📁 آخر الأخبار

المنظور الوظيفي للتعليم: دليل شامل لفهم دور التعليم في المجتمع

المنظور الوظيفي للتعليم: دليل شامل لفهم دور التعليم في المجتمع

ما هو المنظور الوظيفي للتعليم؟ اكتشف كيف يرى دوركايم، بارسونز، وشولتز التعليم كأداة للتنشئة الاجتماعية، تقسيم العمل، والتضامن الاجتماعي. تحليل شامل للنظرية وانتقاداتها.

(مقدمة: لماذا نذهب إلى المدرسة؟)

​في كل مجتمع، يُنظر إلى "التعليم" كحجر زاوية للتقدم والازدهار. لكن هل تساءلت يوماً عن الدور الحقيقي الذي يلعبه نظام التعليم في تشكيل حياتنا ومجتمعاتنا؟ بعيداً عن مجرد تعلم القراءة والكتابة، كيف يساهم التعليم في الحفاظ على استقرار المجتمع بأكمله؟

صورة لصف دراسي حديث ومتنوع
صورة لصف دراسي حديث ومتنوع.

​هنا يأتي دور المنظور الوظيفي للتعليم (The Functionalist Perspective on Education)، وهو نظرية سوسيولوجية كبرى تفسر التعليم ليس كعملية فردية، بل كـ "مؤسسة اجتماعية حيوية" لها وظائف محددة وضرورية لبقاء المجتمع وتطوره. وفقاً لهذا المنظور، التعليم هو "العضو" الذي يضخ القيم والمعايير والمهارات اللازمة لضمان استمرار "الجسم" الاجتماعي وتكامله.

​في هذه المقالة الشاملة، سنغوص في أعماق المنظور الوظيفي للتعليم، مستكشفين أهدافه الأربعة الأساسية، ونظريات علمائه المؤسسين مثل إميل دوركايم وتالكوت بارسونز، ونحلل كيف يرى هذا المنظور التعليم كأداة للتنشئة الاجتماعية، التخصص، التكامل، والتغير الاجتماعي. كما سنناقش الانتقادات الجوهرية التي وُجهت لهذه النظرية.

ما هو المنظور الوظيفي (Functionalism) كنظرية عامة؟

​قبل أن نطبق هذا المنظور على "التعليم"، يجب أن نفهم أساسه. الوظيفية (Functionalism) هي ما يسميه علماء الاجتماع "نظرية الإجماع الهيكلي".

  • هيكلية (Structural): تعني أن الوظيفيين يجادلون بوجود "بنية اجتماعية" (مثل الأسرة، الاقتصاد، القانون، والتعليم) تعمل كـ "هيكل" يشكل السلوك الفردي من خلال عملية التنشئة الاجتماعية.
  • إجماع (Consensus): تعني أنهم يعتقدون أن هذا الهيكل يعمل بناءً على "إجماع" عام على القيم والمعايير التي تضمن استقرار المجتمع.

​برزت هذه النظرية في أعمال علماء الاجتماع في القرن التاسع عشر، الذين نظروا إلى المجتمعات باعتبارها "كائنات حية" (Living Organisms). وكما أن للجسم البشري أعضاء مختلفة (قلب، رئتين، دماغ) لكل منها وظيفة حيوية لبقاء الجسم، كذلك المجتمع له مؤسسات مختلفة (أسرة، تعليم، اقتصاد) تخدم كل منها "غرضاً مفيداً، إن لم يكن لا غنى عنه، لبقاء المجتمع على المدى الطويل".

صورة لمخطط يوضح المؤسسات الاجتماعية كأعضاء في جسد واحد
صورة لمخطط يوضح المؤسسات الاجتماعية كأعضاء في جسد واحد.

​وكما يرى إميل دوركايم، وهو أول من أضفى طابعًا رسميًا على هذا المنظور، فإنه من الضروري فهم "احتياجات الكائن الاجتماعي" التي تتوافق معها الظواهر الاجتماعية. التعليم، من هذا المنطلق، هو أحد أهم هذه الظواهر.

​ الأهداف الأربعة الأساسية للتعليم من المنظور الوظيفي

​وفقاً للنظرية الوظيفية، يلعب التعليم دوراً حاسماً في تحقيق الاستقرار والتنمية الاجتماعية من خلال تحقيق أربعة أهداف رئيسية:

  • التنشئة الاجتماعية (Socialization):
    • ​هذه هي الوظيفة الأبرز. التعليم لا يقتصر على نقل المعرفة الأكاديمية، بل هو الأداة الأساسية التي "يعلم بها التعليم الطلاب القيم والمعايير والمهارات اللازمة للاندماج في المجتمع والمشاركة فيه". إنه يغرس الثقافة المشتركة في الجيل الجديد.
  • التخصص الاجتماعي (Social Specialization):
    • ​في المجتمعات الحديثة المعقدة، يحتاج سوق العمل إلى مهارات متنوعة ومتخصصة. التعليم هو الذي "يعلم الطلاب العلوم والفنون والمهن التي تساهم في تقسيم العمل وزيادة الإنتاجية في المجتمع". إنه يجهز الأفراد لأدوارهم المهنية المستقبلية.
  • التكامل الاجتماعي (Social Integration):
    • ​المجتمعات تتكون من أفراد من خلفيات متنوعة. التعليم يعمل كـ "صمغ" اجتماعي "يعلم الطلاب الاحترام والتعاون والتضامن مع الآخرين، ويخلق شعوراً بالانتماء والهوية الاجتماعية". إنه يجمع الأفراد المتباينين تحت مظلة هوية وطنية وقيم مشتركة.
  • التغير الاجتماعي (Social Change):
    • ​رغم أن الوظيفية تركز غالباً على "الاستقرار"، إلا أنها تعترف بدور التعليم في التغيير المنظم. "يعلم التعليم الطلاب الابتكار والإبداع والتكيف مع التحديات والفرص التي تواجه المجتمع". إنه يطور العقول القادرة على الابتكار وحل المشكلات.

صورة لإنفوجرافيك يوضح الأهداف الأربعة للتعليم
صورة لإنفوجرافيك يوضح الأهداف الأربعة للتعليم

رواد المنظور الوظيفي للتعليم وأفكارهم الأساسية

​لتوضيح هذه الوظائف، قدم عدد من علماء الاجتماع البارزين تحليلات مفصلة.

 1. إميل دوركايم (Émile Durkheim): مؤسس الرؤية الوظيفية للتعليم

صورة إميل دوركايم
صورة إميل دوركايم.

​يعتبر إميل دوركايم (1858-1917) أن التعليم هو في الأساس "أمر اجتماعي في طبيعته وأصوله ووظائفه". لقد عارض فكرة وجود نظام تعليمي واحد "مثالي"، وجادل بأن التعليم يعكس احتياجات وعادات ومعتقدات المجتمع الذي يقدمه. فلكل مجتمع نظام تعليم يتوافق مع احتياجاته الخاصة.

​عرف دوركايم التعليم بأنه: "التأثير الذي تمارسه الأجيال البالغة على أولئك الذين ليسوا مستعدين بعد للحياة الاجتماعية، بقصد إثارة عدد من الحالات الجسدية والفكرية والأخلاقية لدى الأطفال التي يطلبها منهم المجتمع السياسي ككل ومجتمعهم الخاص الذي من المقدر له أن يشغله".

​يرى دوركايم أن التعليم يؤدي وظيفتين رئيسيتين في المجتمعات الصناعية الحديثة:

أ) نقل القيم المشتركة (التنشئة الاجتماعية والتضامن الاجتماعي)

​هذه هي الوظيفة الأولى والحاسمة. المدارس ضرورية "لطبع القيم الاجتماعية المشتركة في الأطفال". التعليم ينقل ثقافة المجتمع وقيمه، وهذا لا يتم فقط عبر المناهج الرسمية، بل أيضاً من خلال "المنهج المخفي" (Hidden Curriculum) (القواعد، الأنظمة، التفاعلات اليومية في المدرسة) ودروس مثل التربية الوطنية والأخلاق (PSHE).

​الهدف من هذا هو بناء "التضامن الاجتماعي" (Social Solidarity)؛ أي غرس "شعور بالانتماء إلى المجتمع الأوسع، والشعور بالالتزام بأهمية العمل لتحقيق أهداف المجتمع". لكي يصبح الأطفال مرتبطين بالمجتمع، يجب أن يشعروا بهذا الارتباط العميق. وكان دوركايم يعتقد أن تدريس التاريخ، على وجه الخصوص، يحقق هذا الهدف بفعالية، لأنه يربط الفرد بماضي جماعته.

ب) تعليم المهارات المتخصصة (تقسيم العمل)

​الوظيفة الحاسمة الثانية في الاقتصاد الصناعي المتقدم هي "تعليم المهارات المتخصصة المطلوبة لتقسيم معقد للعمل".

  • ​في المجتمعات التقليدية ما قبل الصناعية، كانت المهارات تنتقل ببساطة عبر الأسرة أو التلمذة المهنية، ولم يكن التعليم الرسمي ضرورياً.
  • ​أما في المجتمعات الحديثة، التي يعتمد فيها الإنتاج على تطبيق المعرفة العلمية المتقدمة، أصبحت سنوات التعليم الرسمي في المدارس ضرورية.

​هذا التخصص ضروري أيضاً للتضامن، ففي المجتمعات الحديثة، يعتمد التضامن الاجتماعي على "الترابط بين المهارات المتخصصة". المدرسة هي بيئة مثالية لتعلم العمل والاختلاط مع أشخاص من خلفيات مختلفة، مما يعكس هذا الترابط.

ج) تدريس الأدوار الاجتماعية (المدرسة كمجتمع مصغر)

​جادل دوركايم أيضاً بأن المدرسة هي المؤسسة الوحيدة القادرة على إعداد الأطفال لعضوية المجتمع الأوسع. كيف؟

  • ​إنها تعلمهم "كيف يمكن للناس أن يتعاونوا مع أشخاص ليسوا من أقربائهم ولا أصدقاءهم"، وهو أمر لا تستطيع الأسرة تعليمه.
  • ​المدرسة تفعل ذلك من خلال "فرض مجموعة من القواعد المطبقة على جميع الأطفال" بشكل غير شخصي، مما يهيئهم للتعامل مع قواعد المجتمع الأوسع.

2. تالكوت بارسونز (Talcott Parsons): "الجسر" بين الأسرة والمجتمع

صورة تالكوت بارسونز
صورة تالكوت بارسونز.


​أخذ تالكوت بارسونز (1902-1979) أفكار دوركايم وطورها، مركزاً على دور التعليم كـ "جسر" (Bridge) يربط بين عالم الأسرة الخاص وعالم المجتمع الأوسع.

أ) الانتقال من القيم الخاصة إلى القيم العالمية

  • داخل الأسرة: يتم الحكم على الطفل وفقاً لمعايير "خاصة" (Particularistic Values). هو يُعامل كفرد فريد (ابن فلان)، ومكانته "منسوبة" (Ascribed) أو "مثبتة بالولادة".
  • في المجتمع الأوسع (والعمل): يتم التعامل مع الفرد والحكم عليه وفقاً لمعايير "عالمية" (Universalistic Values) تُطبق على الجميع. ومكانته "محققة" (Achieved) بناءً على جهده ومهاراته، لا على نسبه.

​يرى بارسونز أن المدرسة هي التي "تعد الأطفال لهذا التحول". فهي "تمثل المجتمع في صورة مصغرة" حيث يتم تقييم جميع الطلاب، بغض النظر عن خلفياتهم العائلية، باستخدام نفس المعايير (مثل الامتحانات)

ب) غرس قيم "الجدارة" (Meritocracy)

​يرى بارسونز أن التعليم جزء أساسي من نظام "الجدارة" (Meritocracy).

  • ​في نظام الجدارة، يتمتع الجميع بتكافؤ الفرص.
  • ​المكافآت والإنجازات تعتمد على "الجهد والقدرة" (المكانة المحققة) وليس على خلفية الفرد (المكانة المنسوبة).
  • ​لذلك، تغرس المدرسة قيمتين أساسيتين للمجتمع الصناعي: قيمة "الإنجاز" (Achievement) و "تكافؤ الفرص" (Equal Opportunity).
  • ​هذه القيم ضرورية لخلق قوة عاملة "متحمسة وذات مهارات عالية". ووفقاً لبارسونز، حتى أولئك الذين يحققون إنجازات منخفضة في النظام المدرسي سيرون النظام "عادلاً ومنصفاً"، لأنهم (نظرياً) حصلوا على فرصة متساوية للنجاح.

3. تي دبليو شولتز (T.W. Schultz): التعليم كـ "رأس مال بشري"

​قدم تي دبليو شولتز (1902-1998)، وهو عالم اقتصاد حائز على جائزة نوبل، منظوراً وظيفياً يركز على الاقتصاد.

  • ​رأى شولتز أن وظيفة التعليم هي تنمية "رأس المال البشري" (Human Capital).
  • ​ما هو رأس المال البشري؟ هو "اكتساب جميع المهارات والمعرفة المفيدة اللازمة للاستثمار المتعمد".
  • التعليم كاستثمار: اعتبر شولتز أن الإنفاق على التعليم هو "استثمار" يقوم به الناس في أنفسهم. تشمل هذه الاستثمارات النفقات المباشرة على التعليم والصحة، وحتى الإيرادات المفقودة (الراتب الذي يضحي به الطالب الناضج للذهاب إلى المدرسة أو العامل للتدريب).
  • العائد على الاستثمار: لماذا يستثمر الناس؟ للوصول إلى "وظائف ذات رواتب أفضل، وقضاء وقت أقل في سوق البطالة، وتحقيق انتقالات أسرع إلى حياتهم المهنية المرغوبة".
  • فائدة للاقتصاد الكلي: هذا الاستثمار لا يفيد الفرد فقط، بل يفيد "الاقتصاد الأوسع"، حيث يوفر التعليم "قوة عمل مدربة ومؤهلة ومرنة بشكل مناسب".

صورة ترمز لرأس المال البشري (مثل قبعة تخرج بجانب رسم بياني للنمو
صورة ترمز لرأس المال البشري (مثل قبعة تخرج بجانب رسم بياني للنمو.

 4. ديفيس ومور (Davis & Moore): التعليم كآلية "لتوزيع الأدوار"

​ركز كينغسلي ديفيس وويلبرت مور (Kingsley Davis & Wilbert Moore) على وظيفة التعليم في "توزيع الأدوار" (Role Allocation).

  • غربلة وتصنيف: جادلا بأن نظام التعليم يعمل كـ "آلية اختيار" أو "غربلة" (Sifting and Sorting) لاختيار الأفراد الموهوبين وتخصيصهم لـ "أهم الأدوار في المجتمع".
  • حافز المنافسة: لضمان تنافس "أفضل" الأفراد على "أهم" الوظائف (مثل الأطباء أو الطيارين)، يقدم المجتمع لهم مكافآت أعلى (مالية ومعنوية).
  • وظيفة التعليم: التعليم هو "الساحة" التي تحدث فيها هذه المنافسة، حيث يتم "غربلة وتصنيف الناس وفقًا لقدراتهم"، ويتم توجيههم نحو الأدوار التي تناسبهم في التسلسل الهيراركي الاجتماعي.

نقد المنظور الوظيفي للتعليم: هل هو صورة مثالية؟

​على الرغم من قوة التحليل الوظيفي، فقد تم انتقاده بشدة لكونه "مثالياً" ومتجاهلاً للعديد من الحقائق السلبية في النظام التعليمي.

​1. انتقادات عامة

  • تجاهل الخلل الوظيفي: يركز الوظيفيون على "وظائف" التعليم الإيجابية (الاستقرار، التكامل) ويتجاهلون الجوانب التي تعاني من "خلل وظيفي" (Dysfunctional)، مثل الصراع السلبي، التنمر، أو الفشل في تعليم المهارات الأساسية.
  • التمركز حول ثقافة واحدة: النظرة الوظيفية تعمل بشكل أفضل في المجتمعات "ذات الثقافة الواحدة المهيمنة". أما في المجتمعات المتعددة الثقافات، التي تضم مجموعات عرقية وقيم مختلفة، يصبح من الصعب تحقيق "التضامن الاجتماعي" أو الاتفاق على "قيم مشتركة" من خلال التعليم.
  • افتراض نجاح التنشئة الاجتماعية: يفترض الوظيفيون أن التعليم "ينجح" في جعل الأفراد اجتماعيين، لكن العديد من الدراسات تظهر أن ليس كل التلاميذ يتوافقون مع القيم التي تدرسها المدرسة.
  • الرؤية السلبية للطالب: انتقد عالم الاجتماع وونغ (Wong) الوظيفية لأنها ترى الأطفال "كدمى سلبية" (Passive Puppets) للتنشئة الاجتماعية، بينما العملية في الواقع أكثر تعقيداً وتفاعلية بين المعلم والتلميذ.
  • الصلة الضعيفة بالنجاح الاقتصادي: هناك أدلة تشير إلى "صلة ضعيفة" بين التحصيل التعليمي والنجاح الاقتصادي، مما يضعف حجة "رأس المال البشري".

2. النقد الماركسي: أسطورة الجدارة والمنهج المخفي

​يأتي النقد الأشد من الماركسيين، الذين يرون أن التعليم ليس أداة للتكامل، بل أداة للهيمنة الطبقية.

  • أسطورة الجدارة (The Myth of Meritocracy): يهاجم الماركسيون (مثل باولز وجينتيس) فكرة "الجدارة" التي قدمها بارسونز. يجادلون بأن التعليم "يديم أسطورة الجدارة" – أي الإيهام بأن إنجازات الفرد أو إخفاقاته هي مسؤوليته وحده وتعتمد على جهده.
  • الحقيقة (وفقاً للماركسيين): عوامل مثل "العرق والطبقة" تؤثر بشكل هائل على الفرص والإنجازات. المدارس "لا تعامل" التلاميذ بنفس الطريقة، وعدم المساواة في الهيكل الطبقي يؤدي إلى "عدم تكافؤ الفرص".
  • نقد بارسونز: الآباء من الطبقة العليا يمكنهم منح أطفالهم مزايا هائلة (دروس خصوصية، مؤسسات نخبوية)، مما يؤدي إلى "اتساع فجوة عدم المساواة" والحفاظ على سيطرة البرجوازية على الثروة والسلطة بين الأجيال.
  • نقد دوركايم: الماركسيون يرفضون فكرة أن المدرسة "محايدة". بدلاً من ذلك، يجادلون بأن المدارس تعلم أطفال الطبقة العاملة (البروليتاريا) أن يكونوا "سلبيين ويخضعون للسلطة"، مما يسهل استغلالهم في المصانع لاحقاً.

​3. النقد النسوي: تعزيز النظام الأبوي

​اتخذت الحركة النسوية فكرة "المنهج المخفي" (القيم التي تُدرس ضمنياً) وطبقتها على النوع الاجتماعي.

  • ​جادلت النسويات بأن هذا المنهج المخفي "يحافظ على النظام الأبوي (Patriarchy) ويعززه"، وليس الجدارة.
  • ​يتم ذلك من خلال تعزيز الصور النمطية الجنسانية (توجيه الفتيات نحو مواد "ناعمة" والفتيان نحو "العلوم")، والتركيز على إنجازات الذكور في المناهج، وتوزيع الأدوار القيادية في المدرسة.

​4. نقد ما بعد الحداثة

​انتقد ما بعد الحداثيين دوركايم لافتراضه أن المجتمع "يحتاج" إلى قيم مشتركة. في عالم اليوم المجزأ والمتعدد الثقافات (مثل الولايات المتحدة)، قد لا تكون هناك "ثقافة واحدة مهيمنة"، بل مجتمعات معزولة ومتنوعة، مما يجعل فكرة "التضامن الاجتماعي" الموحد موضع تساؤل.

خاتمة: المنظور الوظيفي بين الأهمية التاريخية والنقد المعاصر

​يظل المنظور الوظيفي للتعليم واحداً من أهم النظريات التأسيسية في علم الاجتماع. لقد نجح في تقديم تفسير "كلي" (Macro) لسبب وجود التعليم كظاهرة اجتماعية ضخمة ومكلفة: إنه يخدم وظائف حيوية للتنشئة الاجتماعية، والتضامن، وتقسيم العمل، وتوزيع الأدوار.

​ومع ذلك، كما أوضحت الانتقادات الحادة (خاصة الماركسية والنسوية)، فإن هذه النظرة تميل إلى أن تكون "مثالية" ومتفائلة بشكل مفرط. فهي تتجاهل كيف يمكن للتعليم أن يكون ساحة للصراع، وأداة لإعادة إنتاج اللامساواة الطبقية والجنسية، بدلاً من أن يكون أداة للجدارة وتكافؤ الفرص.

​[صورة لميزان يمثل "الوظيفة" في كفة و"الصراع/النقد" في الكفة الأخرى]

​لفهم التعليم فهماً كاملاً، يجب علينا أن نرى كلا الوجهين: الوظيفة "المعلنة" (التنشئة والتكامل) التي وصفها الوظيفيون، والوظائف "الخفية" (إعادة إنتاج الهيمنة) التي كشف عنها النقاد. لا يزال المنظور الوظيفي هو نقطة البداية الأساسية لفهم ما "يجب" أن يفعله التعليم، حتى لو كان الواقع غالباً ما يقصر عن تحقيق هذا المثيل.


تعليقات