أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

مناهج الفلسفة: استكشاف مسارات الفكر والمعرفة

 مناهج الفلسفة: استكشاف مسارات الفكر والمعرفة

مفهوم المنهج

المنهج هو الخطة المتبعة للوصول إلى نتيجة معينة، أو هو الترتيب الذي يتقيد به سير العمل للوصول إلى نتيجة وهو الطريق المؤدي إلى بلوغ الحقيقة، باعتباره مجموعة العمليات الذهنية التي يحاول من خلالها علم من العلوم إدراك الحقيقة، مع إمكانية بيانها والتأكد من صحتها وللمنهج مستوى نظري هدفه الوصول إلى الحقيقة، ومستوى عملي يتحدد باعتباره مجموعة الطرق التي نريد الوصول بواسطتها إلى نتيجة عملية معينة. 

مناهج الفلسفة: استكشاف مسارات الفكر والمعرفة
 مناهج الفلسفة: استكشاف مسارات الفكر والمعرفة

وإذا كانت العلوم التجريبية تقوم على منهج يتكون من الملاحظة والفرضية والتجربة، وهو منهج ينسجم مع موضوع الدراسة الذي يتألف من عناصر مادية، وبما أن مواضيع الفلسفة هي في الأغلب ليست مادية فانه كان الضروري ظهور منهج ينسجم مع موضوع الدراسة فيها، وعندما حاول الفلاسفة وضع هذا المنهج تبين لهم أنهم أمام مناهج وليس منهجا واحدا. ومن هذه المناهج الحدس والتمثيل، ومنهج الشك والمنهج الظواهري والتحليلي والبنيوي والمنهج الفيلولوجي.
أولا - منهج الحدس
الحدس في اللغة هو الظن والتخمين والتوهم، وفي الاصطلاح هو الطريق المباشر إلى المعرفة، وإدراك الموضوع الذهني أو العيني دفعة واحدة بدون واسطة، أو سرعة الانتقال من معلوم إلى مجهول. وعرفه الجرجاني بأنه سرعة انتقال الذهن من المبادئ إلى المطالب والحدس عند ديكارت هو التصور الذي يقوم في ذهن خالص منتبه لا يبقى على مجال للشك، صادر عن نور العقل وينقلنا الحدس عند برغسون إلى باطن الشيء، بواسطة التعاطف العقلي الذي يجعلنا نتحد بصفات هذا الشيء أو الظاهرة بحيث يتعذر أحيانا التعبير عن مشاهدتنا بالألفاظ ولاستعمال الحدس بشكل فعال ينبغي تجنب التسرع، والتعويد على الصبر والأناة والحذر من الأحكام السابقة. والا نلجا إليه إلا بعد استنفاد الطرق الأخرى، والحدس عند أصحابه لا يتبع مراحل متتالية، وإنما يحدث فجأة فهو مثل الرؤيا، وينقسم إلى ثلاثة أنواع. 
1- الحدس الحسي: هو اطلاع مباشر على ما تعرضه علينا الحواس من ألوان وأصوات.
2 - الحدس النفسي هو معرفة النفس لأحوالها وأفعالها، فنطلع بشكل مباشر على ما يجري داخل أنفسنا من ذكريات و عواطف ورغبات. 
3 - الحدس العقلي: هو الإدراك المباشر للمعاني والقضايا البسيطة، فتدرك استحالة وجود الشيء وعدمه في نفس الوقت، وإدراك النقطة الهندسية التي لا عرض لها ولاعمق ولا طول، والتعرف على معنى الخط المستقيم الذي لا نهاية لطوله، انه عمل عقلي يدرك به الذهن حقيقة معينة ويفهمها في وقت واحد.
ثانيا - منهج التمثيل
التمثيل هو الحكم على شيء معين لوجود ذلك الحكم في شيء آخر، أو إثبات حكم في أمر لثبوته في أخر لعلة مشتركة بينهما. ويدل التمثيل على التساوي بين نسبتين، فنقول نسبة (أ) إلى (ب) كنسبة (ج) إلى (د) وعن طريق القلب تصبح نسبة (أ) إلى (ج) كنسبة (ب) إلى (د). لهذا لا يوجد تمثيل إلا حين نثبت تماثلا بين نسبتين، وفي هذه الحالة يكون الاستدلال دقيقا. وقد وظفه أرسطو عندما أقام تماثلا بين الرئة والخياشيم فالحيوانات التي تعيش في الماء تستعمل الخياشيم كما تستعمل الحيوانات التي تتنفس الهواء بالرئة. وشبه العالم بالكائن الحي، وشبه نشاط الكواكب بنشاط الحيوانات في عالمنا. وتعرف طريقة التمثيل عنده باسم الاستدلال والبرهان بالمثال، وفي هذه الطريقة لا ينطلق الباحث من الكلي إلى الجزئي كما هو في القياس، ولا ينطلق من الجزئي إلى الكلي كما هو في الاستقراء، وإنما ينتقل من الجزئي إلى الجزئي . وقبله ذكر طاليس إن أصل الكون هو الماء، وهو في الواقع لم يخرج عن التمثيل، أو قياس الغائب عن الشاهد حسب مصطلحات أصول الفقه الإسلامي.
إن التمثيل هو كل استدلال يقوم على التشابه بين الأشياء التي هي موضوع البحث ويستخدم في الكشف عن المجهول، مثلما يُستغل في الإقناع، كما يمكن استعماله في العرض المبسط وقد لجأ أفلاطون في محاوراته إلى التمثيل، واسند إليه دورا هاما في دراسة الواقع وفهمه، ويتضح هذا في مثال الكهف الذي ذكره في كتاب الجمهورية. إنه منهج شائع بين الفلاسفة في مختلف العصور، ففي العصر الحديث طبقه هوبز فتبين له وجود تناسب بين الآلية التي تحكم الكون، والآلية التي تحكم حياة الناس في المجتمع .
ثالثا - منهج الشك واليقين.
الشك هو التردد بين نقيضين لا يُرجح العقل أحدهما على الآخر لوجود تساوي في الحكمين أو لعدم وجودها. وعند الجرجاني هو ما استوى طرفاه، أو الوقوف بين شيئين لا يميل القلب لأحدهما. والشك عند ديكارت فعل من أفعال الإرادة يركز على الأحكام وليس التصورات، لأن التصورات لا تكون صادقة أو كاذبة إلا إذا أضيف إليها حكما معينا. وإذا كان الشك منهجيا Doute Methodique فإنه يقود الباحث إلى الحقيقة واليقين . فاليقين هو الاعتقاد الجازم الثابت الذي لا يزول بشك، أنه حالة ذهنية تقوم على اطمئنان النفس إلى الشيء . لكنه عد الجرجاني يشير إلى رؤية العيان بقوة الإيمان لا بالحجة والبرهان. وإذا كان الشك المنهجي أول الطريق، فإن اليقين هو النهاية التي يأمل الباحث إدراكها.
وللوصول إلى اليقين يجب أن يبدأ البحث بوضع كل المعارف موضع الشك، ووضع كل المعتقدات العامة موضع الارتياب، وتجاوز الاحاكم المسبقة. وهي النقاط التي تطلبت من ديكارت تأليف كتاب عنوانه (مقال عن المنهج) وفيه صاغ منهجه القائم على الشك المنهجي ويتألف من أربعة قواعد 1 - إلا اقبل شيئا على انه صادق ما لم تكن لدي معرفة واضحة بأنه كذلك، أعني الحرص على تجنب التسرع والتحيز في الأحكام، وألا أقبل منها إلا ما كان حاضرا أمام عقلي بوضوح وتميز بحيث لا يدع مجالا للشك فيها.
2 - أقسم كل مشكلة تناولتها إلى أكبر عدد ممكن من الأجزاء بحيث تبدو مناسبة لتقديم أفضل حل لها.
3 - أوجه أفكاري توجيها منظما مبتدنا بأبسط الأشياء والقضايا وهي ما كانت معرفتنا لها أكثر وضوحا واصعد تدريجا إلى معرفة ما هو أكثر تعقيدا.
4 - أقوم بإحصاءات تامة ومراجعات عامة للتأكد من أني لم احذف شيئا . وهو المنهج الذي انتقل من مجال الفلسفة إلى العلوم التجريبية والعقلية وكانت نتائجه عظيمة، لأنه ساهم في التحقق من المعارف السابقة، وحطم الكثير من الأساطير التي كانت تنتقل كمسلمات وبديهيات لا يرقى إليها الشك.
رابعا - المنهج الظواهري
الظواهرية أو الفينومينولوجيا phenomenologie مصطلح يتألف من لفظتين يونانيتين logos و Phenomenon اللفظ الأول يعني العلم، والثاني مشتق بدوره من الفعل اليوناني pheinein بمعنى يظهر أو يخرج إلى النور إي ما يظهر. ويأتي في مقدمة المهتمين بهذا المنهج الفيلسوف الألماني ايدموند هوسرل Edmund - 1939 ) الذي كان يرى بأنها تعديل في وجهات النظر، 1859) Husserl ومحاولة فهم الشيء ليس كما يظهر للحواس، وإنما كما يظهر على مستوى الوعي . إي انه كان يريد الوصول إلى حقيقة الأشياء ليست كما تظهر في الخارج وكما ألفها التجريبيون، وإنما يتعامل معها بعد أن تنتقل من الواقع عبر الحواس ثم تتحول إلى مفاهيم وتصورات في الذهن.
ويمكن توضيح الفينومينولوجيا بهذا المثال إذا شاهدت اهتزاز أوراق شجرة بإمكانك تفسير هذه الظاهرة تفسيرا ماديا، بل تستطيع أن تذهب بعيدا في هذا التفسير، فتشير إلى تأثير فكرة قوانين التوازن التي تتأرجح الأوراق وفقا لها، وقوانين انتشار الضوء والقوانين التي تحكم انتقاله عبر الأعصاب وهلم جرا، لكن يمكن أن تدع جانبا كل هذه الحقائق المادية التي انتهيت إلى بنائها بفضل تجاربك الماضية، كما تصرف النظر عن كل هذا التفسير الذي يعتمد على تشابك الأشياء التي تراها موجودة خارج نطاق إدراكك الحسي. وتوجه خاطرك فقط إلى ما يبدو لك وما يظهر لك على مستوى الوعي، أي الظاهرة وهي الاهتزاز المحض، أو هذا الخاطر الذي احتل مكان في شعورك. وإذا كان الباحث التجريبي يعتقد انه قادر على التعامل مع هذه الظاهرة على أساس أنها مستقلة عنه، فإن الظواهري يؤكد استحالة فصلها عن الذات والشعور الذي يحس بها، وعندئذ يحي هذا الخاطر في شعوره كما لو كان جزءا من نفسه.
إن هذا التصور الجديد للظاهرة عندما يهتم بما يوجد في الوعي فقط عند هوسرل، لا يعني أنه يرفض وجود الأشياء في الواقع التجريبي، وإنما يرى أن الوصول إلى ماهيته يجب ألا يقتصر على المناهج السابقة بل يجب التماسه في الشعور والذات. ولا يعني هذا التصور أيضا انه مجرد استبطان ذاتي، وإنما هو منهج يريد تحليل الأفعال العقلية تحليلا باطنيا قبليا فيه نصيبا من الموضوعية. لذلك هو في واقع الأمر محاولة لتصحيح المنهج التجريبي الانجليزي، مع الإفادة من الكوجيتو الديكارتي، لأنه يبدأ من بالانطباعات الحسية، لكنه لا يتوقف عندها، وإنما يذهب إلى الأفعال العقلية التي صدرت عنها، ويتأمل هذه الأفعال العقلية وما يرتبط بها من موضوعات قبلية وهي التي يسميها هوسرل بالظواهر
وللوصول إلى ماهية الشيء لا بد أولا أن يتطهر الذهن من الافتراضات السابقة وهذا يذكرنا بقواعد المنهج عند ديكارت، والتحرر من الأحكام الميتسرة المنزوعة من سياقها والناقصة. ومن الضروري كذلك البقاء داخل حدود الوصف، وان نقاوم الميل للسير من الوصف إلى الاستدلال وذلك بتعليق الحكم والوضع ما بين قوسين لغاية التأكد من معارفنا تجنبا للخطأ الذي وقع فيه الاتجاه الوضعي حسب هوسرل عندما تجاهل وجود ماهية الظاهرة، واكتفى بمعالجتها كواقعة حسية فقط.
خامسا - منهج التحليل
التحليل عكس التركيب وهو إرجاع الكل إلى أجزائه ، وفي الاصطلاح هو الانتباه إلى التصور ثم تحليله إلى تصورات أخرى تؤلفه، ثم إحصاء كل المعاني التي يدل عليها اللفظ ومحاولة التقاط الخاصية المشتركة بينها  . ويعتبر هذا المنهج متناسقا وروح العصر الذي ظهر فيه أي القرن العشرين. وبدأ هذا الاتجاه في انجلترا مع جورج مور، ثم سار في طريقه فيما بعد برتراند راسل والفريد نورث هوايتهد ، وكان هؤلاء يريدون الرجوع إلى العناصر الأولية البسيطة والوحدات الجزئية التي يقوم عليها الفكر والوجود ، ثم العمل على توضيح حقيقة تلك العناصر والجزئيات والعلاقات التي تربطها بعضها ببعض.
وبدأ تطبيق المنهج التحليلي على الرياضيات ليكشف الوحدات الأساسية التي ترتد إليها، وليوضح أنواع العلاقات التي تربطها فيما بينها. وفي الحقيقة فإن تحليل الرياضيات إلى عناصرها عملية شرع فيه قبل ذلك بيانو الذي رد العلوم الرياضية كلها إلى علم الحساب، ثم قام بعد ذلك بتحليل علم الحساب ورده إلى ثلاثة مبادئ أولية بسيطة وأطلق عليها اللامعرفات وهي الصفر والعدد والفئة ، وظن بيانو أن تلك هي أخر المبادئ التي يمكن تحليل الحساب إليها. لكن جاء راسل واستخدم منهج التحليل على العدد ووجد أنه بدوره يرتد إلى فكرة الفئة التي هي من مباحث المنطق وهكذا وجد أن المبادئ الأولية للرياضيات ترتد إلى المنطق واستمر هذا الاتجاه التحليلي مع الوضعية المنطقية عند موريس شليك في فينا، ومن حمل لوانها بعده لاسيما أير وكارناب ، ويمكن القول أن الفلسفة التحليلية هي نتاج مشترك لتزاوج مذهب جوج مور وأفكار الوضعيين الجدد.
سادسا - المنهج البنيوي
البنيوية ليست مذهبا ايديولوجيا ولكنها جملة الأساليب في البحث الاجتماعي، تريد أن تعكس منعطفا تاريخيا وكذلك التغيرات النوعية الكبيرة التي أتت بها التطبيقات الالكترونية في حفل المعلوماتية، ما رافق ذلك من دعوات للتخلص من عصر سيادة الايديولوجيات الشمولية، والتحول لدراسة البنى الواقعية للظاهرة الثقافية والاجتماعية دون ما حاجة لتفسيرها بالنظريات الشمولية. وتعني البنية في الاصطلاح الكيفية التي تنتظم بها عناصر مجموعة متماسكة فيما بينها، بحيث يتوقف كل عنصر على باقي العناصر الأخرى ويتحدد بعلاقته بتلك العناصر . وأن أي تحول يطرأ على أحدها من شأنه أن يحدث تحولا في باقي العناصر والحديث عن البنيوية هو حديث في الوقت نفسه عن المنهج البنيوي الذي يهدف إلى تحليل البنيات الأساسية للموضوعات والأشياء، مستعملا طرق التقصي المستعملة في الرياضيات والفيزياء والعلوم الطبيعية الأخرى .
ويقوم المنهج البنيوي أساسا على دراسة العلاقات في إطارها ثباتها، وبما أن العلاقات تكون دائما في إطار مجموعة، فإن المبدأ المنهجي الذي يقوم عليه هو أسبقية الكل على الأجزاء، فأسبقية الكل على الأجزاء من مبادئ المنهج البنيوي الذي يهتم بتحليل بنية الظواهر الإنسانية والكشف عن علاقتها الموضوعية 2 . وكمثال تطبيقي نجد كلود ليفي ستروس يطبق هذا المنهج للإجابة على هذا السؤال ما هي البنية الأساسية للمجتمعات البدائية؟ وهو يرفض هذا الوصف (بدائية) ولكنه يستعمله على مضض ورفضه مؤسس على قناعة أن هذه المجتمعات تاريخية وليست بسيطة كما يعتقد البعض وليست متخلفة أيضا بالدرجة الشائعة عنها، وعندما طبق هذا المنهج وجد أن البنية الأساسية لهذه المجتمعات هي القرابة المبنية على قانون تحريم زنى المحارم .
سابعا - المنهج التأويلي
التأويل في اللغة هو الإرجاع، وآل إليه أي رجع إليه، وهو غير التفسير لأن التفسير يركز على شكل الكلمة وما يقابلها من مرادفات، أما التأويل فيهتم بالمعنى الباطني والتأويل في العربية يقابله في اللغة الأجنبية الهير مينوطيقا Hermeneutique المشتقة من هيرمز الإله اليوناني المتكفل عندهم باللغة. ويعرفه لالاند بأنه المنهج المستخدم في تفسير النصوص الفلسفية أو الدينية، وبنحو خاص الكتاب المقدس، وكل ما هو رمزي .23. وقد ظهر التأويل كمنهج لتأويل الكتاب المقدس ثم انتقل إلى الفلسفة مع أعمال شلایر ماخر في القرن الثامن عشر، وهنا اتسع ليدرس كل النصوص الدينية أو غير الدينية. وقد عرف التأويل في العالم الإسلامي، ومارسه المتصوفة والمعتزلة لفهم القرآن والسنة والتراث بشكل عام مثال ذلك: قال ابن عباس في شرح هذا الأثر "انزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها عند التأويل نجد أن الماء يشير إلى القرآن، والأودية يعني بها قلوب المؤمنين، وبهذا يكون التأويل هو فهم معنى المعنى.
ثامنا - المنهج الفيلولوجي
الفيلولوجيا أو فقه اللغة هو التحليل التاريخي المقارن للغات، وذلك بدراسة النصوص المكتوبة واكتشاف عناصر التشابه بين تلك اللغات وملاحظة تلك التغيرات التي تطرأ عليها عبر الزمن ومقارنة درجة القرابة بين اللغات المتشابهة والتحقق من روابط صلة النسب بينها ومنهج الفيلولوجيا عند من يستخدمه هو مكمل للمنهج العلمي، لأن هذا الأخير يطبق على الطبيعة المادية التي أوجدها الله، أما الفيلولوجيا فإنها تأتي المعرفة وشرح ما وضعه الله في الكتب السماوية .
هذه بعض المناهج التي اعتمد عليها الفلاسفة بعضها عرفته الفلسفة القديمة والبعض الآخر جاء نتيجة للتطور الذي عرفته الإنسانية في مجال المعرفة في عصورها المتاخرة، ومع أن هذه المناهج مختلفة وتبين أن السبب في ذلك يعود لتعدد و اختلاف مواضيع الفلسفة، وانه من الصعب مقاربتها بمنهج واحد ، لكن مع ذلك فإن هذه المناهج تمر عادة بثلاثة محطات أساسية وهي :

1 - طرح الإشكالية

يتميز الفلاسفة عن غيرهم بالحس الإشكالي فينتبهون إلى قضايا يغفل عنها غيرهم فهم اشد الناس بعدا عن الوثوقية والاعتقاد النهائي ويتمتعون بالروح النقدي الذي يمكنهم من تجاوز الحقائق السائدة عن الكون والإنسان ويمكنهم من طرح قضايا جديدة لم تكن معروفة عند سابقيهم فكلما اطمأن العلماء إلى إجابات معينة كان الفيلسوف بالمرصاد فيحولها إلى أسئلة وتعتبر الأسئلة في الفلسفة أهم من الأجوبة وهذا ما اكده هانز رایشنباخ (1891 - 1953 ) Hans Reichenbach بقوله : " من الواجب عند قراءتنا للعرض الذي يقدمه الفلاسفة لمذاهبهم أن تركز انتباهنا في الأسئلة لا في الإجابات المقدمة . " لكن قبل صياغة الإشكالية لا بد من ضبط التصورات ، فيحدد الكلمات والمفاهيم التي يستخدمها . فكلمة الواقع مثلا قد تؤخذ بمعنى الواقع الحسي أو الواقع الذهني فإن لم تضبط ينجر عنها الغموض وتؤدي إلى التناقض، ولهذا عليه أن يعمل على أن تكون مفاهيمه واضحة.

2 - تحديد الموقف

بعد صياغة المشكلة على الفيلسوف أن يفصح عن موقفه منها بكل وضوح ويكون مقتنع به ويدافع عنه بكل ما أتي من معرفة وموقفه هذا لا يعبر عن حل نهائي للمشكلة، وإنما هو حل قابل للنقاش ويمكن أن تظهر مواقف مناقضة له. وهذا أمر مألوف لدى الفلاسفة، لأن الفلسفة ذات طبيعة خلافية، فتقوم على تعدد المواقف بسبب تعدد المذاهب ومنه على المهتم بالفلسفة إذا أراد تقيم موقف أحد الفلاسفة أن يدخل هذا في الاعتبار، فلا يحاكم موقف فيلسوف عقلي على ضوء الذهب التجريبي، وعليه أيضا مراعاة العصر الذي ظهر فيه هذا الموقف، وأهم من هذا عليه أن يركز على الأدلة التي اعتمد عليها الفيلسوف في عرض موقفه، فقوته مستمدة من قوة الحجج والبراهين

3 - إقامة الحجة

بعد صياغة الإشكال والركون إلى موقف منه يكون الفيلسوف في حاجة إلى ما يؤكد ما ذهب إليه، ويجعله مقبولا، ونعني به الأدلة والدليل هو ما يلزم من العلم به العلم بشيء آخر. والأدلة أنواع، منها الأدلة العقلية، والأدلة النقلية، وبعضها تجريبية والأخرى تاريخية إلا أن هذه الخطوات الثلاثة تمثل المنطلق فقط لان معالجة مسائل الفلسفة تتطلب تنوع المناهج لاختلاف توجهات الفلاسفة وتباين أسسهم الفكرية وهذا تعدد مناهج الفلسفة.
تعليقات