📁 آخر الأخبار

قراءة في كتاب "الغريزة الجنسية بين اليهودية والمسيحية والإسلام": مقاربة دينية لقوة فطرية

قراءة في كتاب "الغريزة الجنسية بين اليهودية والمسيحية والإسلام": مقاربة دينية لقوة فطرية

​مراجعة تحليلية لكتاب "الغريزة الجنسية بين اليهودية والمسيحية والإسلام" لعلي سيد أحمد الفرسيسي. اكتشف كيف يقارن الكتاب بين الأديان الثلاثة في تنظيمها للغريزة الجنسية ومواجهة الانحرافات.

​مقدمة: الغريزة الأقوى.. والبحث عن "الإطار الصحيح"

​«إن غريزة الجنس هي من أقوى الغرائز الفطرية التي ركبها الله في الإنسان، إن لم تكن أقواها على وجه الإطلاق...»

​بهذه العبارة القوية، يفتتح الكاتب علي سيد أحمد الفرسيسي مقدمة كتابه الهام "الغريزة الجنسية بين اليهودية والمسيحية والإسلام". المقدمة تضعنا مباشرة أمام "جوهر" الإشكالية التي يعالجها الكتاب: الغريزة الجنسية ليست مجرد "وظيفة بيولوجية"، بل هي "قوة محركة" أساسية تؤثر في الفرد والأسرة والمجتمع بأكمله. إنها، كما يراها المؤلف، "السبب المباشر في عمارة الدنيا واستمرار الحياة".

​لكن هذه القوة، كأي قوة جبارة، يمكن أن تكون "بناءة" أو "مدمرة". "فإذا حسن ترشيدها والتحكم فيها استقام الفرد والأسرة وصلح المجتمع، وإذا أهملت أو كبتت؛ شقي الفرد وتفككت الأسرة وانهار المجتمع". هذا "التوتر" بين الإمكانية البناءة والإمكانية المدمرة للغريزة هو ما يجعل "تنظيمها" و "تأطيرها" ضرورة حتمية.

​يطرح الفرسيسي سؤاله المحوري: "أين هذا الإطار الصحيح؟ أهو في اليهودية؟ أم في المسيحية؟ أم في الإسلام؟". هذا السؤال يحدد "المنهج" الذي يتبعه الكتاب: إنه منهج مقارن بين الأديان السماوية الثلاثة، بهدف استكشاف كيف تعاملت كل ديانة مع هذه القوة الفطرية الأساسية.

الغريزة الجنسية بين اليهودية والمسيحية والاسلام - علي سيد أحمد الفرسيسي
غلاف كتاب الغريزة الجنسية بين اليهودية والمسيحية والاسلام - علي سيد أحمد الفرسيسي.

​في هذه المقالة التحليلية، لن نقدم ملخصاً سريعاً للكتاب، بل سنحاول "قراءة" مشروعه بعمق: ما هي "أهمية" هذه المقارنة في سياقنا المعاصر؟ ما هي "المحاور" الكبرى التي يغطيها الكتاب؟ وما هي "الإضافة المعرفية" التي يقدمها للقارئ المهتم بتقاطع الدين والأخلاق والجنسانية؟

​1. أهمية الموضوع: لماذا نحتاج لمقاربة دينية للجنسانية؟

​قبل الدخول في تفاصيل الكتاب، من المهم التوقف عند "أهمية" الموضوع نفسه. في عصرنا الحالي، حيث تتصارع رؤى مختلفة حول الجنسانية (من التحرر المطلق إلى التزمت الشديد)، وحيث تؤدي "إساءة استخدام" الغريزة إلى مشاكل اجتماعية ونفسية خطيرة (كما يلمح المؤلف إلى "جرائم عديدة من الزنا والقتل وأخذ الرشا")، يصبح البحث عن "إطار أخلاقي" لتنظيم هذه الغريزة أمراً ملحاً.

​الكتاب يقدم "مقاربة دينية" لهذا الإطار. قد يرى البعض أن الدين هو "جزء من المشكلة" (بسبب الكبت أو التحريم المفرط في بعض التفسيرات). لكن الفرسيسي ينطلق من فرضية معاكسة: الدين هو "جزء أساسي من الحل"، لأنه يقدم نظاماً متكاملاً (نظرياً على الأقل) لـ "ترشيد" هذه الغريزة وتوجيهها نحو أهداف بناءة (الزواج، الأسرة، عمارة الأرض).

القيمة المضافة للكتاب تكمن في منهجه المقارن:

  • تجاوز الانغلاق: بدلاً من التركيز على دين واحد، يفتح الكتاب نافذة على "كيف" تعاملت تقاليد دينية مختلفة (متشابهة في أصولها الإبراهيمية، ولكن مختلفة في تطورها التاريخي والفقهي) مع نفس "التحدي" الإنساني الأساسي.
  • الفهم الأعمق: المقارنة تسمح بإبراز "نقاط التشابه" (القيم المشتركة) و "نقاط الاختلاف" (الحلول المتباينة) بين الأديان، مما يعمق فهمنا لكل تقليد على حدة وللظاهرة الدينية بشكل عام.
  • الحوار بين الأديان: يمكن أن يساهم هذا النوع من الدراسات (إذا تم بموضوعية) في تعزيز الحوار والفهم المتبادل بين أتباع الديانات المختلفة حول قضايا حساسة ومشتركة.

​2. هيكل الكتاب: رحلة مقارنة عبر أربعة محاور

​يقسم الفرسيسي كتابه إلى أربعة فصول رئيسية، يمثل كل منها "زاوية" مختلفة لمقارنة تعامل الأديان الثلاثة مع الغريزة الجنسية:

​الفصل الأول: طبيعة الغريزة الجنسية

  • السؤال المركزي: كيف تنظر اليهودية والمسيحية والإسلام إلى "جوهر" الغريزة الجنسية نفسها؟ هل هي "هبة إلهية" يجب شكرها وتنميتها؟ أم هي "ميل نحو الخطيئة" يجب كبته وقهره؟ أم هي "قوة محايدة" تحتاج إلى توجيه؟
  • التحليل المحتمل: من المرجح أن يستعرض الكتاب النصوص التأسيسية (التوراة، الأناجيل، القرآن والسنة) والتفاسير اللاهوتية والفقهية المختلفة داخل كل دين ليبرز التصورات المتباينة. قد يناقش مفهوم "الخطيئة الأصلية" في المسيحية وتأثيره على النظرة للجسد والجنس، مقابل النظرة الإسلامية التي قد تعتبر الغريزة "فطرة" تحتاج إلى تنظيم لا قمع، ومقارنة ذلك بالتركيز اليهودي على "الزواج والإنجاب" كواجب ديني.

​الفصل الثاني: أهم المثيرات الجنسية

  • السؤال المركزي: ما هي "العوامل" التي تعتبرها كل ديانة "مثيرات" للغريزة يجب التعامل معها بحذر أو تنظيم؟ وكيف تختلف قواعد "التفاعل" بين الجنسين؟
  • التحليل المحتمل: قد يتناول هذا الفصل قضايا مثل "النظر"، "اللباس" (الحجاب، قواعد الاحتشام المختلفة)، "الخلوة"، "الاختلاط"، و "التعبيرات الفنية" (هل هناك قيود على تصوير الجسد أو العلاقات؟). سيبرز الكتاب كيف أن "حدود" ما يعتبر "مُثيراً" أو "مُحرّماً" تختلف بشكل كبير بناءً على التفسيرات الدينية والسياقات الثقافية.

​الفصل الثالث: مواجهة الانحرافات الجنسية

  • السؤال المركزي: كيف تُعرّف كل ديانة "الانحراف الجنسي"؟ وما هي "آلياتها" لمواجهته (عقوبات دنيوية، توبة، علاج روحي)؟
  • التحليل المحتمل: سيتطرق هذا الفصل حتماً إلى قضايا حساسة مثل "الزنا"، "العلاقات خارج إطار الزواج"، "المثلية الجنسية"، وغيرها من الممارسات التي تقع خارج "الإطار الصحيح" الذي تراه كل ديانة. سيقارن الكتاب بين "العقوبات" المنصوص عليها، و "مفاهيم التوبة والمغفرة"، وربما "المواقف المعاصرة" داخل كل تقليد ديني تجاه هذه القضايا (وهي مواقف تتسم بتنوع كبير).

​الفصل الرابع: حدود المعاشرة الجنسية بين الزوجين

  • السؤال المركزي: حتى داخل "الإطار الصحيح" (الزواج)، ما هي "الحدود" و "الآداب" التي تضعها كل ديانة للعلاقة الجنسية بين الزوجين؟
  • التحليل المحتمل: قد يناقش هذا الفصل قضايا مثل "أوقات" الجماع المسموح بها أو الممنوعة (مثل فترة الحيض في اليهودية والإسلام)، "الأوضاع" أو "الممارسات" المسموح بها، "حقوق" كل من الزوجين في العلاقة، و "هدف" العلاقة (هل هو الإنجاب فقط أم يشمل المتعة والترابط العاطفي؟).

​3. القيمة المضافة للكتاب ونقاط للنقاش

​يقدم كتاب علي سيد أحمد الفرسيسي، بناءً على هيكله ومقدمته، إضافة قيمة للمكتبة العربية من خلال:

  • تناوله لموضوع مسكوت عنه: يقتحم الكتاب بشجاعة موضوعاً حيوياً لكنه غالباً ما يُعتبر من "المحرمات" في النقاش العام.
  • منهجه المقارن المنظم: يوفر للقارئ إطاراً منظماً لمقارنة مواقف الأديان الثلاثة حول جوانب محددة من الجنسانية.
  • تأكيده على دور الدين: يعيد الاعتبار لدور الدين كـ "عامل مؤثر" و "منظّم" للسلوك الجنسي، في وقت قد يميل فيه البعض لتجاهل هذا الدور.

مع ذلك، هناك نقاط قد تحتاج إلى نقاش نقدي عند قراءة الكتاب (وهو ما قد لا يفعله الكتاب نفسه بالضرورة):

  • خطر التعميم: كل دين من هذه الأديان ليس "كتلة واحدة". هناك تنوع هائل في المذاهب والتفسيرات والمدارس الفقهية داخل اليهودية والمسيحية والإسلام. هل ينجح الكتاب في عكس هذا التنوع، أم يقدم صورة "نمطية" لكل دين؟
  • الانتقائية في المصادر: على أي نصوص ومصادر يعتمد المؤلف في تمثيله لكل دين؟ هل هي مصادر ممثلة للتيار الرئيسي، أم لتفسيرات معينة؟
  • التحيز المحتمل: هل يقدم الكتاب مقارنة "موضوعية" تهدف للفهم، أم مقارنة "دفاعية" أو "جدلية" تهدف لإثبات تفوق دين على آخر (كما قد توحي عبارة البحث عن "الإطار الصحيح")؟
  • السياق التاريخي والاجتماعي: هل يأخذ الكتاب بعين الاعتبار كيف تطورت المواقف الدينية من الجنسانية عبر التاريخ، وكيف تتأثر بالممارسات الاجتماعية والثقافية المحيطة؟ علم اجتماع الدين يؤكد على هذا التفاعل.

​خاتمة: دعوة للفهم والترشيد

​يُعد كتاب "الغريزة الجنسية بين اليهودية والمسيحية والإسلام" لعلي سيد أحمد الفرسيسي مساهمة جادة ومهمة في حقل الدراسات الدينية المقارنة، مع التركيز على جانب محوري وحساس من التجربة الإنسانية.

​بغض النظر عن مدى اتفاق القارئ أو اختلافه مع "استنتاجات" المؤلف حول "الإطار الصحيح"، فإن الكتاب يقدم مادة غنية للتفكير والمقارنة. إنه يذكرنا بأن الغريزة الجنسية، هذه القوة الفطرية الهائلة، كانت ولا تزال في قلب الاهتمام الديني والأخلاقي، وأن فهم "كيف" حاولت الأديان الكبرى تنظيمها وترشيدها هو جزء أساسي من فهم تاريخنا وحاضرنا.

​الكتاب هو دعوة، في نهاية المطاف، ليس فقط "للمقارنة" بين الأديان، بل أيضاً "للتفكر" في علاقتنا نحن، كأفراد ومجتمعات، بهذه الغريزة، ولبحث السبل المثلى لترشيدها بما يحقق "صلاح الفرد والأسرة والمجتمع".

​📘 تحميل كتاب "الغريزة الجنسية بين اليهودية والمسيحية والإسلام" PDF

​اكتشف كيف يقارن علي سيد أحمد الفرسيسي بين الأديان الإبراهيمية الثلاثة في تعاملها مع الغريزة الأقوى لدى الإنسان.

تحميل الكتاب PDF

تعليقات