📁 آخر الأخبار

مفاهيم إعادة الإنتاج الاجتماعي عند بيير بورديو

مفاهيم إعادة الإنتاج الاجتماعي عند بيير بورديو 

مقدمة:

احتلت أعمال بيير بورديو Pierre Bourdieu مكانة متميزة في علم الاجتماع وعلاقته بالتربية، هذا ما أجمع عليه العديد من الباحثين، كما كان لها تأثير مهم في مجرى البحوث و توجهاتها النظرية، فطَرح بيير بورديو يندرج أساسا في اتجاه ما بعد البنيوية، و إن كان قد اعتمد أسس التحليل البنيوي، إلا أنه عمل على تجاوزها « لا نستطيع القول إطلاقا أن نظرية بيير بورديو تختصر المبادئ البنيوية، بل يمكن اعتبارها أنها قد تكونت عن طريق الاعتناء بهذه المبادئ وفي الوقت نفسه عن طريق نقدها».

مفاهيم إعادة الإنتاج الاجتماعي عند بيير بورديو
مفاهيم إعادة الإنتاج الاجتماعي عند بيير بورديو 

يأخذ بيير بورديو موقفه من الصراع العام بمقاربته للنظام التعليمي، كمجال مرتبط بالنظام الاجتماعي ككل. و هكذا يمكننا اعتبار كتاب ” معاودة الإنتاج “ كمحاولة لإقامة و تأسيس نظرية للنظام التعليمي. إن بورديو ليس برجل تربية، ولكن يتخذ الميدان التربوي كموضوع لدراسته، واهتمامه يتمحور أساسا على دراسة العلاقات المتبادلة بين العمليات التربوية الجارية في المجتمع و بين النظام التعليمي المرتبط بتشكيلة اجتماعية معينة، ضمن بحوث ميدانية و تطبيقية من خلال تحليله لبعض الجامعات و المدارس العليا.
اهتمت أعمال بيير بورديو على الخصوص بدراسة النظام التعليمي من الداخل عن طريق التركيز على دراسة المسارات التي تجري داخل النظام التعليمي و الأولويات البيداغوجية الانتقائية. سنعرض ثلاث تصورات لبيير بورديو تتمثل في نسق المواقف، ومفهوم الأبتوس و أطروحته حول إعادة الإنتاج.

1- الأبتوس Habitus:

إذا كانت عبارة ما بعد البنيوية تبدو مفيدة بوصف وضعية ابستمولوجيا بورديو، فإن ذلك حاصل بشكل خاص بفضل إدخال هذا التصور عن الأبتوس، و بفضل التطورات التي طرأت على هذه القضية التصورية. وقد أشار بورديو إلى أنه بإدخال هذه المقولة و بالتعريف الذي أعطاه لها أراد أن يقاوم التوجيه الأولي للبنيوية.
يعتبر مفهوم الأبتوس بمثابة حجر الزاوية التي تقوم عليها سوسيولوجيا بورديو، لكونه يحتل مكانة مركزية خلال مشروعه الفكري برمته، ولم توضح معالم هذا المفهوم إلا في منتصف الثمانينيات مع بورديو في كتابه “الحس العملي”.
ويمكن تعريف الأبتوس على أنه نسق من الاستعدادات المكتسبة التي تحدد سلوك الفرد ونظرته إلى نفسه وإلى العالم الذي يكتنفه، وهو أشبه ما يكون بطبع الفرد أو بالعقلية التي تسود في الجماعة لتشكل منطق رؤيتها للكون والعالم.
ويتوسط الأبتوس العلاقات الموضوعية و السلوكات الفردية باعتباره مجموعة من الاستعدادات المكتسبة « بين نسق الضوابط الموضوعية و نسق التصرفات القابلة للملاحظة المباشرة يتدخل دائما طرف آخر كوسيط، ألا و هو الأبتوس مركز الالتقاء الهندسي للحيثيات و تحديد الاحتمالات و الخطوط المعيشة، للمستقبل الموضوعي و المشروع الذاتي الطابع».
فمفهوم الأبتوس يفسر لنا كيف أن عمليات التعلم الاجتماعي تكون و تقلل نماذج الإدراك و السلوك عند العملاء الاجتماعيين، و يساهم في ذلك و بشكل جلي الأنساق التربوية.
فالأشخاص إذا ما وجدوا في ظروف اجتماعية مختلفة فإنهم سوف يكتسبون تبعا لذلك استعدادات مختلفة، و ذلك حسب وضعهم التاريخي و موقعهم في نسق اجتماعي معين، حيث يؤكد بورديو في هذا السياق أن أبتوسات أفراد ينتمون لنفس الطبقة تبقى أكثر تشابها من أفراد طبقة أخرى، لأن ممارسات الأفراد تؤطرها مجموعة من الشروط الموضوعية خارجة عن إرادتهم ووعيهم.

قد يهمك أيضا قراءة كتاب 

 العنف الرمزي: بحث في أصول علم الاجتماع التربوي _ بيير بورديو

واستعمال مفهوم الأبتوس هو دعوة إلى التقريب بين الحتمية الاجتماعية من جهة و بين الفردانية من جهة أخرى، إذ يجمع بين البنيات الموضوعية و الذاتية، و يسعى إلى كشف ما هو خارجي فيما هو داخلي، باعتبار البنيات الداخلية و البنيات الاجتماعية الخارجية صورتان لحقيقة واحدة، لتاريخ مشترك ذلك التاريخ المنقوش في الذات و في الأشياء.
و مقولة الأبتوس، تضمنت أيضا عنصرا جديدا من أشكال إعادة الإنتاج الاجتماعي.

2- أطروحة إعادة الإنتاج:

عمل بيير بورديو من خلال تحليله السوسيولوجي إلى الوصول إلى مبدأ أساسي هو التفاوت في النجاح الدراسي للأطفال المنحدرين من طبقات اجتماعية مختلفة، فالأصل الاجتماعي يعتبر المميز الأساسي الذي يتحكم في النجاح المدرسي. فبخصوص الرأسمال اللساني مثلا، نلاحظ عدم تكافؤ بين أفراد الطبقات العليا و الدنيا، مما يزيد من حظوظ أفراد الطبقات العليا في النجاح الدراسي، وهنا يقول بورديو أن:
« التوزيع اللامتكافئ للرأسمال اللساني ذو المردودية النسبية، بين مختلف الطبقات الاجتماعية يشكل إحدى التوسطات الخفية و التي تتأسس خلالها العلاقة بين الأصل الاجتماعي و النجاح المدرسي.
وبخصوص تعلم اللغة، نورد مثالا طرحه بورديو في كتابه “إعادة الإنتاج”، فالمتعلمون الذين يريدون ولوج التعليم العالي يخضعون لانتقاء صارم وفق معيار القدرة اللسانية، و معايير تصحيح المشرفين بخصوص المعرفة النظرية و التطبيقية التي تتطلبها المادة التعليمية، لأن فهم اللغة و طريقة استعمالها تشكلان النقطة الأساسية.

استنتاج:

تساهم مفاهيم بورديو في فهم آليات إعادة إنتاج التفاوتات الاجتماعية وكيفية تأثير النظام التعليمي على تعزيز هذه التفاوتات. تفتح أعماله الباب لمناقشة دور التربية في تحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير فرص متساوية لجميع الأفراد بغض النظر عن أصلهم الاجتماعي.
تعليقات