نظرية المعرفة والسلطة عند ميشيل فوكو.pdf
الأستاذ الدكتور : محمد علي الكردي
مقدمة : لماذا ميشيل فوكو ؟
إن ميشيل فوكو ( ١٩٢٦ – ١٩٨٤ ) يعد ـ لا شك ـ من أكبر المفكرين الفرنسيين المعاصرين الذين واكبوا انتشار البنيوية ، فكراً ونظرية وأيديولوجية ومنهجاً . وهو ، وإن ظل يحسب عليها فترة من الزمن ويعد واحداً من أقطابها على شاكلة كلود ليفي ــ ستروس في الأنثربولوجيا وجاك لاكان في التحليل النفسي ورولان بارت في النقد الأدنى ، لم يكف عن التنصل منها والتنكر لها . ولربما يكون محقاً في ذلك ، ولربما يكون من واجبنا أيضاً أن تنظر بعين الاعتبار إلى دعواه واستنكاره المرة تلو المرة لما ينسب إليه من أفكارها ومناهجها !
إقرأ أيضا: كتاب نظرية المعرفة والسلطة عند ميشيل فوكو للدكتور عبد العزيز العيادي
مهما يكن من أمر ، إن منهج فوكو في تحليل الخطاب ( discours ) ، الموسوم بالأركيولوجيا ، لا يختلف في جوهره كثيراً عن البنيوية ، أو على الأقل عن منحاها الأساسي ، في أنه محاولة لإدراك الفكر ، لا من حيث هو نتاج لإرادة الباحثين ومشروعاتهم الواعية ، ولكن من حيث هو مجال لانبثاق المعرفة في وضعيتها الخالصة كفكر ظاهري محض ، أي كفكر يتفتق تلقائياً من حركة الممارسات الخطابية واللغوية ، التي لا يحكم مسيرتها شيء سوى الظروف التاريخية المحيطة بها والاستراتيجيات السلطوية الموجهة لها . بعبارة أخرى ، إن فوكو يسعى إلى تحرير ألوان الخطاب في شتى مجالات المعرفة ، من نوايا وأغراض الباحثين ومما يرتبط بها من أيديولوجيات ظاهرة أو كامنة ، حتى يظهر الخطاب على سجيته وفي تناثره التلقائي البحث . ولكن إذا كانت الظروف التاريخية تحد من حرية الخطاب في شكل بعض القواعد الملزمة وإذا كانت هذه القواعد ترتبط يبعض التوجهات الاستراتيجية فإنه لا يجدر بنا أن نفهم دور هذه الظروف وهذه التوجهات على شاكلة حتميات تؤثر في صور الخطاب وتقدم له موضوعاته ومضامينه بطريقة آلية بحتة .
ذلك أن هذه الظروف وهذه التوجهات ليست ، في واقع الأمر ، إلا مجموعة من الاختيارات الممكنة ، التي تعبر ، في أغلب الظن ، عن « حاجات » أو « ضرورات » معينة ترتبط بشكل أو بآخر بعلاقات القوى الموجودة ، وإن لم تكن ـ بالضرورة ـ المهيمنة على الصعيد الاقتصادي في الفترة التاريخية التي يقتطع منها الخطاب أو المجال المعرفي الخاضع للبحث الأركيولوجي الذي سيكمله لاحقاً البعد الجينيالوجى.