📁 آخر الأخبار

هل أساس الإدراك الحواس أم العقل؟

هل أساس الإدراك الحواس أم العقل؟

أساس الإدراك يشمل كل من الحواس والعقل، إذ يعتمد على تفاعل معقد بينهما. يعتبر الحواس الخمسة (البصر، السمع، الشم، التذوق، واللمس) القنوات التي تسمح للفرد بالتفاعل مع العالم الخارجي واستقبال المعلومات. أما العقل، فهو يقوم بتحليل وتفسير تلك المعلومات وتخزينها واسترجاعها واستخدامها في اتخاذ القرارات وفهم الواقع المحيط.
الحواس والعقل يتفاعلان بشكل متبادل لتشكيل تجربة الإدراك للفرد. فعلى سبيل المثال، عندما يتلقى الفرد محتوى معلوماتي عبر الحواس مثل قراءة كتاب، يستخدم العقل لتحليل الكلمات والفهم العميق للمعنى وربطه بالمعارف السابقة. بالتالي، يمكن القول إن الحواس والعقل يعملان معًا كنظام متكامل لإدراك العالم وفهمه.

هل أساس الإدراك الحواس أم العقل؟
هل أساس الإدراك الحواس أم العقل؟

المقدمة

يتعامل ويتفاعل الإنسان مع الأشياء في العالم الخارجي وكذلك مع الأفراد ويتلقى الكثير من المنبهات التي يستجيب لها من خلال الفهم والتفسير والتأويل وهذا هو الإدراك. غير أن طبيعة ومصدر الإدراك عرف جدلا واسعا بين مذهبين: العقلي والحسي. والسؤال الذي يعبر عن ذلك هو: هل أساس الإدراك الحواس أم العقل؟

في هذه المقالة، سنحلل الأطروحتين المتناقضتين ونناقش نقاط القوة والضعف في كل منهما. ثم سنركب بينهما للوصول إلى حل توفيقي يجمع بين الحواس والعقل في عملية الإدراك.

التحليل

الأطروحة الأولى: الإدراك مصدره العقل

ترى هذه الأطروحة أن الإدراك يتوقف على نشاط الذهن. أي كل معرفة ينطوي عليها الإدراك مصدرها العقل وليس الحواس. هذا ما ذهب إليه الفيلسوف الفرنسي ديكارت الذي هاجم الإحساس بقوله:

ومن الأمثلة التوضيحية أن التمثال في أعلى الجبل تراه من الأسفل صغيرا أما إذا صعدت فإنك تراه كبيرا [1].

وشيد ديكارت الإدراك على العقل ووظيفته اكتشاف أخطاء الحواس وتصحيحها. ومن أنصار هذه الأطروحة الفيلسوف ألان الذي قال:

إن الصياد يدرك الحل الصحيح وينجح في اصطياد فريسته بفضل التخطيط المسبق والطفل الصغير يفشل لأن عقله لم يصل بعد إلى القدرة التخطيط [2].

فالإدراك مصدره العقل.

النقد: المناقشة

هذه الأطروحة أرجعت الإدراك إلى العقل لكن العقل ليس معصوما من الخطأ. فكيف يمكن للعقل أن يصحح أخطاء الحواس وهو نفسه قد يخطئ؟ وكيف يمكن للعقل أن يدرك شيئا لم يحس به من قبل؟ وهل يمكن الاستغناء عن الحواس في عملية الإدراك؟

الأطروحة الثانية: الإدراك مصدره الإحساس

ترى هذه الأطروحة (المذهب الحسي) أن مصدر الإدراك هو التجربة الحسية. أي هو كل معرفة ينطوي عليها الإدراك، مصدرها الإحساس. وحجتهم في ذلك أنه من فقد حاسة فقد معرفة. ومن الأمثلة التوضيحية أن الكفيف لا يدرك حقيقة الألوان وهذا يوضح أن الإدراك يستلزم وجود الحواس التي هي نوافذ المعرفة. وبها نتعرف على العالم الخارجي. ومن أنصار هذه الأطروحة دافيد هيوم الذي رأى أن مبادئ العقل مكتسبة وليست فطرية. وفي هذا المثال:

وخلاصة ما ذهب إليه المذهب الحسي أن الإدراك هو تأليف وتركيب بين الإحساسات. فالإحساس هو مصدر الإدراك [3].

النقد: المناقشة

هذه الأطروحة أرجعت الإدراك إلى الإحساس لكن الحواس تخطئ ومن الحكمة أن لا نأسس الإدراك على معيار خاطئ. فكيف يمكن للإحساس أن يدرك شيئا لم يحس به من قبل؟ وهل يمكن الاستغناء عن العقل في عملية الإدراك؟

التركيب

تعتبر مشكلة الإحساس والإدراك من المشكلات الفلسفية المعقدة والتي طرحت على طاولة الحوار الفلسفي في صورته القديمة والحديثة. ولا شك أن التحليل المنطقي يؤدي بنا إلى حل توفيقي يجمع فيه بين الحواس والعقل. وهذا ما ذهب إليه الفيلسوف الألماني كانط في قوله:

إن الإدراك هو محصلة لتكامل الحواس والعقل معا [4].

وهذا ذهبت إليه النزعة الظواهرية (هوسرل / جونبياجيه…) والفلسفة النقدية وبالخصوص كانط.

الخاتمة

في الأخير، الإحساس والإدراك من القضايا البارزة في الفلسفة وقد تبين لنا أن العلاقة بينهما مشكلة أدت إلى تقارب في الآراء بين مذهبين: العقليون الذين أرجعوا الإدراك إلى نشاط الذهني والحسيون الذين قالوا أن الإدراك مصدره الإحساس. وكمخرج للمشكلة نستنتج أن الإدراك محصلة لتكامل الحواس والعقل معا.

قد يهمك أيضا قراءة:

هل الذاكرة ذات طبيعة مادية أم نفسية؟

هل أصل المعرفة العقل أم التجربة؟

هل نصبح أغبى أو أذكى؟

تعليقات