📁 آخر الأخبار

مراجعة كتاب "كنت أفكر": دليلك الشامل لخواطر ماريا شريفير نحو حياة هادفة

مراجعة كتاب "كنت أفكر": دليلك الشامل لخواطر ماريا شريفير نحو حياة هادفة

​في ضجيج الحياة العصرية المتسارع، وبين ضغوط العمل، ومسؤوليات الأسرة، والتدفق اللامتناهي للمعلومات، يجد الكثير منا أنفسهم تائهين، يبحثون عن لحظة سكون، وعن معنى أعمق لوجودهم. إذا كنت تشعر بهذا الثقل، أو تقف على مفترق طرق، فإن كتاب "كنت أفكر... خواطر، وأمنيات، وتأملات للحصول على حياة هادفة" للمؤلفة الأكثر مبيعًا ماريا شريفير، قد يكون هو الرفيق الذي تحتاجه.

​في هذه المقالة المفصلة على موقعكم "مكتبة بوكلترا"، نقدم لكم مراجعة شاملة وتحليلاً معمقاً لهذا الكتاب، الذي يُعد أكثر من مجرد كتاب تطوير ذات؛ إنه دعوة صادقة للتوقف، والتأمل، وإعادة اكتشاف القوة الكامنة في داخلنا. سنغوص في أهم الأفكار التي تطرحها شريفير، وكيف يمكن لهذه "الخواطر" أن ترشدنا نحو "حياة هادفة" وذات معنى.

​من هي ماريا شريفير؟ المؤلفة، الصحفية، والإنسانة

​قبل الغوص في صفحات الكتاب، من الضروري أن نعرف من هي العقل الملهم وراء هذه الكلمات. ماريا شريفير ليست مجرد اسم عابر في عالم الإعلام. هي صحفية ومنتجة حائزة على جوائز مرموقة مثل "بيبودي" و"إيمي"، ومذيعة مخضرمة لدى شبكة "إن بي سي نيوز".

​لكن إرثها لا يتوقف عند هذا الحد. هي أم لأربعة أطفال، ومؤلفة لستة كتب ضمن قائمة نيويورك تايمز للكتب الأكثر مبيعًا. تنحدر ماريا من عائلة "كينيدي" الشهيرة، وهي تجربة شكلت جزءًا كبيرًا من رحلتها الشخصية. في مقدمة كتابها، تشير إلى أنها نشأت في عائلة "حقق أفرادها الكثير من الأمور العظيمة"، من الترشح للرئاسة إلى تأسيس برامج غيرت حياة الناس. هذه الخلفية الاستثنائية لم تمنحها شعورًا بالرضا التلقائي، بل دفعتها منذ صغرها إلى التفكير بعمق في وسيلتها الخاصة لتحقيق إنجازها، وخلق مسيرتها، وإيجاد هدفها ومهمتها في الحياة.


كنت أفكر": دليلك الشامل لخواطر ماريا شريفير نحو حياة هادفة
غلاف كتاب كنت أفكر": دليلك الشامل لخواطر ماريا شريفير نحو حياة هادفة.

​هذا البحث الشخصي والصادق عن "الحياة الهادفة" هو ما يمنح كتاب "كنت أفكر" صدقيته وعمقه. كما أنها كرست جزءًا كبيرًا من حياتها للعمل الخيري، ولا سيما بصفتها مؤسسة "الرابطة النسائية لمرضى الزهايمر"، وهو موضوع يتكرر في تأملاتها حول "قوة العقل".

​"كنت أفكر": نظرة عامة على رحلة البحث عن المعنى

​لم يولد هذا الكتاب من فراغ، بل تطور من عمود أسبوعي كانت تكتبه ماريا شريفير في نشرتها الإخبارية الرقمية "ذا صنداي بيبر" (The Sunday Paper). كان عنوان ذلك العمود "I've Been Thinking" (كنت أفكر)، وهو عبارة عن تأملات وأفكار أسبوعية تهدف إلى مساعدة القراء على "تجاوز ضجيج الحياة اليومية".

​يتميز الكتاب بهيكله الفريد؛ فهو ليس رواية تُقرأ مرة واحدة، ولا دليلاً بخطوات صارمة. إنه مجموعة من الخواطر والتأملات القصيرة والمكثفة، يتناول كل منها جانبًا من جوانب الحياة، يليه "دعاء" أو تأمل قصير. هذا المزيج بين الفكر الإنساني والروحانية يمنح القارئ مساحة للتنفس والتفكير في كيفية تطبيق هذه الأفكار في حياته الخاصة.

​الهدف الأسمى للكتاب، كما تعلنه شريفير بوضوح، هو "أن يحثك على التفكير فيما يشكل حياةً لها معنى بالنسبة إليك. بالنسبة إليك أنت". إنها لا تقدم وصفة سحرية، بل تشاركنا أفكارًا واقتباسات وأدعية ساعدتها هي شخصيًا في أوقات مختلفة من حياتها، وتدعونا لأخذ ما يناسبنا منها وترك الباقي.

​تستخدم شريفير استعارة جميلة تصف بها الهدف من هذه الرحلة: "الحقل المفتوح" (The Open Field). هذا الحقل هو "مكان الشعور بالتقبل والهدف والعاطفة - المكان الذي تشعر فيه بالسعادة". والكتاب هو الرفيق المثالي للوصول إلى هذا المكان.

​الغوص في فصول القوة: ملخص لأهم أفكار الكتاب

​ينقسم الكتاب إلى سلسلة من التأملات التي تركز على "قوة" معينة. فيما يلي، نستعرض ملخصًا لأبرز هذه القوى التي تشكل جوهر رسالة ماريا شريفير:

​1. قوة الاختيار ورسم المسار (فصول: "أنا الشخص الذي اخترت أن أكونه" و "حياتك ملك لك")

​تبدأ شريفير بتأكيد المبدأ الأساسي للمسؤولية الشخصية. بالاعتماد على اقتباس لكارل يونج: "إن شخصيتي لم تتكون بفعل الأمور التي حدثت لي، بل بما اخترت أن أكون عليه"، تؤكد شريفير أن الشخصية التي نصبح عليها متوقفة على خياراتنا، وإرادتنا، وتصميمنا.

  • الحياة ليست خطًا مستقيمًا: تعترف الكاتبة بأن حياة أي شخص لا تسير في خط مستقيم، ومليئة بالأخطاء والألم والندم. لا يوجد أحد يعيش حياة مثالية، بغض النظر عن خلفيته.

  • قوة الحاضر: الدرس الأهم هنا هو التوقف عن العيش في الماضي أو المستقبل. شريفير اعترفت بأنها قضت وقتًا طويلًا تعنف نفسها على خيارات الماضي أو تركز فقط على مستقبل تتخيله. لكنها تعلمت أن "العيش في الماضي، أو في المستقبل، يبقيني أسيرةً... ويسرق مني حاضري". الخيار هو أن نعيش الحاضر، ونبدأ من حيث نحن الآن.

  • إعادة التشكيل: تؤكد شريفير أن الحياة "ملك لك لتشكلها.. ولتعيد تشكيلها". حتى لو واجهنا الفقدان أو ارتكبنا أخطاء فادحة، لدينا دائمًا القدرة على البدء من جديد، وهذا يتطلب شجاعة لمواجهة المجهول.

​2. قوة التفكير الإيجابي والعقل (فصول: "قوة التفكير الإيجابي" و "قوة العقل")

​تركز شريفير بشكل كبير على العقل كساحة معركة رئيسية. مستشهدة بـ "مايا أنجلو": "إذا لم تستطع تغييره، فغير طريقة تفكيرك فيه"، تقترح تمرينًا عمليًا:

  • تحويل الأفكار السلبية: عندما تتبادر فكرة سلبية إلى الذهن، بدلاً من الانشغال بها، يجب تحويلها بوعي إلى فكرة إيجابية.

  • العقل كحليف: "قد يكون العقل حليفًا قويًا أو خصمًا شديدًا". يجب تدريب العقل كما يتدرب الرياضيون، ليعمل معنا لا ضدنا.

  • الصحة العقلية (ألزهايمر): انطلاقًا من تجربتها مع والدها وتأسيسها للرابطة النسائية لمرض ألزهايمر، تخصص شريفير فصلاً كاملاً لـ "قوة العقل". تركز على الأزمة الصحية المتمثلة في أن ثلثي المصابين بالزهايمر هم من النساء. وتشدد على أهمية الحفاظ على صحة العقل من خلال التمارين والتأمل والنوم والأكل الصحيح.

​3. قوة الامتنان والشكر (فصول: "قوة الامتنان" و "قوة الشكر")

​تعتبر شريفير الامتنان ممارسة يومية أساسية.

  • الامتنان والسعادة: تؤكد أن الأبحاث العلمية أظهرت أن ممارسة الامتنان يوميًا "يجعلك في الواقع أكثر سعادة، وأكثر تفاؤلًا".

  • ممارسة صباحية: تقترح تمرينًا بسيطًا: "كل صباح عندما أفتح عيني، وقبل أن تطأ قدماي الأرض، أشكر الله على نعمة الحياة".

  • قوة "شكرًا لك": في فصل لاحق، تتحدث عن "قوة الشكر". تؤمن شريفير بالآداب الحميدة القديمة مثل قول "من فضلك" و "شكرًا". وتكشف أنها لم تقم بتوظيف أي شخص "لم يكتب رسالة شكر بخط يده بعد المقابلة المبدئية".

  • رؤية الآخرين: الشكر ليس مجرد أدب، بل هو اعتراف بوجود الآخرين وأهميتهم.

​4. قوة الحضور والتوقف المؤقت (فصول: "قوة الحضور" و "قوة التوقف المؤقت")

​في عالمنا المشتت، تدعو شريفير إلى استعادة "قوة الحضور" و "قوة التوقف المؤقت".

  • الحضور الكامل: تروي تجربتها مع تخرج ابنها الأصغر من المدرسة الثانوية، وكيف أن الحضور الكامل في تلك اللحظات يتطلب تركيزًا. الذكريات التي نخلقها عندما نكون حاضرين بوعي هي التي "ستستمر وستريحني كثيرًا في المستقبل".

  • التوقف المؤقت كقوة: تتحدى شريفير القارئ "أن يضغط على زر التوقف" بدلاً من الاندفاع. هذا التوقف "يسمح لك بالتمهل قليلًا".

  • إصلاح التواصل: ترى شريفير أن "قوة التوقف المؤقت" يمكن أن تصلح طريقة تواصلنا المدمرة. تدعونا للتوقف قبل نشر الشائعات، والتوقف قبل الضغط على زر الإرسال لصورة مدمرة أو تعليق سيء، والتوقف قبل إصدار الأحكام.

​5. قوة العلاقات: الاستماع، التعاطف، والأمومة

​جزء كبير من الحياة الهادفة يأتي من علاقاتنا.

  • الاستماع: في فصل "قوة الاستماع"، تتحدث شريفير عن تخصيص أسبوع كامل للاستماع فقط. اكتشفت أننا جميعًا "نسعى إلى التواصل"، وعندما نستمع جيدًا، نجد دائمًا قواسم مشتركة.

  • التعاطف: تفرق شريفير بوضوح بين التعاطف والشفقة. التعاطف هو "القدرة على وضع نفسك مكان الشخص الآخر". ترى أن عالمنا يحتاج إلى التعاطف الآن أكثر من أي وقت مضى.

  • الأمومة: بصفتها أمًا لأربعة، تصف شريفير الأمومة بأنها "أكبر وأقوى وأشمل وظيفة في العالم" و "الوظيفة الأكثر تأثيرًا على وجه الأرض". تعترف بأنها كانت خائفة من الفشل كأم، لكنها أدركت أن أهم شيء هو "أن أحبهم حبًا صادقًا وغير مشروط".

​6. قوة التحديات: التخلي، العفو، والحزن

​لا تكتمل الحياة الهادفة دون مواجهة الجوانب الصعبة.

  • التخلي: في فصل "قوة التخلي"، تعترف شريفير بأن التخلي "ليس بالأمر السهل"، خاصة التخلي عن الأطفال عندما يكبرون. إنها عملية مؤلمة ولكنها ضرورية.

  • العفو: "قوة العفو" هي عملية تستغرق وقتًا. تؤكد شريفير أن مفتاح مسامحة الآخرين يبدأ بمسامحة أنفسنا. "بمجرد أن بدأت أخفف عن نفسي... وجدت أنني أصبحت قادرة على التخفيف عن الآخرين".

  • الحزن: في فصل مؤثر بعنوان "لا بأس في أن تحزن، فالحزن أمر ضروري"، تتحدث بصراحة عن تجاربها مع الحزن. نشأت في عائلة "شهدت الكثير من المآسي والخسائر، ولكن لم يناقشها أحد على الإطلاق". تعلمت بالطريقة الصعبة أن الحزن يجب أن يُعاش، وأن "طريقتك في التعامل مع الحزن لا بأس بها". الحزن جزء "لا يمكن تجنبه" من طبيعتنا البشرية.

​أجمل الاقتباسات من كتاب "كنت أفكر"

​لإعطائك لمحة عن الأسلوب الملهم والمكثف للكتاب، إليك بعض الاقتباسات العميقة المأخوذة مباشرة من صفحاته:

  • عن الاختيار: "إن شخصيتي لم تتكون بفعل الأمور التي حدثت لي، بل بما اخترت أن أكون عليه".

  • عن الحاضر: "عليك أن تدرك تمامًا أن اللحظة الحالية هي كل ما يمكنك الحصول عليه".

  • عن المثالية: "المثالية لا تجعلك تشعر بالكمال، بل بالدونية".

  • عن العفو: "لا يمكن للضعفاء أن يغفروا أبدًا؛ فالغفران سمة الأقوياء".

  • عن التخلي: "يعتقد البعض أن التمسك بالأشياء... علامة على القوة، ولكن... هناك أوقات تتطلب مزيدًا من القوة؛ لكي تعرف الوقت المناسب لترك الأمر، والتخلي عنه".

  • عن اللطف: "إن المعاملة اللطيفة هي اللغة التي يستطيع الأصم أن يسمعها، ويستطيع الكفيف أن يراها".

  • عن الحب: "إن الحب هو أهم ما أعرفه عن الحياة... فالحب لا يعدله شيء". (اقتباس عن والدها، سارجنت شريفير).

  • عن الهدف: "أنت هنا لتلبي نداءك وتنفذ مهمتك".

​لماذا يجب أن تقرأ هذا الكتاب؟

​في "مكتبة بوكلترا"، نسعى لتقديم المحتوى الذي يغذي العقل والروح. كتاب "كنت أفكر" يقع في صميم هذه الرسالة. هذا الكتاب ليس لمن يبحثون عن حلول سريعة أو نجاح مادي، بل هو:

  • رفيق درب: تصفه ماريا شريفير بأنه "يشبه تحدثك مع صديق مقرب". إنه كتاب تعود إليه مرارًا وتكرارًا.

  • هدية روحية: كما وصفته جوان تشيتيستر، "هذا الكتاب بمنزلة جوهرة... هدية روحية وعاطفية لكل من يقرؤه".

  • لجميع مراحل الحياة: سواء كانت حياتك "مثالية... أو كانت تتهاوى"، هذا الكتاب يقدم شيئًا للجميع.

  • محفز للتفكير: الهدف ليس الاتفاق مع كل ما تقوله شريفير، بل أن تثير أفكارها أفكارك الخاصة. إنه يدعوك للكتابة والتأمل في حياتك الخاصة.

​خاتمة: رحلتك الخاصة نحو حياة هادفة

​يختتم كتاب "كنت أفكر... خواطر، وأمنيات، وتأملات للحصول على حياة هادفة" بفكرة بسيطة لكنها عميقة: رحلة البحث عن المعنى هي رحلة شخصية وفريدة. تطرح ماريا شريفير ثلاثة أسئلة جوهرية في الخاتمة: "من أنا؟ وما سبب وجودي؟ وما هدفي؟".

​إن الإجابة عن هذه الأسئلة ليست سهلة، ولكنها أساس الحياة الهادفة. من خلال خواطرها الصادقة، ودعواتها القلبية، وتأملاتها العميقة، تقدم لنا ماريا شريفير الأدوات والشجاعة لبدء هذه الرحلة. إنها تذكرنا بأننا لسنا وحدنا في هذا البحث، وأن بداخل كل منا القوة اللازمة لرسم مساره، والعثور على نوره الخاص، والمساهمة في جعل العالم مكانًا أفضل.

​إذا كنت مستعدًا لبدء التفكير، فهذا الكتاب هو بوابتك.

تعليقات