قراءة في كتاب "علم الاجتماع الطبي: ثقافة الصحة والمرض" للدكتورة نجلاء عاطف خليل
مراجعة تحليلية لكتاب "في علم الاجتماع الطبي: ثقافة الصحة والمرض" للدكتورة نجلاء عاطف خليل. اكتشف كيف يحلل الكتاب العلاقة المعقدة بين الثقافة، المحددات الاجتماعية للصحة، والبناء الاجتماعي للمرض.
مقدمة: ما وراء البيولوجيا.. الثقافة كعدسة لفهم الصحة والمرض
في حقل علم الاجتماع الطبي، الذي يسعى لفهم الأبعاد الاجتماعية للصحة والمرض، غالباً ما يتم التركيز على "الهياكل" الكبرى (كالطبقة الاجتماعية، النظام الصحي) أو "التفاعلات" الصغرى (كالعلاقة بين الطبيب والمريض). لكن ماذا عن "البعد الثقافي"؟ كيف تشكل معتقداتنا وقيمنا وتصوراتنا المشتركة فهمنا للصحة، وتجربتنا للمرض، وسلوكنا في البحث عن العلاج؟
هذه هي المساحة المعرفية الحاسمة التي يأتي ليملأها كتاب "في علم الاجتماع الطبي: ثقافة الصحة والمرض" للدكتورة نجلاء عاطف خليل. الكتاب، كما يوحي عنوانه الفرعي الدقيق، لا يقدم مجرد "مدخل" عام لعلم الاجتماع الطبي، بل يتبنى "الثقافة" كـ"عدسة تحليلية" مركزية لفهم هذا المجال المعقد.
إنه ينطلق من فرضية أن الصحة والمرض ليستا مجرد "حقائق بيولوجية" ثابتة، بل هما أيضاً "تجارب ثقافية" و "بناءات اجتماعية" تختلف باختلاف السياقات. في هذه المقالة التحليلية، سنستعرض المحاور الرئيسية التي من المرجح أن يتناولها كتاب الدكتورة نجلاء، لنفهم كيف يقدم "قراءة ثقافية" معمقة لعلم الاجتماع الطبي، وما هي الإضافة النوعية التي يقدمها للمكتبة العربية.
1. تحديد المجال: علم الاجتماع الطبي من منظور ثقافي
يبدأ الكتاب، كما هو متوقع، بتحديد ملامح علم الاجتماع الطبي كحقل متعدد التخصصات. لكن "القيمة المضافة" التي يقدمها منظور الدكتورة نجلاء تكمن في تركيزها المنهجي على "الثقافة":
- تجاوز النموذج الطبي الحيوي (Biomedical Model): ينتقد الكتاب (ضمنياً أو صريحاً) اختزال الصحة والمرض في أسبابهما البيولوجية فقط، مؤكداً على ضرورة فهم "الجوانب الاجتماعية والثقافية".
- التقاطع مع الأنثروبولوجيا الطبية: يضع الكتاب نفسه في منطقة تقاطع خصبة بين علم الاجتماع و الأنثروبولوجيا الطبية، مستفيداً من أدوات كلا الحقلين لفهم كيف "تُشكّل" الثقافة تصوراتنا عن الجسد، الألم، الشفاء، وحتى الموت.
- التركيز على "المعنى" (Meaning): بدلاً من الاكتفاء بـ"الأسباب" الخارجية للمرض، يهتم الكتاب بفهم "المعاني" التي ينسبها الأفراد والمجتمعات لتجارب الصحة والمرض.
هذا التأسيس المنهجي يمهد الطريق لتحليل "ثقافي" للمفاهيم الأساسية في علم الاجتماع الطبي.
2. المحددات الاجتماعية للصحة: الثقافة كوسيط ومُشكِّل
يتناول علم الاجتماع الطبي الكلاسيكي "المحددات الاجتماعية للصحة" (Social Determinants of Health) – أي كيف تؤثر عوامل مثل الطبقة، التعليم، العرق، والنوع الاجتماعي على صحتنا. كتاب الدكتورة نجلاء، بتركيزه على "الثقافة"، يضيف بعداً آخر لهذا التحليل:
أ. الثقافة كـ "وسيط" للمحددات الاجتماعية:
- مثال الطبقة والفقر: لا يؤثر الفقر على الصحة فقط عبر نقص الموارد المادية، بل أيضاً عبر "ثقافة الفقر" (إذا تبنى الكتاب هذا المفهوم الجدلي) التي قد تشمل عادات غذائية معينة، أو تصورات مختلفة للمخاطر الصحية، أو مستويات مختلفة من "الثقة" بالنظام الصحي.
- مثال النوع الاجتماعي: الأدوار "الثقافية" للجنسين تؤثر بشكل كبير على الصحة. فـ"ثقافة الذكورة" قد تدفع الرجال لتجنب طلب المساعدة الطبية، بينما "الأدوار الرعائية" المفروضة ثقافياً على النساء قد تعرضهن لضغوط نفسية وجسدية إضافية.
ب. الثقافة كـ "مُشكِّل" للسلوكيات الصحية:
- العادات الغذائية: تختلف باختلاف الثقافات وتؤثر بشكل مباشر على أمراض مثل السكري والسمنة.
- النشاط البدني: التصورات الثقافية حول "الجسد المثالي" أو "أهمية الرياضة" تؤثر على مستويات النشاط.
- السلوكيات الوقائية: مدى تبني سلوكيات وقائية (مثل التطعيم أو الفحص الدوري) يتأثر بالمعتقدات الثقافية ومستوى الثقة بالمؤسسات الصحية.
كتاب الدكتورة نجلاء، إذن، لا ينفي أهمية المحددات "الهيكلية"، بل يوضح كيف أن "الثقافة" تلعب دوراً حاسماً في "تشكيل" تأثير هذه المحددات على أرض الواقع.
3. البناء الاجتماعي للمرض: "تثقيف" التجربة المرضية
يُعد مفهوم "البناء الاجتماعي للمرض" (Social Construction of Illness) من أهم مساهمات علم الاجتماع الطبي. يجادل هذا المفهوم بأن "المرض" ليس مجرد حقيقة بيولوجية، بل هو أيضاً "تجربة" يتم فهمها وتفسيرها وإدارتها ضمن "سياق ثقافي واجتماعي". كتاب الدكتورة نجلاء يضع "الثقافة" في قلب هذا البناء:
أ. المعتقدات الثقافية حول "أسباب" المرض:
- هل يُنظر للمرض كـ"اختبار إلهي"، "عين حاسدة"، "عقاب أخلاقي"، أم مجرد "خلل بيولوجي"؟ هذه التفسيرات الثقافية تؤثر على كيفية تعامل المريض والمجتمع مع المرض.
- مثال الأمراض النفسية: كيف تؤدي "الثقافات التي توصم" (Stigmatizing Cultures) المرض النفسي إلى إخفاء الأعراض وتأخير طلب العلاج؟
ب. "لغة" المرض والألم:
- كيف تعبر الثقافات المختلفة عن "الألم" و "المعاناة"؟ هل هناك أعراض "مقبولة ثقافياً" وأخرى "مرفوضة"؟
- كيف تؤثر اللغة (المجازات، الاستعارات المستخدمة لوصف المرض) على تجربة المريض وفهم المحيطين به؟
ج. "دور المريض" (Sick Role) كبناء ثقافي:
- ما هي "التوقعات" الثقافية من الشخص المريض؟ هل يُتوقع منه أن يكون "سلبياً" ويعتمد على الآخرين، أم أن "يقاوم" المرض؟
- كيف تختلف هذه التوقعات باختلاف "نوع" المرض (مرض جسدي مقابل مرض نفسي) وباختلاف "النوع الاجتماعي" للمريض؟
يقدم الكتاب، على الأرجح، تحليلاً لكيف أن "الثقافة" تمنح "المعنى" لتجربة المرض، وتحولها من مجرد "حدث بيولوجي" إلى "تجربة إنسانية" معقدة.
4. تنظيم الرعاية الصحية والتفاعل الثقافي
لا يقتصر تأثير الثقافة على "المريض" فقط، بل يمتد ليشمل "نظام الرعاية الصحية" نفسه. يتوقع أن يناقش كتاب الدكتورة نجلاء هذا الجانب من خلال:
- التعددية الطبية (Medical Pluralism): كيف تتعايش "الطب الحيوي" الغربي مع "أنظمة علاجية تقليدية" أو "شعبية" متجذرة في الثقافة المحلية (خاصة في السياقات العربية)؟ وكيف يتنقل المرضى بين هذه الأنظمة المختلفة؟
- التواصل بين الثقافات (Cross-Cultural Communication): تحليل صعوبات التواصل بين "مقدمي الرعاية الصحية" (الذين قد يحملون ثقافة الطب الحيوي المهيمنة) وبين "المرضى" القادمين من خلفيات ثقافية مختلفة. كيف يمكن تحقيق "الكفاءة الثقافية" (Cultural Competence) في الممارسة الصحية؟
- تأثير الثقافة على السياسات الصحية: كيف تؤثر القيم والمعتقدات الثقافية السائدة على "أولويات" السياسات الصحية، وتخصيص الموارد، وتصميم البرامج الصحية؟
5. تجارب المرضى ومقدمي الرعاية من منظور ثقافي
أخيراً، يغوص الكتاب في "التجارب المعيشة" للأفراد داخل النظام الصحي، مبرزاً الدور الحاسم للثقافة:
- تجربة المريض: كيف تؤثر الخلفية الثقافية للمريض على "فهمه" لتشخيصه، "توقعاته" من العلاج، "مدى التزامه" به، و "علاقته" بمقدمي الرعاية؟
- تجربة مقدم الرعاية: كيف تؤثر الخلفية الثقافية للطبيب أو الممرض على "نظرته" للمريض، "تواصله" معه، و "قراراته" العلاجية؟ كيف يتعامل مقدمو الرعاية مع "التوقعات الثقافية" المختلفة للمرضى وأسرهم؟
خاتمة: قيمة كتاب "ثقافة الصحة والمرض"
إن كتاب "في علم الاجتماع الطبي: ثقافة الصحة والمرض" للدكتورة نجلاء عاطف خليل يمثل إضافة "نوعية" للمكتبة العربية في هذا المجال. "قيمته المضافة" الحقيقية تكمن في:
- التركيز المنهجي على الثقافة: يقدم قراءة متماسكة لعلم الاجتماع الطبي من خلال عدسة "الثقافة"، مما يثري فهمنا للتفاعل المعقد بين العوامل البيولوجية والاجتماعية والثقافية.
- الأهمية للسياق العربي: من المرجح أن يقدم الكتاب أمثلة وتحليلات مرتبطة بالواقع العربي، مما يجعله أكثر صلة بالقارئ والباحث والممارس في المنطقة.
- التجسير بين التخصصات: يمد جسوراً قوية بين علم الاجتماع الطبي والأنثروبولوجيا الطبية، ويفتح آفاقاً للبحث "البيني" (Interdisciplinary).
الكتاب هو دعوة للطلاب والباحثين والعاملين في المجال الصحي لعدم إغفال "البعد الثقافي" عند التعامل مع قضايا الصحة والمرض. إنه يؤكد أن فهم "ثقافة الصحة والمرض" ليس ترفاً فكرياً، بل هو "ضرورة عملية" لبناء أنظمة رعاية صحية أكثر فعالية وإنصافاً وتفهماً للتجربة الإنسانية.
📘 تحميل كتاب "في علم الاجتماع الطبي: ثقافة الصحة والمرض" PDF
اكتشف كيف تحلل الدكتورة نجلاء عاطف خليل العلاقة العميقة بين الثقافة والصحة والمرض في هذا العمل المرجعي.
