📁 آخر الأخبار

قراءة في "مقدمة فى الانسانيات والعلوم الاجتماعية" لأحمد بدر: نحو تكامل معرفي

قراءة في "مقدمة فى الانسانيات والعلوم الاجتماعية" لأحمد بدر: نحو تكامل معرفي لمواجهة تشظي التخصصات

​ مراجعة تحليلية لكتاب "مقدمة فى الانسانيات والعلوم الاجتماعية" للدكتور أحمد أنور بدر. اكتشف كيف يدعو الكتاب إلى تجاوز الفصل بين العلوم والإنسانيات وتحقيق شخصية علمية متكاملة.

​مقدمة: أزمة "الفصل المعرفي" والحاجة إلى رؤية متكاملة

​«الملاحظ في النظام التعليمي التقليدي تجسيد وتوسيع الفصل بين مجالات المعرفة الأربعة... وكلما صعد المتعلم إلى أعلى في السلم التعليمي، زادت حدة الفصل بين الثقافات المختلفة.»


​بهذه الملاحظة الدقيقة، التي تشخص "مرضاً" مزمناً في أنظمتنا التعليمية، يفتتح الدكتور أحمد أنور بدر كتابه الهام "مقدمة فى الانسانيات والعلوم الاجتماعية". الكتاب ليس مجرد "مدخل" تعريفي لهذه الحقول المعرفية الواسعة، بل هو، في جوهره، مشروع علاجي و دعوة منهجية لمواجهة "تشظي المعرفة" الذي يعاني منه الطالب الجامعي والمثقف المعاصر.

​ينطلق بدر من مقارنة واعية بين "الدول المتقدمة" التي تحرص على "انفتاح الدراسات الإنسانية والاجتماعية على التخصصات العلمية والتكنولوجية والعكس صحيح"، وبين "النظام التعليمي التقليدي" (خاصة في سياقاتنا العربية) الذي يكرس "الفصل" الحاد بين "الثقافتين" (العلمية والإنسانية).

​إن هذا الفصل، كما يرى بدر، لا يؤدي فقط إلى "تجزئة" المعرفة، بل يهدد بتكوين "شخصية علمية" غير متماسكة وغير قادرة على فهم تعقيدات العالم المعاصر. لذلك، يصبح الهدف هو مساعدة الطالب الجامعي على "إعادة تجميع أجزاء عالمه المعرفي داخل الإطار المعرفي المنهجي المتكامل".

مقدمة فى الانسانيات والعلوم الاجتماعية_بدر،احمد_انور
غلاف كتاب مقدمة فى الانسانيات والعلوم الاجتماعية_بدر،احمد_انور


​في هذه المقالة التحليلية، لن نكتفي بتلخيص محتويات الكتاب، بل سنحاول "قراءة" مشروعه بعمق: ما هي "أبعاد" أزمة الفصل المعرفي التي يشخصها؟ ما هي "الرؤية المنهجية المتكاملة" التي يقترحها؟ وما هي "الأدوات والمداخل" التي يقدمها الكتاب لتحقيق هذا التكامل المنشود؟

​1. تشخيص الأزمة: "ثقافتان" أم "معرفة مشوهة"؟

​يبدأ الكتاب بتشخيص دقيق لأزمة "الفصل" بين مجالات المعرفة، خاصة بين "العلوم البحتة والتطبيقية" و "الإنسانيات والعلوم الاجتماعية". هذه الأزمة ليست مجرد "تقسيم" أكاديمي، بل لها تداعيات خطيرة:

  • تكوين شخصية مجزأة: الطالب الذي يتخصص في العلوم قد يفتقر إلى الفهم النقدي للسياقات الاجتماعية والتاريخية والأخلاقية لتخصصه. والطالب الذي يتخصص في الإنسانيات قد يفتقر إلى فهم الأسس العلمية والتكنولوجية التي تشكل عالمه المعاصر. كلاهما يمتلك "نصف" الحقيقة.
  • صعوبة مواجهة المشكلات المعقدة: المشكلات الكبرى التي تواجه عالمنا اليوم (مثل التغير المناخي، الأوبئة، الذكاء الاصطناعي، الأزمات الاقتصادية) هي مشكلات "مركبة" بطبيعتها، تتطلب حلولاً "متكاملة" تجمع بين الرؤى العلمية والإنسانية والاجتماعية. الفصل بين التخصصات يعيق قدرتنا على التفكير بهذه الطريقة المتكاملة.
  • تعميق سوء الفهم المتبادل: يؤدي الفصل إلى خلق "ثقافتين" منفصلتين (كما أشار سي. بي. سنو)، كل منهما تنظر للأخرى بشيء من الريبة أو الاستعلاء أو عدم الفهم، مما يعيق الحوار البناء داخل المجتمع.

​إن تشخيص بدر لهذه الأزمة يضع كتابه في قلب نقاش عالمي حول مستقبل التعليم الجامعي والحاجة إلى تجاوز "التخصص الضيق" نحو رؤى أكثر تكاملاً.

​2. الإنسانيات والعلوم الاجتماعية: تعريف يتجاوز "التعداد"

​يقدم الكتاب، كما هو متوقع من "مقدمة"، تعريفاً بـ "الدراسات الإنسانية والاجتماعية ومجالاتها ونطاقها". لكن "القيمة المضافة" التي يقدمها بدر لا تكمن في مجرد "تعداد" هذه التخصصات (التاريخ، الفلسفة، الأدب، علم الاجتماع، علم النفس، السياسة...)، بل في إبراز:

  • المنطق الداخلي لهذه الحقول: ما الذي يجمع بين هذه التخصصات المتنوعة؟ إنها تشترك في اتخاذ "الإنسان" و "المجتمع" و "الثقافة" موضوعاً لها، وفي استخدام مناهج (تاريخية، تأويلية، نقدية، كيفية، وكمية أحياناً) تختلف عن مناهج العلوم الطبيعية.
  • الأهمية الحيوية لهذه الدراسات: في عصر تهيمن عليه "التكنولوجيا" و "الاقتصاد"، تأتي الإنسانيات والعلوم الاجتماعية لتذكرنا بالأبعاد "القيمية" و "الأخلاقية" و "التاريخية" و "النقدية" للوجود الإنساني. هي ليست "ترفاً" فكرياً، بل ضرورة لفهم "من نحن؟" و "إلى أين نسير؟". (هنا يتقاطع الكتاب مع هدف الجابري في استخدام الإبستمولوجيا لفهم الذات).

​3. نحو "الإطار المعرفي المنهجي المتكامل": أدوات التكامل

​لا يكتفي الكتاب بتشخيص "الفصل" والدعوة إلى "التكامل" بشكل عام، بل يقدم "أدوات" ومداخل عملية لتحقيق هذا التكامل، مستفيداً من تجارب "الدول المتقدمة":

​أ. التخصصات البينية والانتقالية:

  • ​يسلط الكتاب الضوء على أهمية "التخصصات البينية" (Interdisciplinary) التي تقع "بين" التخصصات التقليدية (مثل علم الاجتماع الطبي، فلسفة العلم، تاريخ التكنولوجيا، الاقتصاد السلوكي...).
  • ​كما يشير إلى "التخصصات الانتقالية" (Transitional) التي قد تمهد لانتقال الطالب بين مجالات معرفية مختلفة.
  • ​هذه التخصصات ليست مجرد "تجميع" لمواد متفرقة، بل هي محاولة لتطوير "مناهج" و "أطر نظرية" جديدة قادرة على التعامل مع الظواهر المركبة.

​ب. آليات التكامل في التعليم الجامعي:

  • ​يشير الكتاب إلى آليات عملية تتبعها الجامعات المتقدمة لتحقيق التكامل:
    • المقررات المشتركة: إدخال مقررات في الإنسانيات والعلوم الاجتماعية ضمن خطط الأقسام العلمية، والعكس صحيح.
    • الدرجات المشتركة (Joint Degrees): برامج تتيح للطالب التخصص في مجالين متكاملين (مثل الهندسة والإدارة، أو الطب والأخلاقيات).
    • الساعات المعتمدة (Credit Hours): نظام يمنح الطالب مرونة أكبر في اختيار مقررات من كليات وأقسام مختلفة، وحتى من جامعات أخرى.

​ج. دور التصنيفات الحديثة والإنترنت:

  • ​يشير الكتاب إلى أهمية "التصنيفات الحديثة" للمعارف وكيف تعكس الاتجاه نحو التكامل، وكيف يمكن "استخداماتها على شبكة الإنترنت" للوصول إلى مصادر معرفية متنوعة ومتكاملة. الإنترنت، بأدوات البحث والمنصات التعليمية المفتوحة، أصبح أداة قوية لتجاوز الحدود التقليدية بين التخصصات.

​د. نماذج ورواد ومصادر:

  • ​يقدم الكتاب "أمثلة من رواد هذه الدراسات" الذين جسدوا بأنفسهم هذا التكامل المعرفي (ربما شخصيات مثل ابن خلدون، ليوناردو دافنشي، أو مفكرين معاصرين يعملون في مجالات بينية).
  • ​يعرض "نماذج من مصادر المعلومات المرجعية المطبوعة والإلكترونية" التي تساعد الطالب على الإبحار في هذه المجالات المتكاملة.

​4. القيمة المضافة للكتاب وأهميته التربوية

​يمثل كتاب "مقدمة فى الانسانيات والعلوم الاجتماعية" للدكتور أحمد أنور بدر إضافة قيمة للمكتبة العربية التربوية والفكرية لعدة أسباب:

  1. تشخيص دقيق لأزمة حقيقية: يعالج الكتاب مشكلة "الفصل بين التخصصات" التي تعاني منها أنظمتنا التعليمية بشكل خاص، ويبرز مخاطرها.
  2. تقديم رؤية علاجية: لا يكتفي بالنقد، بل يقدم رؤية واضحة نحو "التكامل المعرفي" كهدف استراتيجي للتعليم الجامعي.
  3. توفير أدوات عملية: يقدم مداخل عملية ومقترحات مستلهمة من تجارب عالمية لتحقيق هذا التكامل (التخصصات البينية، آليات التعليم الجامعي، دور الإنترنت).
  4. الأهمية لتكوين الطالب: يهدف بشكل مباشر إلى مساعدة الطالب الجامعي على بناء "شخصية علمية متماسكة متكاملة" قادرة على التفكير النقدي ومواجهة تحديات العصر.
  5. سد فجوة في المكتبة العربية: قد يكون من الكتب القليلة باللغة العربية التي تتناول هذه الإشكالية (التكامل المعرفي) بهذا الوضوح والتركيز المنهجي.

​خاتمة: دعوة لـ"إعادة تجميع" المعرفة والمستقبل

​إن كتاب "مقدمة فى الانسانيات والعلوم الاجتماعية" للدكتور أحمد أنور بدر هو أكثر من مجرد "مقدمة" تعريفية. إنه "مانيفستو" (بيان) تربوي وفكري يدعو إلى ثورة هادئة في طريقتنا في التفكير وتنظيم المعرفة وإنتاجها ونقلها.

​في عالم يزداد تعقيداً وترابطاً، لم يعد "الفصل" بين العلوم والإنسانيات ترفاً يمكن تحمله. الكتاب هو دعوة ملحة للجامعات والمعلمين والطلاب والمخططين التربويين للعمل معاً من أجل "إعادة تجميع أجزاء عالمنا المعرفي".

​إن بناء "الإطار المعرفي المنهجي المتكامل" الذي يدعو إليه بدر ليس مجرد "هدف" تعليمي، بل هو "ضرورة" حضارية لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل، ولتكوين أجيال قادرة على الفهم النقدي الشامل والفعل الواعي والمسؤول في عالم متغير.

​📘 تحميل كتاب "مقدمة فى الانسانيات والعلوم الاجتماعية" PDF

​اكتشف رؤية الدكتور أحمد أنور بدر حول ضرورة التكامل المعرفي بين العلوم والإنسانيات وكيفية تحقيقه في التعليم الجامعي.

تحميل الكتاب PDF

تعليقات