب؟ لسنوات طويلة، هيمنت مدرستان فكريتان على الإجابة: السلوكية ( التي تقول إننا نتعلم بالتجربة المباشرة والتعزيز) والتحليل النفسي (الذي ركز على الدوافع اللاواعية).
ثم جاء ألبرت باندورا (Albert Bandura)، عالم النفس الكندي-الأمريكي، ليقدم منظوراً ثورياً غيّر المشهد إلى الأبد. لقد طرح سؤالاً بسيطاً ولكنه عميق: "ماذا لو كنا نتعلم ليس فقط مما نفعله، ولكن مما نراه؟"
هنا يكمن جوهر نظرية التعلم الاجتماعي (Social Learning Theory). إنها نظرية في علم النفس تركز على كيفية اكتساب الناس للسلوكيات والمواقف والمعارف الجديدة من خلال التفاعل مع البيئة المحيطة بهم. اقترح باندورا أن التعلم يحدث بشكل أساسي من خلال الملاحظة (Observation) والتقليد (Imitation) أو ما يُعرف بـ النمذجة (Modeling)، وليس فقط من خلال التجربة الشخصية المباشرة.
لقد كانت نظرية باندورا هي "الجسر" المفقود بين النظرية السلوكية (التي ركزت على المنبه والاستجابة) والنظرية المعرفية (التي ركزت على العمليات العقلية). لقد أثبت أن العقل البشري ليس مجرد "صندوق أسود" يستجيب للمكافآت والعقوبات، بل هو معالج نشط للمعلومات.
![]() |
| نظرية التعلم الاجتماعي لألبرت باندورا. |
في هذه المقالة الشاملة، سنغوص في أعماق نظرية التعلم الاجتماعي لألبرت باندورا. سنستكشف المفاهيم الأساسية، ونحلل تجربته الأكثر شهرة (تجربة دمية بوبو)، ونفصل العمليات المعرفية الأربعة التي تحكم التعلم بالملاحظة، ونناقش مفاهيمه العميقة مثل "الحتمية التبادلية" و "الكفاءة الذاتية"، ونقيم تطبيقات النظرية وانتقاداتها.
ما قبل باندورا: لماذا كانت النظرية السلوكية غير كافية؟
لفهم أهمية نظرية باندورا، يجب أن نفهم ما كانت عليه الأمور قبله. هيمنت النظرية السلوكية (بقيادة علماء مثل بافلوف، واطسون، وسكينر) على علم النفس في النصف الأول من القرن العشرين.
-
التعلم عند السلوكيين: كان التعلم عملية "خارجية" بحتة.
- الإشراط الكلاسيكي (بافلوف): ربط منبه محايد بمنبه طبيعي (مثل ربط صوت الجرس بالطعام).
- الإشراط الإجرائي (سكينر): السلوك يتشكل بواسطة عواقبه (التعزيز الإيجابي، السلبي، والعقاب).
كانت المشكلة أن السلوكية لا تستطيع تفسير السلوكيات التي تظهر "فجأة" دون أي تجربة مباشرة أو تعزيز سابق. كيف يمكن لطفل أن يخاف من الثعابين دون أن يلدغه ثعبان قط؟ كيف يتعلم المراهقون الرقصات المعقدة بمجرد مشاهدة مقطع فيديو؟
اعتبر سكينر أن العقل هو "صندوق أسود" لا يمكن دراسته. جاء باندورا ليقول: "علينا أن نفتح هذا الصندوق". لقد جادل بأننا نستطيع، وفي الواقع، يجب علينا دراسة العمليات العقلية (المعرفية) لفهم التعلم.
التعلم بالملاحظة: الحجر الأساسي لنظرية باندورا
عرّف باندورا (1977) التعلم بالملاحظة (Observational Learning) بأنه "عملية تعلم السلوكيات الجديدة من خلال مراقبة وتقليد الآخرين" (ص 22).
وفقًا لباندورا، يتعلم الناس من خلال مشاهدة السلوكيات والمواقف وردود الفعل العاطفية للآخرين، ويشكلون "فكرة" (عملية معرفية) عن كيفية تنفيذ السلوكيات الجديدة، ثم يستخدمون هذه المعلومات كدليل للعمل في المستقبل.
هذا "الآخر" الذي نراقبه يسمى "النموذج" (Model). ولم يقتصر باندورا على النماذج الحية فقط (مثل الوالدين أو المعلمين)، بل أكد على قوة:
- النماذج الحية (Live Models): شخص حقيقي يقوم بسلوك معين (مثل مشاهدة والدك يقود السيارة).
- النماذج الرمزية (Symbolic Models): شخصيات حقيقية أو خيالية تظهر في وسائل الإعلام، الكتب، أو الأفلام (مثل مشاهدة بطل خارق في فيلم).
- النماذج اللفظية (Verbal Models): تعليمات أو أوصاف لكيفية أداء سلوك ما (مثل قراءة دليل إرشادي).
هذا التوسع في مفهوم "النموذج" كان حاسماً، لأنه فتح الباب أمام دراسة تأثير وسائل الإعلام الهائل على السلوك الاجتماعي.
تجربة دمية بوبو (1961): الدليل الذي غيّر كل شيء
لم يكتفِ باندورا بالتنظير، بل قدم دليلاً تجريبياً مذهلاً. تُعد "تجربة دمية بوبو" (Bobo Doll Experiment) واحدة من أشهر التجارب في تاريخ علم النفس.
تصميم التجربة
- العينة: مجموعة من الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة.
-
المجموعات: تم تقسيم الأطفال إلى ثلاث مجموعات رئيسية:
- المجموعة الأولى (النموذج العدواني): شاهدوا شخصاً بالغاً (النموذج) يتصرف بعنف تجاه دمية بلاستيكية كبيرة قابلة للنفخ تسمى "بوبو". كان البالغ يصرخ، ويركل الدمية، ويضربها بمطرقة.
- المجموعة الثانية (النموذج السلبي): شاهدوا شخصاً بالغاً يلعب بهدوء ويتجاهل دمية بوبو تماماً.
- المجموعة الثالثة (المجموعة الضابطة): لم يشاهدوا أي نموذج على الإطلاق.
- الاختبار: تم وضع كل طفل على حدة في غرفة مليئة بالألعاب، بما في ذلك دمية بوبو.
النتائج المذهلة
كانت النتائج واضحة وصادمة:
- الأطفال الذين شاهدوا النموذج العدواني كانوا أكثر ميلاً لممارسة سلوكيات عدوانية تجاه الدمية، وغالباً ما قلدوا نفس الأفعال والكلمات التي استخدمها النموذج.
- الأطفال في المجموعتين الثانية والثالثة أظهروا عدوانية أقل بكثير.
التعزيز غير المباشر (Vicarious Reinforcement)
في تجارب لاحقة، أضاف باندورا متغيراً آخر: العواقب.
- شاهدت مجموعة من الأطفال النموذج العدواني وهو يُكافأ (يُمدح ويُعطى حلوى).
- شاهدت مجموعة أخرى النموذج وهو يُعاقب (يُوبخ).
- شاهدت مجموعة ثالثة النموذج لا يواجه أي عواقب.
النتائج: الأطفال الذين رأوا النموذج يُكافأ كانوا الأكثر عدوانية. الأطفال الذين رأوا النموذج يُعاقب كانوا الأقل عدوانية.
هذا المفهوم، "التعزيز غير المباشر" (Vicarious Reinforcement)، كان اكتشافاً هائلاً. لقد أثبت أننا لا نحتاج إلى تجربة المكافأة أو العقاب بأنفسنا؛ مجرد "مشاهدة" شخص آخر يتلقاها يكفي للتأثير على سلوكنا.
التمييز بين التعلم والأداء
الأهم من ذلك كله، عندما طلب باندورا من الأطفال في مجموعة "النموذج المُعاقب" أن "يُظهروا" ما فعله النموذج مقابل مكافأة، استطاعوا تقليد السلوك العدواني بدقة.
هذا أثبت نقطة جوهرية: لقد "تعلموا" السلوك العدواني جميعاً، لكنهم اختاروا "عدم أدائه" بسبب العقاب غير المباشر. لقد فصل باندورا ببراعة بين التعلم (اكتساب المعرفة) والأداء (تنفيذ السلوك).
العمليات المكونة الأربعة للتعلم بالملاحظة
جادل باندورا (1986) بأن التعلم بالملاحظة ليس مجرد "تقليد أعمى"، بل هو عملية معرفية معقدة تتطلب أربع خطوات أو عمليات مكونة. لكي يحدث التعلم الاجتماعي بنجاح، يجب استيفاء هذه الشروط الأربعة:
1. الانتباه (Attention)
لكي نتعلم، يجب أولاً أن "ننتبه". لا يمكنك التعلم من نموذج لا تلاحظه.
- ما الذي يجذب انتباهنا؟ يرى باندورا أن خصائص النموذج وخصائص المراقب تؤثر على الانتباه.
- خصائص النموذج (من المصدر): النماذج التي تكون أكثر جاذبية، أو ذات سلطة، أو محبوبة، أو التي نراها مشابهة لنا (في العمر، الجنس، الاهتمامات) تجذب انتباهنا أكثر. القيمة الوظيفية للسلوك (مدى فائدته لنا) تلعب دوراً أيضاً.
- خصائص المراقب (من المصدر): مستوى الاهتمام، والحالة العاطفية (الإثارة)، والخبرة السابقة، وقدراتنا الإدراكية.
2. الاحتفاظ (Retention)
لا يكفي الانتباه فقط. يجب أن نكون قادرين على "تخزين" المعلومات والاحتفاظ بها في الذاكرة لاسترجاعها لاحقاً عند الحاجة.
- كيف نحتفظ بالمعلومات؟ (من المصدر) يتم ذلك عن طريق "ترميز" السلوك النموذجي في الذاكرة.
-
أشكال الترميز:
- الصور الذهنية (Mental Images): إنشاء صورة بصرية للسلوك في العقل.
- الكلمات أو الرموز (Verbal/Symbolic): تحويل السلوك إلى وصف لفظي أو مجموعة من الخطوات (مثل "أولاً أضع المفتاح، ثم أديره...").
- هذه العملية (المراجعة المعرفية) هي ما يجعل التعلم "معرفياً" بحتاً.
3. إعادة إنتاج السلوك (Reproduction)
بعد الانتباه والاحتفاظ، تأتي خطوة "التنفيذ". هذه هي القدرة على تقليد السلوك النموذجي بدقة وفعالية.
- هل يمكننا فعله؟ هنا يظهر الفرق بين "معرفة" السلوك و "القدرة على أدائه".
-
عوامل مؤثرة (من المصدر):
- القدرات الجسدية: قد أشاهد بطلاً أولمبياً، لكنني أفتقر إلى القدرة الجسدية لتقليده.
- الملاحظة الذاتية والتغذية الراجعة: نقوم بأداء السلوك، ونراقب أنفسنا، ونقارن أداءنا بالصورة الذهنية التي احتفظنا بها، ثم نصحح أخطاءنا.
4. التحفيز (Motivation)
هذا هو الشرط النهائي. لقد انتبهت، واحتفظت بالمعلومة، وتستطيع أداءها. لكن، هل "تريد" أداءها؟
- لماذا نقوم بالسلوك؟ هنا يعود باندورا إلى مفهوم "التعزيز"، ولكنه يوسعه بشكل كبير.
-
أنواع التعزيز (من المصدر):
- التعزيز الخارجي (External): المكافأة أو العقاب المباشر الذي نتلقاه (مثلما في نظرية سكينر).
- التعزيز غير المباشر (Vicarious): مشاهدة "النموذج" وهو يكافأ أو يعاقب (مثلما في تجربة بوبو).
- التعزيز الذاتي (Self-Reinforcement): وهو الأهم عند باندورا. المكافآت أو العقوبات التي نفرضها على أنفسنا، مثل الشعور بالفخر، أو الرضا عن النفس، أو الخجل.
الحتمية التبادلية (Reciprocal Determinism): نموذج باندورا الثلاثي
في عام 1977، قدم باندورا المفهوم الذي ربط كل شيء معاً: الحتمية التبادلية (Reciprocal Determinism)، والتي أشار إليها المصدر بـ "التفاعلية التبادلية".
جادل باندورا بأن "السلوك الإنساني يتأثر بالتفاعل المتبادل بين المؤثرات المعرفية والسلوكية والبيئية" (ص 23).
هذا يعني أننا لسنا مجرد "نتاج" لبيئتنا (كما قالت السلوكية المتطرفة)، ولسنا مجرد "نتاج" لدوافعنا الداخلية (كما قال التحليل النفسي). بل نحن نتيجة لتفاعل ديناميكي مستمر بين ثلاثة عوامل:
- (P) الشخص/المعرفي (Person/Cognitive):
- يشمل جميع خصائصك الداخلية: معتقداتك، توقعاتك، قيمك، ذكاؤك، ومهاراتك. (لاحقاً، أصبح هذا هو مقر "الكفاءة الذاتية").
- (B) السلوك (Behavior):
- أفعالك وردود أفعالك الفعلية. (مثل مدى دراستك، تحضيرك).
- (E) البيئة (Environment):
- العوامل الخارجية: المكافآت، العقوبات، المنبهات الاجتماعية، تشجيع المعلم، صعوبة الاختبار.
كيف يعمل التفاعل؟
- (P) يؤثر على (B): معتقداتك (P) تؤثر على سلوكك (B). (مثال: إيمانك بأنك "جيد في الرياضيات" يجعلك تدرس أكثر).
- (B) يؤثر على (P): سلوكك (B) يؤثر على معتقداتك (P). (مثال: عندما تدرس بجد وتحصل على درجة جيدة، يرتفع إيمانك بقدراتك).
- (E) يؤثر على (B): بيئتك (E) تؤثر على سلوكك (B). (مثال: المعلم المشجع يجعلك تشارك أكثر في الصف).
- (B) يؤثر على (E): سلوكك (B) يؤثر على بيئتك (E). (مثال: مشاركتك المستمرة في الصف (B) تجعل المعلم (E) يمنحك اهتماماً إيجابياً أكثر).
- (P) يؤثر على (E): معتقداتك (P) تؤثر على بيئتك (E). (مثال: لأنك تؤمن بأهمية اللياقة (P)، تختار الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية (E)).
- (E) يؤثر على (P): بيئتك (E) تؤثر على معتقداتك (P). (مثال: وجودك في صالة الألعاب الرياضية (E) يجعلك تتبنى معتقدات أكثر إيجابية (P) حول الصحة).
هذا النموذج يوضح أن الناس "وكلاء نشطون يمكنهم التحكم في أفعالهم وبيئتهم"، وليسوا مجرد "مستقبلين سلبيين".
تطور النظرية: مفهوم الكفاءة الذاتية (Self-Efficacy)
في السنوات الأخيرة من عمله (خاصة في 1997)، ركز باندورا بشكل مكثف على المكون (P) "الشخص/المعرفي"، وطور أحد أقوى المفاهيم في علم النفس الحديث: الكفاءة الذاتية (Self-Efficacy).
- ما هي الكفاءة الذاتية؟
- إنها "ليست" الثقة بالنفس العامة. إنها "إيمان الفرد بقدرته على النجاح في موقف معين أو إنجاز مهمة محددة".
- لماذا هي مهمة؟
- الكفاءة الذاتية هي المحرك الأساسي "للتحفيز" (العملية الرابعة). الأشخاص ذوو الكفاءة الذاتية العالية يرون المهام الصعبة كتحديات يجب إتقانها (وليس كتهديدات يجب تجنبها)، ويضعون أهدافاً أعلى، ويبذلون جهداً أكبر، ويثابرون لفترة أطول في مواجهة العقبات.
-
من أين تأتي الكفاءة الذاتية؟ حدد باندورا أربعة مصادر رئيسية:
- تجارب الإتقان (Mastery Experiences): أنجح طريقة. النجاح في مهمة ما يبني إيمانك بقدرتك على النجاح فيها مرة أخرى.
- الخبرات غير المباشرة (Vicarious Experiences): مشاهدة "نموذج" مشابه لك ينجح في المهمة. (مثال: "إذا كان زميلي يستطيع، فأنا أستطيع").
- الإقناع الاجتماعي (Social Persuasion): سماع تشجيع لفظي من شخص تثق به (مثال: "أنا أؤمن بأنك تستطيع فعلها").
- الحالات الفسيولوجية والعاطفية: تفسيرك لاستجاباتك الجسدية. (مثال: تفسير دقات القلب السريعة على أنها "حماس" بدلاً من "خوف" يعزز الكفاءة الذاتية).
تطبيقات نظرية التعلم الاجتماعي وانتقاداتها
كما ذكر المصدر، تم تطبيق نظرية التعلم الاجتماعي على نطاق واسع في مجالات لا حصر لها.
التطبيقات العملية
- التعليم والتدريب: هي الأساس النظري لـ "نمذجة السلوك" في البرامج التدريبية. المعلمون يستخدمونها لبناء "الكفاءة الذاتية" لدى الطلاب، واستخدام "الأقران" كنماذج إيجابية.
- العلاج النفسي (تعديل السلوك): (باندورا، 1969) تُستخدم النمذجة لعلاج الرهاب (Phobias). يتم جعل المريض يشاهد "نموذجاً" يتفاعل بهدوء مع الشيء الذي يخاف منه.
- فهم العدوان والإعلام: (باندورا، 1973) تجربة بوبو أطلقت نقاشاً عالمياً حول تأثير العنف في وسائل الإعلام على الأطفال.
- الصحة العامة: تُستخدم لبناء حملات توعية ناجحة. بدلاً من مجرد قول "التدخين مضر"، تُظهر الحملات "نماذج" تنجح في الإقلاع عن التدخين وتستمتع بحياتها (تعزيز غير مباشر).
الانتقادات الموجهة للنظرية
على الرغم من قوتها، واجهت نظرية التعلم الاجتماعي انتقادات (كما ذكر المصدر):
- تجاهل العوامل الداخلية المعقدة: انتقدها البعض (خاصة من منظور التحليل النفسي) لتجاهلها "الصراعات النفسية والدوافع اللاشعورية والعواطف". النظرية تفسر "كيف" نتعلم العدوان، لكنها قد لا تفسر "لماذا" يشعر شخص ما بغضب داخلي عميق.
- التركيز المفرط على السلوك المرئي: (كما ذكر المصدر) يجادل النقاد بأنها، مثل السلوكية، لا تزال تركز بشكل كبير على السلوك القابل للقياس، وقد تتجاهل أنواع التعلم المجردة البحتة (مثل الفلسفة أو التفكير النقدي) التي لا تترجم دائماً إلى سلوك فوري.
- تجاهل العوامل البيولوجية: لم تفسر النظرية الأصلية دور العوامل البيولوجية. مثلاً، قد يكون الذكور في تجربة بوبو أكثر ميلاً للعدوانية ليس فقط بسبب النمذجة، ولكن أيضاً بسبب مستويات هرمون التستوستيرون.
- قضايا أخلاقية (تجربة بوبو): أثيرت مخاوف أخلاقية حول "تعليم" الأطفال عمداً سلوكيات عدوانية.
خاتمة: إرث باندورا الدائم
في هذه المقالة، استعرضنا نظرية التعلم الاجتماعي لألبرت باندورا، بدءاً من جذورها كتحدٍ للنظرية السلوكية، ومروراً بتجربة "دمية بوبو" الشهيرة، وصولاً إلى مفاهيمها المعرفية العميقة.
لقد رأينا كيف أن التعلم بالملاحظة هو عملية معرفية نشطة تتطلب الانتباه، والاحتفاظ، وإعادة الإنتاج، والتحفيز. وفهمنا كيف أن سلوكنا ليس مجرد نتاج للبيئة، بل هو جزء من "حتمية تبادلية" ثلاثية بين معتقداتنا وسلوكياتنا وبيئتنا. وأخيراً، أدركنا قوة "الكفاءة الذاتية" كعامل حاسم في تحديد مصيرنا.
لقد أحدث ألبرت باندورا ثورة حقيقية. لقد فتح "الصندوق الأسود" للعقل البشري وأثبت أننا كائنات معقدة نتعلم من خلال الملاحظة والتفكير، وليس فقط من خلال التجربة المباشرة. إرثه ليس مجرد نظرية، بل هو أساس لفهم كيف نصبح ما نحن عليه في عالم اجتماعي معقد.
قد يهمك أيضاً قراءة:
