📁 آخر الأخبار

الاتجاهات الحديثة في طرائق التدريس: الدليل الشامل لكتاب قصي السمرائي ورائد الخفاجي

 الاتجاهات الحديثة في طرائق التدريس: الدليل الشامل  لكتاب قصي السمرائي ورائد الخفاجي

مقدمة: الثورة الهادئة في عالم البيداغوجيا

​في عالم يتسم بالتغير المتسارع والثورة المعرفية، لم يعد نموذج التعليم التقليدي القائم على "المعلم الملقن" و"الطالب المتلقي السلبي" كافياً لتجهيز جيل قادر على مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين. لقد تغيرت الأهداف التعليمية التعلمية بشكل جذري؛ فبعد أن كان الهدف الأسمى هو "حفظ المعلومة"، أصبح اليوم هو "إنتاج المعرفة" و"التفكير النقدي" و"حل المشكلات".

​هذا التحول العميق في الأهداف، دفع بالضرورة إلى تغيير شامل في طرائق التدريس والاستراتيجيات المتبعة. لم تعد الطريقة الإلقائية كافية، بل أصبح الميدان التربوي بحاجة ماسة إلى دراسات شاملة تمنح المعلم أفضل طرق إيصال المعلومة للمتعلم، بما لا يناسب فقط المادة الدراسية، بل يناسب أعمارهم وقدراتهم العقلية واستعداداتهم النفسية المتنوعة.

​في قلب هذه الثورة، يبرز كتاب "الاتجاهات الحديثة في طرائق التدريس" (الصادر عن دار دجلة عام 2014) للمؤلفين الدكتور قصي محمد السمرائي والدكتور رائد إدريس الخفاجي، كـ مرجع مهم وشامل في التربية ومجال التعليم والتعلم.


كتاب الاتجاهات الحديثة في طرق التدريس
غلاف كتاب الاتجاهات الحديثة في طرق التدريس.

​في هذه المقالة الشاملة (أكثر من 2000 كلمة)، سنغوص في أعماق هذا الكتاب، ونحلل أبرز طرائق التدريس الحديثة التي قدمها (مثل خرائط المفاهيم، التعليم البنائي، العصف الذهني، التعليم التعاوني، التعليم الإلكتروني، التعليم التوليدي، والتعليم التبادلي)، لنقدم دليلاً متكاملاً لكل معلم وباحث تربوي يسعى لتطوير ممارساته الصفية.

لماذا نحتاج إلى "اتجاهات حديثة" في التدريس؟

​قبل الدخول في تفاصيل الاستراتيجيات، يجب أن نفهم "لماذا" حدث هذا التحول. طرائق التدريس ليست مجرد أدوات تقنية، بل هي انعكاس لفلسفة التعليم.

  1. فشل النموذج التقليدي: أثبتت الدراسات أن التلقين يركز على المستويات الدنيا من التفكير (التذكر والاستيعاب)، ويفشل في بناء مهارات التفكير العليا (التحليل، التركيب، التقويم).
  2. التطور المعرفي (علم النفس التربوي): أظهرت نظريات مثل "البنائية" (التي سنناقشها) أن المتعلم لا يتلقى المعرفة بشكل سلبي، بل يبنيها بنفسه بناءً على خبراته السابقة.
  3. احتياجات سوق العمل: لم يعد سوق العمل الحديث يبحث عن "حفظة معلومات"، بل يبحث عن أفراد قادرين على التعاون، التواصل بفاعلية، الإبداع، والتكيف مع المشكلات الجديدة.
  4. التنوع الطلابي: الفصول الدراسية اليوم (حتى الافتراضية) تضم مستويات متباينة من الطلاب. الطرائق الحديثة تهدف إلى التنويع من الأساليب للتوافق مع مستويات التلاميذ داخل الصف، ومراعاة أنماط تعلمهم المختلفة.

تحليل كتاب "الاتجاهات الحديثة في طرق التدريس" (السمرائي والخفاجي)

​يُعد هذا الكتاب، الذي يقع في حوالي 181 صفحة، دليلاً مكثفاً وعملياً. لم يكتفِ المؤلفان بالتنظير، بل قدما شرحاً إجرائياً لطرائق تدريس يمكن تطبيقها مباشرة في الغرفة الصفية. الكتاب موجه بشكل أساسي للمعلمين، وطلبة كليات التربية، والباحثين في المناهج وطرق التدريس.

​ينتقل بنا الكتاب من فلسفة التغيير إلى آليات التطبيق، مركزاً على أن الاستراتيجية الحديثة يجب أن تحقق هدفين: التوافق مع المتعلم، وتحقيق التفاعل الصفي التعاوني.

استعراض شامل لأبرز طرائق التدريس الحديثة في الكتاب

​كما أشار الملخص، شمل الكتاب مجموعة من الاستراتيجيات المتطورة. دعنا نحلل أبرزها:

1. التعليم البنائي (Constructivist Learning)

​يُعد التعليم البنائي (أو البنائية) هو المظلة الفلسفية الكبرى التي تندرج تحتها معظم الطرائق الحديثة.

  • ما هو؟ هو نظرية تؤكد أن المتعلم يبني المعرفة بنفسه (Constructs) ولا يتلقاها جاهزة. المعرفة الجديدة تُبنى على أساس المعارف والخبرات السابقة المخزنة في بنيته العقلية.
  • كيف يطبق؟ بدلاً من أن يبدأ المعلم بـ "التعريف"، يبدأ بـ "مشكلة" أو "سؤال محفز".
    • مثال: في درس عن "الطفو"، بدلاً من إعطاء قانون أرخميدس، يطلب المعلم من الطلاب تجربة وضع أجسام مختلفة في الماء وتسجيل ملاحظاتهم، ثم محاولة بناء "نظرية" خاصة بهم حول سبب طفو بعضها وغرق البعض الآخر.
  • دوره في الكتاب: يؤكد الكتاب على هذه الطريقة لأنها تحترم القدرات العقلية للمتعلم وتجعله محور العملية، منتقلاً به من الحفظ إلى الفهم العميق.

2. التعليم التعاوني (Cooperative Learning)

​هذه الاستراتيجية هي الرد المباشر على "الفردية" المفرطة في الفصول التقليدية.

  • ما هو؟ استراتيجية تدريس تتضمن تقسيم الطلاب إلى مجموعات صغيرة غير متجانسة (مستويات مختلفة) يعملون معاً لإنجاز مهمة مشتركة، ويكون نجاح الفرد معتمداً على نجاح المجموعة.
  • ليس مجرد عمل جماعي: يختلف عن العمل الجماعي التقليدي بوجود 5 عناصر أساسية (الاعتماد المتبادل الإيجابي، المسؤولية الفردية، التفاعل وجهاً لوجه، المهارات الاجتماعية، ومعالجة عمل المجموعة).
  • دوره في الكتاب: هذه الطريقة هي التطبيق الأمثل لهدف "تحقيق التفاعل الصفي التعاوني". إنها تعلم الطالب مهارات حياتية حاسمة مثل التفاوض، والاستماع النشط، وقيادة الفريق، وهي مهارات تتطلبها الاستعدادات النفسية للعمل المستقبلي.

3. العصف الذهني (Brainstorming)

​استراتيجية كلاسيكية في الإبداع، لكن الكتاب يضعها في سياقها التدريسي الصحيح.

  • ما هو؟ أسلوب لتوليد أكبر عدد ممكن من الأفكار حول موضوع معين في فترة زمنية قصيرة، دون أي نقد أو تقييم في المرحلة الأولى.
  • المبدأ الأساسي: "الكم يولد الكيف". و"تأجيل الحكم".
  • كيف يطبق؟ يطرح المعلم سؤالاً مفتوحاً (مثل: "ما هي الطرق التي يمكننا بها تقليل التلوث في مدرستنا؟")، ويسمح للطلاب بتقديم أي فكرة تخطر ببالهم (مهما بدت غريبة)، ثم في مرحلة لاحقة يتم فرز هذه الأفكار وتقييمها.
  • دوره في الكتاب: يُعد العصف الذهني أداة قوية لكسر الجمود، تشجيع الإبداع، وإشراك جميع الطلاب (حتى الخجولين منهم).

4. خرائط المفاهيم (Concept Maps)

​هذه الطريقة هي الحل لتنظيم "المعلومات" و"إيصالها" بطريقة بصرية وذات معنى.

  • ما هي؟ هي رسوم تخطيطية بصرية تُظهر العلاقات بين المفاهيم المختلفة. تتكون من "عُقد" (دوائر أو مربعات) تمثل المفاهيم، و"روابط" (أسهم أو خطوط) مكتوب عليها كلمات تصف العلاقة بين هذه المفاهيم.
  • كيف تطبق؟ يمكن أن يستخدمها المعلم كأداة شرح، أو (وهو الأفضل) يطلب من الطلاب إنشاء خرائطهم المفاهيمية الخاصة كطريقة لتقييم فهمهم أو تلخيص درس.
  • دوره في الكتاب: هي من أقوى الاتجاهات الحديثة لأنها تحول المادة النصية المجردة إلى هيكل بصري منظم، وهو ما يناسب القدرات العقلية للطلاب الذين يتعلمون بصرياً، وتساعد على "رؤية الصورة الكبيرة" للعلاقات بين الأفكار.

5. التعليم التبادلي (Reciprocal Teaching)

​استراتيجية قوية جداً لتعميق الفهم القرائي والتعلم النشط.

  • ما هو؟ هو حوار تفاعلي بين المعلم والطلاب (أو بين الطلاب أنفسهم) حول نص معين. يتمحور حول أربع استراتيجيات رئيسية:
    1. التلخيص (Summarizing): تحديد الأفكار الرئيسية في الجزء المقروء.
    2. التساؤل (Questioning): طرح أسئلة حول النص (ماذا، لماذا، كيف).
    3. التوضيح (Clarifying): تحديد الكلمات أو الأفكار الصعبة ومحاولة شرحها.
    4. التنبؤ (Predicting): التخمين بما سيحدث تالياً بناءً على ما تم قراءته.
  • كيف يطبق؟ في البداية، يقود المعلم هذه الاستراتيجيات الأربع. تدريجياً، "يتبادل" الأدوار مع الطلاب، ليصبح الطالب هو من يلخص ويسأل ويوضح ويتنبأ لمجموعة صغيرة من زملائه.
  • دوره في الكتاب: هذه الطريقة هي مثال ممتاز على نقل مسؤولية التعلم إلى الطالب، وهي تحسن بشكل كبير مهارات ما وراء المعرفة (التفكير في التفكير).

6. التعليم التوليدي (Generative Learning)

​هذه استراتيجية معرفية عميقة تركز على جعل التعلم "نشطاً" في الدماغ.

  • ما هو؟ التعلم التوليدي يفترض أن التعلم لا يحدث بمجرد "استقبال" المعلومات، بل عندما يقوم المتعلم "بتوليد" معنى أو منتج جديد من هذه المعلومات.
  • كيف يطبق؟ بدلاً من مجرد قراءة ملخص، يطلب المعلم من الطالب:
    • إعادة الصياغة: "اشرح هذا المفهوم بكلماتك الخاصة."
    • إنشاء التشبيهات: "كيف يشبه هذا المفهوم...؟"
    • التدريس للآخرين: (أقوى طريقة) "جهز نفسك لتعليم هذا الدرس لزميلك غداً."
  • دوره في الكتاب: يُظهر هذا الاتجاه أن إيصال المعلومة لا يكتمل إلا عندما يعالجها المتعلم ذهنياً وينتج منها شيئاً جديداً.

7. التعليم الإلكتروني (E-learning)

​لا يمكن الحديث عن "الاتجاهات الحديثة" دون ذكر التعليم الإلكتروني، ولكنه ليس مجرد "أداة".

  • ما هو؟ هو استخدام التكنولوجيا الرقمية والإنترنت لدعم عملية التعلم. الكتاب لا يقدمه كبديل كامل، بل كجزء من منظومة التدريس.
  • استراتيجياته:
    • التعلم المدمج (Blended Learning): مزيج بين التعلم الصفي التقليدي والتعلم عبر الإنترنت.
    • الفصل المقلوب (Flipped Classroom): يشاهد الطالب المحاضرة (فيديو) في المنزل، ويتم تخصيص وقت الفصل للمناقشة والتطبيقات (عكس ما يحدث تقليدياً).
  • دوره في الكتاب: هو الأداة الأقوى لتحقيق التنويع والتوافق مع مستويات التلاميذ. يمكن للطالب المتقدم أن يتجاوز المواد بسرعة، بينما يمكن للطالب المتعثر أن يعيد مشاهدة الدرس عدة مرات، مما يحقق "تفريد التعليم" الذي كان مستحيلاً بالطرق التقليدية.

الهدف الأسمى: بناء فصل دراسي تفاعلي ومتمركز حول المتعلم

​إن خلاصة ما يقدمه كتاب "الاتجاهات الحديثة في طرائق التدريس" هو أن المعلم الناجح في القرن الحادي والعشرين ليس من يمتلك طريقة واحدة "سحرية"، بل هو "قائد أوركسترا" يمتلك مجموعة متنوعة من الأساليب والاستراتيجيات وينتقي منها ما يناسب الموقف.

​الهدف ليس تطبيق التعليم التعاوني في كل حصة، أو العصف الذهني كل يوم، بل الهدف هو تحقيق:

  1. التفاعل الصفي التعاوني: كسر حاجز الصمت، وجعل الطلاب يتحدثون مع بعضهم البعض حول المادة العلمية، وليس فقط مع المعلم.
  2. التوافق مع المستويات: الانتقال من "مقاس واحد يناسب الجميع" إلى "تدريس متمايز" يحترم الفروق الفردية في القدرات العقلية والاستعدادات النفسية (كما يؤكد الكتاب).

خاتمة: من "ناقل معرفة" إلى "صانع تعلم"

​يُعد كتاب "الاتجاهات الحديثة في طرائق التدريس" للدكتور قصي السمرائي والدكتور رائد الخفاجي مرجعاً ضرورياً لكل من يعمل في الحقل التربوي. إنه يقدم إجابة عملية على السؤال الأهم: كيف نحول فصولنا الدراسية من أماكن لحفظ المعلومات إلى "ورش عمل" لإنتاج الفكر؟

​إن تبني هذه الاتجاهات الحديثة، من التعليم البنائي وخرائط المفاهيم إلى التعليم التبادلي، ليس ترفاً أكاديمياً، بل هو ضرورة حتمية لإعداد جيل قادر على التكيف والإبداع في عالم متغير. إنه ينقل دور المعلم من "ناقل للمعلومة" إلى "مهندس لبيئات التعلم" ومحفز لإمكانيات المتعلم.

📖 أسئلة شائعة (FAQ) حول طرائق التدريس الحديثة

س1: ما هي الفلسفة الأساسية التي تجمع بين كل طرائق التدريس الحديثة؟

ج: الفلسفة الأساسية هي الانتقال من "التعلم المتمركز حول المعلم" (Teacher-Centered) إلى "التعلم المتمركز حول المتعلم" (Student-Centered). في هذا النموذج، يصبح الطالب نشطاً، باحثاً، ومشاركاً في بناء معرفته، بينما يصبح المعلم مرشداً وميسراً.

س2: هل يعني استخدام الطرائق الحديثة إلغاء الطريقة التقليدية (الإلقاء) تماماً؟

ج: لا. حتى الطريقة الإلقائية (المحاضرة) لها مكانها، ولكن كجزء من منظومة متنوعة وليس كالطريقة الوحيدة. يمكن أن تكون المحاضرة القصيرة (10-15 دقيقة) فعالة جداً لتقديم مفاهيم جديدة، على أن يتبعها نشاط بنائي أو تعاوني. التنوع هو المفتاح.

س3: ما هي أكبر عقبة تواجه تطبيق طرائق التدريس الحديثة كما يراها الكتاب؟

ج: غالباً ما تكون العقبة في تغيير العقليات التقليدية (سواء لدى المعلمين، الإدارة، أو حتى أولياء الأمور)، بالإضافة إلى الحاجة لتطوير مهني مستمر للمعلمين لتدريبهم على هذه الاستراتيجيات، وتحديات مثل كثافة الفصول الدراسية وضيق الوقت المخصص للمنهج.

س4: ما هو "التعليم التبادلي" (Reciprocal Teaching) الذي ذكره الكتاب؟

ج: هو استراتيجية قراءة متقدمة يصبح فيها الطلاب "معلمين" لزملائهم. يقومون بتطبيق أربع مهارات على النص (التلخيص، التساؤل، التوضيح، التنبؤ). هذه الطريقة تنقل مسؤولية الفهم من المعلم إلى الطالب بشكل فعال جداً.

تحميل كتاب الاتجاهات الحديثة في طرق التدريس pdf

تعليقات