توماس بوتومور: تحليلات علم الاجتماع الماركسي والنظريات حول النخبة والطبقات الاجتماعية
تمهيد
تُعد أعمال توماس بوتومور (1920–1992) حجرَ زاوية في علم الاجتماع الحديث، خاصةً في دمج الماركسية بالنقد الاجتماعي. كان بوتومور مفكرًا بريطانيًا بارزًا، جمع بين الأكاديميا والنشاط الفكري، حيث أسهم في ترجمة الأعمال الماركسية وتطوير مفاهيم مثل النخبة السياسية والطبقات الاجتماعية والسلطة في سياق التحولات الرأسمالية. ساهمت مؤلفاته، مثل "الصفوة والمجتمع" و"علم الاجتماع السياسي"، في تشكيل فهم جديد للعلاقة بين البنى الاقتصادية والهياكل الاجتماعية، مما جعله أحد أعمدة الفكر النقدي في القرن العشرين.
![]() |
توماس بوتومور عالم الاجتماع البريطاني. |
في هذه المقالة، سنستعرض مسيرته الفكرية وأبرز مؤلفاته، مع تحليل تأثيرها في علم الاجتماع المعاصر، مستندين إلى أبحاثه المنشورة ومراجعات نقدية لأعماله.
أولًا: مدرسة فرانكفورت والفكر النقدي
![]() |
مدرسة فرانكفورت والفكر النقدي. |
في كتابه "مدرسة فرانكفورت"، قدم بوتومور تحليلًا عميقًا لأفكار هذه المدرسة، التي ضمت مفكرين مثل هربرت ماركوز ويورغن هابرماس. ركز على النظرية النقدية التي انتقدت الرأسمالية من خلال الجمع بين الماركسية وعلم النفس الاجتماعي، مشيرًا إلى كيف سعت المدرسة إلى كشف آليات الهيمنة الثقافية عبر وسائل الإعلام والتعليم.
أبرز أفكار الكتاب:
- نقد الأيديولوجيا: رأى بوتومور أن مدرسة فرانكفورت كشفت كيف تُستخدم الثقافة الجماهيرية لتبرير الاستغلال الاقتصادي.
- الدمج بين الماركسية والتحليل النفسي: أبرز دور اللاوعي الاجتماعي في تقبُّل الأنظمة السلطوية.
- التأثير على الحركات الاجتماعية: ناقش كيف ألهمت أفكار المدرسة حركات اليسار الجديد في الستينيات.
يُعتبر هذا العمل مرجعًا لفهم التكامل بين النظرية الماركسية والتحليل الثقافي، مما يفسر استمرار صلة أفكاره بالواقع المعاصر.
ثانيًا: تمهيد في علم الاجتماع
![]() |
تمهيد في علم الاجتماع. |
في كتابه "علم الاجتماع: دليل للمشكلات والأدب" (1962)، قدم بوتومور مدخلًا شاملاً لعلم الاجتماع، مستعرضًا تطوره من أوغست كونت إلى ماكس فيبر وكارل ماركس. ركز على:
- المنهجية العلمية: ناقش أهمية التحليل التجريبي في دراسة الظواهر الاجتماعية.
- الصراع الطبقي: أبرز كيف شكلت أعمال ماركس أساسًا لفهم التفاوتات الاقتصادية.
- الوظيفة الاجتماعية للمؤسسات: مثل التعليم والدين في الحفاظ على الاستقرار المجتمعي.
لماذا يُعد هذا الكتاب أساسيًا؟
لأنه يجمع بين النظريات الكلاسيكية والمناقشات المعاصرة، مما يجعله دليلًا تعليميًا لا غنى عنه للدارسين.
ثالثًا: الصفوة والمجتمع – النخب وديناميكيات السلطة
![]() |
الصفوة والمجتمع. |
يُعتبر كتاب "الصفوة والمجتمع" (1964) أحد أهم أعمال بوتومور، حيث حلل فيه نظريات النخبة لـفيلفريدو باريتو وغايتانو موسكا، مقارنًا إياها بالرؤية الماركسية للطبقة الحاكمة.
محاور رئيسية:
- مفهوم النخبة: فرّق بين "النخبة السياسية" و"الطبقة الحاكمة"، مشيرًا إلى أن الأولى تعتمد على الكفاءة، بينما الثانية على الملكية الاقتصادية.
- دورة النخب: ناقش كيف تتغير النخب الحاكمة عبر التاريخ، مستشهدًا بدراسات حالة من فرنسا والمجتمعات النامية.
- النقد الماركسي: أشار إلى محدودية نظريات النخبة في تفسير الصراع الطبقي، مؤكدًا أن الماركسية تقدم تحليلًا أكثر شمولًا للسلطة.
في الطبعة الثانية (1993)، أضاف بوتومور تحليلًا لـالنخب العالمية في ظل العولمة، مثل تأثير الشركات متعددة الجنسيات وصندوق النقد الدولي.
رابعًا: الطبقات في المجتمع الحديث – الصراع الطبقي وإعادة التوزيع
![]() |
الطبقات في المجتمع الحديث. |
في كتاب "الطبقات في المجتمع الحديث" (1955)، أعاد بوتومور تعريف الطبقة الاجتماعية بعيدًا عن التقسيم الماركسي التقليدي (بروليتاريا vs. برجوازيا)، معتبرًا أن الرأسمالية الحديثة أنتجت طبقات جديدة مثل:
- الطبقة الإدارية: مديرو الشركات الذين يسيطرون على الموارد دون امتلاكها.
- الطبقة التقنية: المتخصصون في التكنولوجيا الذين يؤثرون في الإنتاج.
تحولات الصراع الطبقي:
- العولمة: انتقال الصراع من المستوى الوطني إلى العالمي.
- التكنولوجيا: تغيير طبيعة العمل وعلاقات القوة داخل المصانع.
رأى بوتومور أن هذه التحولات تتطلب تحديثًا للنظرية الماركسية لمواكبة الواقع المعقد.
خامسًا: علم الاجتماع السياسي – العلاقة بين السلطة والمجتمع
![]() |
علم الاجتماع السياسي. |
في كتاب "علم الاجتماع السياسي" (1979)، حلل بوتومور تفاعل السلطة مع البنى الاجتماعية، مناقشًا:
- دور الدولة: كمُعَدِّل للصراعات الطبقية عبر القوانين والسياسات.
- الأحزاب السياسية: كيف تعكس مصالح النخب أو الطبقات المهيمنة.
- الحركات الاجتماعية: مثل النقابات العمالية، التي تُعد قوة مضادة للسلطة.
رؤيته للديمقراطية:
انتقد الديمقراطية الليبرالية لتحولها إلى "سيرك إعلامي" تُهيمن عليه النخب الاقتصادية، ودعا إلى ديمقراطية تشاركية تعزز دور المواطنين في صنع القرار.
سادسًا: علم الاجتماع والنقد الاجتماعي – قراءة نقدية للمجتمع
![]() |
علم الاجتماع والنقد الاجتماعي. |
في كتاب "علم الاجتماع كنقد اجتماعي" (1975)، أكد بوتومور أن دور العالم الاجتماعي لا يقتصر على الوصف، بل يشمل كشف اللامساواة والهيمنة. قدم أمثلة مثل:
- التعليم: كأداة لإعادة إنتاج الطبقات عبر منح الفرص للصفوة.
- الإعلام: كوسيلة لترسيخ الأيديولوجيا السائدة.
النقد كأداة للتغيير:
دعا إلى استخدام السوسيولوجيا لدعم الحركات المناهضة للرأسمالية، معتبرًا أن النقد الاجتماعي يجب أن يكون جزءًا من النضال السياسي.
سابعًا: نقد علم الاجتماع الماركسي – الماركسية بين النظرية والتطبيق
![]() |
نقد علم الاجتماع الماركسي |
في كتاب "نقد علم الاجتماع الماركسي"، حلل بوتومور إخفاقات الماركسية التقليدية، مثل:
- الجمود النظري: فشل الماركسية في تفسير صعود الرأسمالية المتأخرة.
- المركزية المفرطة: في التجارب الاشتراكية التي أدت إلى نقص الديمقراطية.
- إهمال العوامل الثقافية: كالدين والهوية في تشكيل الوعي الطبقي.
الحلول المقترحة:
- الماركسية المفتوحة: دمج أفكار من مدارس أخرى مثل البنيوية والتفكيكية.
- الديمقراطية الاشتراكية: كبديل للنموذج السوفييتي المركزي.
خاتمة
ترك توماس بوتومور إرثًا فكريًا يجمع بين العمق الأكاديمي والالتزام السياسي. من خلال مؤلفاته، قدم تحليلاتٍ ثاقبة للطبقات والنخب والسلطة، مع الحفاظ على روح نقدية تجاه الماركسية نفسها. تُعد أعماله مرجعًا أساسيًا لفهم تعقيدات المجتمعات الحديثة، خاصةً في ظل هيمنة الرأسمالية العالمية وتآكل الديمقراطية.
لا تزال أفكاره حيةً في النقاشات المعاصرة حول العدالة الاجتماعية، مما يؤكد أن إسهاماته تجاوزت حدود عصره لتصبح جزءًا من التراث النقدي العالمي.