📁 آخر الأخبار

الدليل الشامل لفهم النظرية البنائية الاجتماعية: التعريف، الرواد، والأمثلة الواقعية

الدليل الشامل لفهم النظرية البنائية الاجتماعية: التعريف، الرواد، والأمثلة الواقعية 

​هل تساءلت يوماً كيف اكتسبت ورقة نقدية قيمتها؟ لماذا نعتبر بعض السلوكيات "طبيعية" والبعض الآخر "غريباً"؟ هل مفاهيم مثل "الذكاء"، "المرض العقلي"، أو حتى "الحب الرومانسي" هي حقائق ثابتة وموضوعية، أم أنها شيء قمنا "ببنائه" كبشر؟

​تقدم نظرية البنائية الاجتماعية (Social Constructionism) عدسة ثورية لرؤية العالم، متحديةً افتراضاتنا الأساسية حول الواقع. إنها واحدة من أكثر النظريات تأثيراً في علم الاجتماع وعلم النفس الحديث.

​هذا المقال هو دليلك الشامل لفهم ما هي البنائية الاجتماعية، من جذورها النظرية وروادها الأساسيين، إلى تطبيقاتها العملية وأمثلتها المدهشة في حياتنا اليومية. سنغوص في أعماق كيف "نخلق" عالمنا من خلال التفاعلات الاجتماعية واللغة.


نظرية البنائية الاجتماعية: التعريف والأمثلة
نظرية البنائية الاجتماعية: التعريف والأمثلة

​ما هي البنائية الاجتماعية؟ تعريف مبسط وعميق

تعريف البنائية الاجتماعية ببساطة، هو نظرية معرفية واجتماعية تقترح أن العديد من الجوانب التي نعتبرها "حقيقة" موضوعية أو "طبيعية" في العالم هي في الواقع نتاج للعمليات والتفاعلات الاجتماعية.

​بعبارة أخرى، المعرفة والفهم ليسا شيئاً "نكتشفه" بشكل سلبي، بل هما شيء "نخلقه" و "نبينه" بشكل نشط كمجتمع.

​هذا لا يعني إنكار الواقع المادي (فالبنائية لا تنكر وجود الجاذبية أو الجبال)، بل تركز على المعنى والتصنيف الذي نضفيه على هذا الواقع. الجبل موجود ككتلة صخرية (حقيقة مادية)، لكن فكرة أن هذا الجبل هو "حدود دولة" أو "مكان مقدس" هي بناء اجتماعي بالكامل.

​الافتراضات الأساسية الأربعة لنظرية البنائية الاجتماعية

​لفهم البنائية الاجتماعية بعمق، يجب أن ننظر إلى المبادئ الأساسية التي تقوم عليها. استناداً إلى أعمال منظّرين بارزين مثل فيفيان بور (Vivien Burr, 2015)، يمكن تلخيص الافتراضات الجوهرية في أربع نقاط:

​1. موقف نقدي تجاه المعرفة المسلّم بها

​تشكك البنائية الاجتماعية في فكرة أن معرفتنا بالعالم تستند إلى ملاحظة موضوعية وغير متحيزة. إنها تدعونا للتساؤل: "لماذا نرى العالم بهذه الطريقة؟"

​نحن كبشر، نميل للتركيز على فئات معينة (مثل "عرق" أو "طبقة اجتماعية") ونتجاهل أخرى، حتى لو كانت هذه الفئات لا تعكس بالضرورة انقسامات "حقيقية" في الطبيعة. البنائية تدفعنا لفحص الافتراضات المخفية وراء ما نعتبره "حقيقة".

​2. الخصوصية التاريخية والثقافية

​ترى البنائية أن جميع أشكال الفهم والمعرفة نسبية تاريخياً وثقافياً. ما يُعتبر "طبيعياً" أو "صحيحاً" في ثقافة ما أو عصر معين، قد يكون مختلفاً تماماً في سياق آخر.

  • مثال (من النص الأصلي): مفهوم "الطفولة". كما أشار المؤرخ فيليب أرييس (1962)، في العصور الوسطى الأوروبية، لم يكن يُنظر إلى الأطفال كفئة مميزة لها احتياجات خاصة، بل كـ "بالغين صغار" يشاركون في العمل والحياة الاجتماعية بمجرد قدرتهم الجسدية. أما المفهوم الحديث لـ "الطفولة" كمرحلة محمية للعب والتعلم، فهو بناء اجتماعي تطور لاحقاً.

​3. المعرفة تُبنى عبر العمليات الاجتماعية

​المعرفة ليست شيئاً يمتلكه الفرد بمعزل عن الآخرين. إنها نتاج مستمر للتفاعلات الاجتماعية. نحن "نتفق" بشكل جماعي (وغالباً بشكل غير واعٍ) على معنى الأشياء من خلال اللغة والتواصل.

​"الحقيقة" في هذا المنظور هي نتاج للإجماع الاجتماعي والتفاعلات المستمرة، وليست انعكاساً دقيقاً لواقع موضوعي مستقل.

​4. المعرفة والعمل الاجتماعي مترابطان

​هذه النقطة حاسمة: الطريقة التي نفهم بها العالم تؤثر بشكل مباشر على كيفية تصرفنا فيه. فكل "بناء اجتماعي" يحمل معه مجموعة من التبعات والسلوكيات.

  • مثال (من النص الأصلي): "إدمان الكحول".
    • البناء القديم: قبل حركة الاعتدال، كان يُنظر إلى مدمن الكحول على أنه شخص "شرير" أو "ضعيف الإرادة" ومسؤول بالكامل عن أفعاله.
    • الرد الاجتماعي: العقاب والسجن.
    • البناء الحديث: بعد تحول الخطاب، أصبح يُنظر إلى إدمان الكحول على أنه "مرض".
    • الرد الاجتماعي: العلاج الطبي والنفسي والدعم.

​لاحظ كيف أن تغيير "البناء" (من خطيئة إلى مرض) غيّر بشكل جذري كيفية استجابة المجتمع بأكمله.

​تاريخ ورواد نظرية البنائية الاجتماعية: من هم العقول المؤسسة؟

​لم تظهر البنائية الاجتماعية من فراغ، بل هي نتاج تطور فكري طويل شارك فيه العديد من الرواد.

​الجذور المبكرة: جورج هربرت ميد والتفاعلية الرمزية

​يمكن إرجاع الجذور الفكرية إلى جورج هربرت ميد (George Herbert Mead) وكتابه "العقل، الذات، والمجتمع" (1930). ابتكر ميد مفهوم "التفاعلية الرمزية" (Symbolic Interactionism).

​رأى ميد أن "الذات" (Self) ليست شيئاً نولد به، بل هي شيء نكتسبه ونبنيه من خلال التفاعل الاجتماعي. نحن نبني إحساسنا بـ "من نحن" عن طريق تخيل كيف يرانا الآخرون. الذات، في جوهرها، هي بناء اجتماعي.

​العمل المحوري: "البناء الاجتماعي للواقع" لبيرغر ولوكمان

​اللحظة الحاسمة في تاريخ النظرية جاءت عام 1966 مع نشر كتاب "البناء الاجتماعي للواقع" (The Social Construction of Reality) لعالمي الاجتماع بيتر بيرغر (Peter Berger) وتوماس لوكمان (Thomas Luckmann).

​يعتبر هذا الكتاب "إنجيل" البنائية الاجتماعية. جادل بيرغر ولوكمان بأن الواقع الاجتماعي يُبنى من خلال عملية ديناميكية من ثلاث مراحل:

  1. التخريج (Externalization): يقوم البشر بخلق أفكار ومؤسسات وممارسات. (مثال: مجموعة من الناس تبتكر فكرة "المال" كوسيلة للتبادل).
  2. الموضعة (Objectivation): هذه الأفكار والمؤسسات التي خلقها البشر تبدأ في الانفصال عنهم وتأخذ حياة خاصة بها، لتبدو وكأنها حقائق "موضوعية" وصلبة وموجودة "هناك" في الخارج. (مثال: "الاقتصاد" الآن يبدو كقوة جبارة وموضوعية نضطر جميعاً للامتثال لها، ونسينا أننا من اخترعنا قواعده).
  3. التدخيل (Internalization): الأجيال الجديدة التي تولد في هذا المجتمع تتبنى هذه "الحقائق الموضوعية" كجزء من عملية التنشئة الاجتماعية. إنها تصبح "الحقيقة" المسلّم بها والواقع الذي لا يمكن التشكيك فيه. (مثال: نحن لا "نخترع" المال من جديد؛ بل نتعلم في المدرسة ما "هو" المال وكيف يعمل).

​عمل بيرغر ولوكمان هو في جوهره مناهض للجوهرية (Anti-Essentialism)، أي أنه يرفض فكرة أن الأشياء (مثل "المرأة" أو "الرجل") لها "جوهر" ثابت وأبدي يحدد طبيعتها.

​كينيث جيرجن: علم النفس الاجتماعي كتاريخ

​في السبعينيات، أدخل كينيث جيرجن (Kenneth Gergen) أفكار البنائية بقوة إلى علم النفس. في مقاله المؤثر "علم النفس الاجتماعي كتاريخ" (1973)، جادل جيرجن بأن نظريات علم النفس حول السلوك البشري ليست حقائق علمية خالدة (مثل قوانين الفيزياء)، بل هي انعكاسات للتاريخ والثقافة المعاصرة.

  • مثال (من النص الأصلي): الأسئلة التي طرحها علم النفس الاجتماعي خلال الحرب العالمية الثانية (مثل كيفية رفع الروح المعنوية أو تشجيع الناس على تناول أطعمة غير مألوفة) شكلت المجال بناءً على "احتياجات" تلك اللحظة التاريخية، وليس بناءً على "حقيقة" إنسانية مطلقة.

​سبيكتور وكيتسوس: بناء المشكلات الاجتماعية

​قام مالكولم سبيكتور وجون كيتسوس (1977) بتطبيق البنائية على "المشكلات الاجتماعية". لقد قدموا تعريفاً جذرياً: المشكلة الاجتماعية ليست حالة موضوعية تسبب ضرراً، بل هي "أنشطة الأفراد أو المجموعات التي تؤكد المظالم والمطالبات فيما يتعلق ببعض الظروف المفترضة".

​هذا يعني أن ما يجعل شيئاً "مشكلة اجتماعية" (مثل الفقر، أو تعاطي المخدرات) ليس الضرر بحد ذاته، بل هو عملية المطالبة والنجاح في إقناع الآخرين (كالإعلام والسياسيين) بأنها مشكلة تستدعي الحل.

​البنائية الاجتماعية وما بعد الحداثة: علاقة معقدة

​تطورت البنائية الاجتماعية في نفس المناخ الفكري لحركة ما بعد الحداثة (Postmodernism). كلاهما يشترك في التشكيك في "السرديات الكبرى" ورفض فكرة وجود "حقيقة مطلقة" واحدة.

​لكن هناك فرق دقيق:

  • ما بعد الحداثة غالباً ما تكون حركة نقدية تفكيكية، تركز على "هدم" الادعاءات بالحقيقة.
  • البنائية الاجتماعية تقدم إطاراً تحليلياً لبناء الواقع. إنها لا تقول فقط "الحقيقة غير موجودة"، بل تسأل: "حسناً، إذا كانت الحقيقة مبنية، فـ كيف تم بناؤها؟ ومن المستفيد من هذا البناء؟"

​دور ميشيل فوكو: الخطاب والسلطة

​لا يمكن الحديث عن البنائية دون ذكر الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو (Michel Foucault)، على الرغم من أنه لم يُعرف نفسه كـ "بنائي".

​قدم فوكو مفهوم "الخطاب" (Discourse)، وهو ليس مجرد "لغة"، بل هو نظام كامل من المعرفة والممارسات والمؤسسات التي تحدد ما يمكن قوله والتفكير فيه (وما لا يمكن) في لحظة تاريخية معينة.

​النقطة الأهم عند فوكو هي أن المعرفة والسلطة (Knowledge/Power) ليستا منفصلتين؛ بل هما وجهان لعملة واحدة. من يمتلك السلطة هو من يحدد ما يُعتبر "معرفة" أو "حقيقة".

  • مثال: طريقة تعامل المجتمعات مع "الجنون". لم يكن "المجنون" دائماً "مريضاً عقلياً". في عصور مختلفة، تم بناؤه اجتماعياً كشخص "ملهم إلهياً"، أو "منبوذ اجتماعياً"، أو "مريض بحاجة للعلاج". كل بناء من هذه الأبنية يمنح السلطة لمجموعة مختلفة (الكهنة، الشرطة، الأطباء النفسيون) ويحدد مصير ذلك الفرد.

​أمثلة مفصلة على البنائية الاجتماعية في حياتنا اليومية

​الآن بعد أن أرسين الأساس النظري، دعنا نر كيف تطبق أمثلة البنائية الاجتماعية على مفاهيم نعيشها كل يوم.

​1. بناء "الجندر" (النوع الاجتماعي)

​هذا هو المثال الكلاسيكي. تفرق البنائية بين:

  • الجنس البيولوجي (Sex): الفروق البيولوجية (كروموسومات، أعضاء تناسلية).
  • الجندر (Gender): المعاني الثقافية والاجتماعية التي نلصقها بهذه الفروق البيولوجية.

​المجتمع "يبني" ما يعنيه أن تكون "رجلاً" (يُتوقع منه القوة، كبت المشاعر، العمل) وما يعنيه أن تكون "امرأة" (يُتوقع منها الرعاية، العاطفة، الاهتمام بالمنزل). هذه الأدوار ليست "طبيعية" أو "جوهرية"، بل هي بناء اجتماعي يختلف بشكل كبير عبر الثقافات وعبر الزمن.

  • مثال: اللون الوردي للفتيات والأزرق للأولاد هو بناء اجتماعي حديث جداً. في أوائل القرن العشرين، كان الوردي (كلون "قوي") يُعتبر مناسباً للأولاد.

​2. بناء "الشخصية" (Personality)

​ينظر علم النفس التقليدي إلى "الشخصية" (مثل الانطوائي، العصبي) كسمات داخلية ثابتة وموضوعية يمكن قياسها.

​البنائية الاجتماعية، بالمقابل، ترى أن "الشخصية" ليست شيئاً "تمتلكه" داخل عقلك، بل هي "نظرية" نستخدمها لتفسير سلوك الناس. إنها شيء "نفعله" ونبنيه في تفاعلاتنا.

  • مثال (من النص الأصلي): دراسة لوتز (Lutz, 1982) لشعب "إيفالوك" (Ifaluk) وجدت أن لديهم كلمة (song) تعني "الغضب المبرر". هذا الغضب ليس شعوراً داخلياً فردياً، بل هو علاقة اجتماعية عامة تجاه شخص انتهك قاعدة اجتماعية. عواطفهم مبنية بشكل اجتماعي وعلاقاتي، وليس بشكل فردي ونفسي.

​3. بناء "اللغة"

​النظرة التقليدية: اللغة هي أداة محايدة نستخدمها لوصف العالم كما هو.

النظرة البنائية: اللغة هي الأداة التي تبني عالمنا.

  • فرضية سابير-وورف (Sapir-Whorf Hypothesis) تقترح أن اللغة التي نتحدثها تحدد (أو على الأقل تؤثر بشدة على) الطريقة التي نفكر بها ونفهم بها الواقع.
  • فرديناند دي سوسير (Saussure) أوضح أن العلاقة بين الكلمة (العلامة) والمفهوم (المدلول) هي علاقة "اعتباطية". لا يوجد شيء "كلبي" في كلمة "كلب". اكتسبت الكلمة معناها فقط من خلال الاتفاق الاجتماعي ومن خلال اختلافها عن كلمات أخرى (كلب لأنه ليس "قطة").
  • ​اللغة هي "موقع للصراع" (كما ذكر النص الأصلي). معنى الكلمات يتغير بناءً على من يتحدث وإلى من وفي أي سياق.

​4. بناء "المرض العقلي"

​بينما لا تنكر البنائية وجود معاناة نفسية حقيقية أو أسس بيولوجية محتملة، إلا أنها تركز على كيفية قيام المجتمع بتصنيف هذه المعاناة.

​ما يُعتبر "مرضاً عقلياً" هو بناء اجتماعي. الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM) هو وثيقة تتغير باستمرار بناءً على إجماع ثقافي واجتماعي (وسياسي أحياناً).

  • مثال: "المثلية الجنسية" كانت مدرجة كاضطراب نفسي في الدليل التشخيصي حتى عام 1973. لم "يشفَ" المثليون فجأة؛ بل تغير "البناء الاجتماعي" المحيط بهم.

​5. بناء "الحب الرومانسي"

​فكرة أن "الوقوع في الحب" هو الأساس الوحيد أو الأسمى للزواج هي بناء اجتماعي غربي حديث نسبياً. في العديد من الثقافات وعبر معظم التاريخ، كان الزواج بناءً اجتماعياً واقتصادياً لربط العائلات وضمان الاستقرار.

  • النقد النسوي/الماركسي (من النص الأصلي): يجادل البعض بأن "الحب الرومانسي" هو بناء اجتماعي (خطاب) يعمل على حجب علاقات القوة الاقتصادية. فهو يقدم مبرراً عاطفياً للنساء لتقديم خدمات منزلية وإنجابية مجانية في ظل النظام الرأسمالي.

​جدالات وتناقضات رئيسية: نقد البنائية الاجتماعية

​كأي نظرية كبرى، تواجه البنائية الاجتماعية انتقادات وجدالات مهمة.

​1. البنائية القوية مقابل البنائية الضعيفة

هذا هو الانقسام الأكبر داخل النظرية نفسها:
البنائية الاجتماعية الضعيفة (Weak Social Constructionism):
​تقبل بوجود "حقائق غاشمة" (Brute Facts) مستقلة عن البشر (مثل الجبال، الجاذبية، الجزيئات).
​وترى أننا نبني "حقائق مؤسسية" (Institutional Facts) فوقها (مثل "المال" أو "الحدود").
​هذا الرأي أكثر اعتدالاً وأسهل قبولاً.
​البنائية الاجتماعية القوية (Strong Social Constructionism):
​تتخذ موقفاً أكثر جذرية.
​تجادل بأن كل معرفتنا، حتى عن العالم الطبيعي والعلمي، هي بناء اجتماعي.
​هم لا ينكرون وجود الجبل، لكنهم يقولون إن مفهومنا عن "الجبل" كفئة جيولوجية محددة هو نتاج لغة وتصنيف بشري. لو لم يكن لدينا كلمة "جبل"، لما "رأيناه" بهذه الطريقة.

​2. الواقعية مقابل النسبية (نقد البنائية)

​هذا هو النقد الرئيسي الموجه للبنائية الاجتماعية من الخارج:

  • النقد (الواقعية): "إذا كان كل شيء بناءً اجتماعياً، فهل هذا يعني أنه لا توجد حقيقة؟ هل هذا يعني أن الادعاء بأن 'الأرض كروية' مساوٍ للادعاء بأن 'الأرض مسطحة'، لمجرد أن كلاهما بناء اجتماعي؟"
  • الموقف البنائي (النسبية): البنائية هي في الأساس مناهضة للواقعية (Anti-Realist) (ترفض وجود حقيقة موضوعية واحدة مستقلة) ومؤيدة للنسبية (Relativist) (ترى أن الحقيقة نسبية للسياق الثقافي والاجتماعي).
  • جدل "الموت والأثاث" (Death and Furniture Argument): هو نقد ساخر شهير، حيث يقول الواقعيون للبنائيين: "هل الكرسي الذي تجلس عليه بناء اجتماعي؟ هل الموت بناء اجتماعي؟"
  • الرد البنائي: البنائي لن ينكر وجود الكرسي المادي، لكنه سيقول إن مفهومنا عن "الكرسي" (كوحدة أثاث مميزة عن "المقعد" أو "الأريكة"، ووظيفته الاجتماعية، وتصميمه) هو بناء اجتماعي بالكامل.

​لماذا تعتبر نظرية البنائية الاجتماعية مهمة اليوم؟

​قد تبدو البنائية الاجتماعية نظرية أكاديمية مجردة، لكنها في الواقع أداة تمكين قوية لفهم العالم وتغييره.

  1. تمنحنا القدرة على النقد: بدلاً من قبول العالم كما هو ("هذه هي الطريقة التي كانت عليها الأمور دائماً")، تمنحنا البنائية الإذن بالتساؤل: "لماذا الأمور على هذا النحو؟ من الذي بنى هذا الواقع؟ ومن المستفيد؟"
  2. تفسر التغيير الاجتماعي: تساعدنا على فهم كيف تتغير المجتمعات. عندما تتغير "الأبنية الاجتماعية" (مثل مفاهيم الجندر، العرق، أو العدالة)، يتغير المجتمع معها.
  3. تعزز التعاطف بين الثقافات: بدلاً من الحكم على الثقافات الأخرى بأنها "خاطئة" أو "غريبة"، تساعدنا البنائية على رؤية أنها ببساطة بنت "واقعاً" مختلفاً بقواعد ومعانٍ مختلفة.
  4. تكشف علاقات السلطة: البنائية تسلط الضوء دائماً على القوة. إنها تُظهر كيف أن المجموعات المهيمنة في المجتمع غالباً ما تفرض "بناءها" للواقع على الآخرين وتقدمه على أنه "الحقيقة الطبيعية" والوحيدة.

​خاتمة: العالم الذي نبنيه بأيدينا

​إن نظرية البنائية الاجتماعية ليست مجرد نظرية سلبية تقول "لا شيء حقيقي". بل هي دعوة إيجابية ومحررة لإدراك أننا، ككائنات اجتماعية، نمتلك قوة هائلة.

​نحن لسنا مجرد ممثلين على مسرح لم نكتبه؛ نحن، بشكل جماعي، مؤلفو المسرحية ومصممو الديكور ومخرجوها. الواقع ليس شيئاً ثابتاً نرتطم به، بل هو مشروع مستمر نحن مسؤولون عن بنائه وتشكيله.

​بفهم أن العديد من "الجدران" التي تقيدنا هي أبنية اجتماعية، نكتشف فجأة أنها ليست مصنوعة من الحجر، بل من أفكار ولغة. والأفكار يمكن تغييرها.

نأمل أن يكون هذا الدليل الشامل قد قدم لك فهماً عميقاً لنظرية البنائية الاجتماعية. قد تكون مهتماً أيضاً بقراءة مقالاتنا الأخرى حول [نظرية الصراع الاجتماعي] أو [ما هي التفاعلية الرمزية؟].

تعليقات