📁 آخر الأخبار

نظرية الإنسان ذو البعد الواحد

نظرية الإنسان ذو البعد الواحد

نظرية الإنسان ذو البعد الواحد
نظرية الإنسان ذو البعد الواحد.

مقدمة

في عالمنا المعاصر، يواجه الإنسان تحديات ومشاكل كثيرة تهدد حياته وحريته وكرامته. فهو يعيش في مجتمع صناعي متقدم يتسم بالتكنولوجيا والإدارة والاستهلاك والتوجيه. ويسأل الإنسان نفسه: هل هذا هو النموذج الأمثل للحضارة؟ هل هذا هو الهدف الأعلى للتقدم؟ هل هذا هو المصير الوحيد للإنسان؟

هذه الأسئلة هي محور نظرية الإنسان ذو البعد الواحد، وهي نظرية قدمها الفيلسوف هربرت ماركوزي في كتابه الذي يحمل نفس الاسم. الكتاب صدر في عام 1964، وهو يعتبر من أهم الكتب النقدية للمجتمع الرأسمالي والماركسي. في هذه النظرية، يحلل ماركوزي كيف يتم التحكم في الفرد وتوجيهه بواسطة الهياكل السلطوية والتكنولوجية، وكيف يفقد الفرد القدرة على التفكير بشكل نقدي وإبداعي ومسؤول. ويدعو ماركوزي إلى إيجاد بُعد ثانٍ للإنسان، أي بُعد يتيح له التفكير بشكل مستقل ونقدي وإبداعي، ويمنحه الحرية والكرامة والمسؤولية.

في هذه المقالة، سنتعرف على أهم مفاهيم وأفكار نظرية الإنسان ذو البعد الواحد، وسنناقش بعض الحلول التي يقترحها ماركوزي للتغلب على المجتمع الصناعي المتقدم.

الإنسان ذو البعد الواحد

الإنسان ذو البعد الواحد هو مصطلح يستخدمه ماركوزي لوصف الفرد الذي يعيش في المجتمع الصناعي المتقدم، والذي يتم تحويله إلى جزء من النظام القائم، ولا يمتلك القدرة على التغيير أو الابتكار. هذا الفرد يفقد البُعد الثاني للإنسان، أي البُعد الذي يتيح له التفكير في المستقبل والتغيير بشكل إيجابي. هذا الفرد يصبح “إنسان ذو بُعد واحد”، أي إنسان يقبل بالواقع كما هو، ولا يسعى إلى تحسينه أو تغييره.

ويقول ماركوزي: “الإنسان ذو البعد الواحد هو إنسان متحول ومتكيف مع النظام القائم، ولا يمتلك القدرة على التغيير أو الابتكار. هذا الإنسان يفقد القدرة على التفكير بشكل نقدي وإبداعي ومسؤول. هذا الإنسان يفقد الحرية والكرامة والمسؤولية. هذا الإنسان يفقد البُعد الثاني للإنسان، أي البُعد الذي يتيح له التفكير في المستقبل والتغيير بشكل إيجابي”.

ويعزو ماركوزي سبب تحول الإنسان إلى إنسان ذو بعد واحد إلى عوامل عدة، منها:

  • التقدم التكنولوجي والإداري: يقول ماركوزي أن التقدم التكنولوجي والإداري في المجتمع يتسبب في تحول الفرد إلى “إنسان ذو بُعد واحد”، أي أنه يفقد القدرة على التفكير بشكل نقدي. فالتكنولوجيا والإدارة تسيطر على جميع جوانب حياة الفرد، من العمل إلى الفراغ إلى الاستهلاك. وتقوم التكنولوجيا والإدارة بتحديد الأهداف والقيم والمعايير للفرد، وتقوم بتقييم أدائه وسلوكه ورضاه. وتقوم التكنولوجيا والإدارة بتوفير الراحة والأمن والكفاءة للفرد، ولكن بمقابل تخليه عن حريته وإبداعه ومسؤوليته.

  • التشوه الثقافي: يشير ماركوزي إلى أن الثقافة تصبح جزءًا من وسائل التحكم والتوجيه، بدلاً من أن تكون وسيلة للتحرر. فالثقافة تعبر عن القيم والمعايير والقصص المشتركة بين الناس، وتؤثر على طريقة تفكيرهم وتصرفهم. ولكن في المجتمع الصناعي المتقدم، تتحول الثقافة إلى وسيلة لتشويه الأفكار والرغبات لتتناسب مع الاحتياجات الاستهلاكية والسيطرة الاجتماعية. فالثقافة تصبح سلعة يتم إنتاجها وتوزيعها واستهلاكها بشكل جماعي، وتصبح موحدة ومقيدة ومتطابقة. 

  • النقد والتغيير: يقول ماركوزي أن الإنسان ذو البعد الواحد يفقد القدرة على النقد والتغيير، ويصبح مقبولاً بالواقع كما هو، ولا يسعى إلى تحسينه أو تغييره. فالنقد والتغيير هما وسيلتان أساسيتان للتحرر من القيود والتحديات التي يواجهها الإنسان في حياته. ولكن في المجتمع الصناعي المتقدم، يتم قمع النقد والتغيير بواسطة الهياكل السلطوية والتكنولوجية، ويتم تحويلهما إلى وسيلتين للمحافظة على النظام القائم، وليس للتغيير. فالنقد والتغيير يصبحان محدودين ومنظمين ومتوافقين مع الاحتياجات الاستهلاكية والسيطرة الاجتماعية. ويصبح النقد والتغيير مجرد أشكال من أشكال الرضا والانسجام والانصياع.

الحلول المقترحة

ماركوزي يقترح بعض الحلول للتغلب على المجتمع الرأسمالي الذي يحول الإنسان إلى إنسان ذو بعد واحد. من بين هذه الحلول:

  • تحرير الإنسان من الاستهلاك الجماعي والتحريض الإعلامي والتوجيه السلطوي، وتنمية الوعي النقدي والإبداعي لدى الأفراد.
  • تشجيع الفن والثقافة والتعليم والسياسة الديمقراطية كوسائل لإيجاد بعد ثانٍ للإنسان، أي بعد يتيح له التفكير بشكل مستقل ومسؤول ومتضامن مع الآخرين.
  • تحقيق التحول الثوري من خلال القوى الهامشية والمقهورة في المجتمع، مثل الطلاب والنساء والأقليات والمثليين والمناضلين من أجل السلام والبيئة، والتي تمثل الإمكانية السلبية للتغيير.
  • تحويل العمل من وسيلة للإنتاج والربح إلى وسيلة للتعبير عن الذات والتحقيق الإنساني، وتقليل ساعات العمل وزيادة الوقت الحر للأفراد.
  • تطوير نمط حياة بديل يقاوم النظام القائم ويسعى إلى تحقيق العدالة والحرية والسعادة للجميع.

خاتمة

نظرية الإنسان ذو البعد الواحد هي نظرية تحاول تفسير ونقد المجتمع الصناعي المتقدم، وتحاول إيجاد حلول للتغلب على مشاكله وتحدياته. هذه النظرية ترى أن الإنسان في هذا المجتمع يتحول إلى إنسان ذو بعد واحد، أي إنسان يفقد القدرة على التفكير بشكل نقدي وإبداعي ومسؤول، ويفقد الحرية والكرامة والمسؤولية. وتدعو هذه النظرية إلى إيجاد بعد ثانٍ للإنسان، أي بعد يتيح له التفكير بشكل مستقل ونقدي وإبداعي، ويمنحه الحرية والكرامة والمسؤولية. وتقترح هذه النظرية بعض الحلول للتحرر من القيود والتحديات التي يواجهها الإنسان في حياته، مثل تحرير الإنسان من الاستهلاك والتوجيه، وتشجيع الفن والثقافة والتعليم والسياسة، وتحقيق التحول الثوري، وتحويل العمل والحياة.

هذه المقالة تهدف إلى تقديم ملخص عام عن نظرية الإنسان ذو البعد الواحد، وليس إلى تفصيل كل جوانبها وتطبيقاتها. لمزيد من المعلومات والتحليل، يمكنكم الرجوع إلى الكتاب الأصلي لهربرت ماركوزي، أو إلى بعض المصادر الأخرى المرفقة في الهوامش. أتمنى أن تكون هذه المقالة مفيدة وممتعة لكم. 

: ماركوزي، هربرت. الإنسان ذو البعد الواحد: دراسات في أيديولوجية المجتمع الصناعي المتقدم. ترجمة عبد الرحمن بدوي. القاهرة: دار الثقافة الجديدة، 2002.

: الحسن، عبد الله. “نظرية الإنسان ذو البعد الواحد لهربرت ماركوزي”. مجلة العلوم الاجتماعية، المجلد 41، العدد 4، 2013، ص 1-24.

: العمري، عبد الله. “نظرية الإنسان ذو البعد الواحد لهربرت ماركوزي: تحليل نقدي”. مجلة العلوم الإنسانية، المجلد 18، العدد 1، 2016، ص 1-20.

تعليقات