الفلسفة المعاصرة Contemporary philosophy
|
الفلسفة المعاصرة Contemporary philosophy |
الفلسفة المعاصرة Contemporary philosophy ، هي الفترة الحالية في تاريخ الفلسفة الغربية والتي بدأت في نهاية القرن 19 مع احتراف التخصص ونشوء الفلسفة التحليلية والقارية.
عبارة "الفلسفة المعاصرة" هي جزء من علم المصطلحات التقنية في الفلسفة التي يشير إلى فترة محددة في تاريخ الفلسفة الغربية. إلا أن هذه العبارة عادة ما تختلط مع فلسفة الحداثة (الذي يشير إلى فترة أخرى سابقة في الفلسفة الغربية) ومصطلح فلسفة ما بعد الحداثة (الذي يشير إلى كتابات نقدية لفلسفة الحداثة كتبها فلاسفة أوروپيون). تاريخ الفلسفة المعاصرة لقد اصطلح المؤرخون على أن عام 1831 وهو العام الذى توفى فيه هيگل يعد البداية التقريبية للفلسفة المعاصرة.
ونحن لا نستطيع الجزم بأن الفكر الفلسفى المعاصر قد تميز بطابع فريد يختلف كثيراً عن الفكر الحديث فى جملته فنحن نلمس فى المذاهب المعاصرة انطوائها على معظم التيارات الفلسفية القديمة والحديثة على السواء مع حساب حصيلة الفكر التى تنمو بالتدريج خلال التطورات التاريخى لحضارة الإنسان ولكنا نلاحظ من ناحية أخرى أن هذه الفترة المعاصرة تتميز بالنزعة التطورية وسيطرة مقولة التطور منذ القرن التاسع عشر فى ميادين العلم والفلسفة على السواء وبصفة خاصة فى مجال التفسير التاريخى.
وعلى أية حال فإن فلاسفة المعاصرين منذ هيگل اتجهوا فى الغالب إلى تناول نفس المشكلات الفلسفية التى تناولها الفلسفة الحديثة ولكنهم انتجوا بها مناحى خاصاً على ضوء التجربة وقد تأثروا فى هذه الناحية بالاكتشاف العظيمة التى تمت فى مجال العلوم الطبيعية وكذلك بالتغيرات المتلاحقة التى طرأت على الحياة الإجتماعية كنتيجة للإنقلاب الصناعى وللثورات الاجتماعية والسياسية.
ومه هذا فإننا يجب أن نلاحظ أنه ليس ثمت اتفاق بين الفلاسفة على الصلة التى ينبغى أن تكون قائمة بين الفلسفة والعلم على ضوء الإنجازات العلمية التى تم تحقيقها فى هذه الأيام.
فقد رأى بعض الفلاسفة أنه حتى فى مجال العلوم التى تتطلب الدقة التامة فى مباحثها مثل الرياضيات والطبيعة والكيمياء وعلم الأحياء إلى حد ما حتى فى مجال هذه العلوم التى أحرزت تقدماً كبيراً بفضل استخدامها للمقاييس الكمية فإن ما تمدنا به فروض وإيحاءات حول موضوعاتها التى تخضع للقياس لايمكن بحال أن يعطينا حلولا حاسمة تسمح لنا بأن ندرك الطبيعة النهائية للموضوعات.
وبالإضافة إلى هذا فإن الكثير من هذه الفروض العلمية التى كان من الممكن أن تكون ذات دلالة من الناحية الفلسفية ظلت تتغير كل عشرين عاماً أو فى زمن أقل من هذا ولهذا فإننا نجد بعض المثاليين لامعاصرين الذين لم يجادلو العلماء فى ميادين بحثهم ينكرون على البحث العلمى استطاعته الوصول إلى معرفة تامة بطبيعة الواقع ومن ثم فهم يرون أن قصارى ما يصل إلية العلم هو أن يعطينا رمزا نفعية عن الموضوعات يمكن استخدامها في المجال التطبيقي فحسب إذ هي نظرات جزئية لا يمكن مجال أن تعطينا صورة كاملة شاملة ومحيطة بامور الواقع وبناءا علي هذا فان بعض الفلاسفة الذين اتخذاوا هذا الموقف ظلوا الي وقتنا هذا يتناولون مشكلات الفلسفة بنفس الاساليب التي تناولها بها قدماء الفلاسفة مع اضافة ما تتطلبه روع العصر وتطور الفكر الانساني.
وإذا كان المثاليون يقفون من العلم الحديث هذا الموقف المعادي الواضح فإننا نجد الطرف الآخر المقابل فريقا آخر من الفلاسفة مثل الوضعيين والبراجماسيين والواقعيين هؤلاء اعتقدوا ان مناهج البحث العلمي المطبقة في مجال العلوم هي وحدها المناهج الصحيحة والتي يجب التعويل عليها في أي بحث فلسفي. فكل ما لا نعرفه عن طريق هذه المناهج تستحيل علينا معرفته علي وجه الاطلاق. وعلي هذا فالميتافيزيقا متنعة وهي خرافة كما يقولون.
وإذا استبعدنا الميتافزيقا فما الذي يبقي في نطاق الفلسفة؟ يقول هؤلاء إن علي الفيلسوف ينحصر في دراسة مناهج العلوم ووضعها ومحاولة استخدامها في الميادين التي لازالت في دائة الفلسفة مثل المنطق والاخلاق. وعليالفلسفة في نظرهم ان تتصدي للغة التي يستخدمها الفلاسفة فتقوم بتحليلها واستبعاد جميع الالفاظ التي لايوجد لها مدلول علمي او حسي مثل فكرة النفس أو الأنا وغيرها من الافكار الفلسفية. وهذا موقف مدرسة التحليل المنطقي بالذات.
ومن ثم فإن الفلسفة قد أصبحت ذيلا للعلم تقفو أثره وتلتزم بحدوده وتدعي لذلك انها فلسفة علمية مع أن القول بوجود فلسفة علمية قول متناقض يقوم علي الملاحظة والتجربة واستخدام منهج الاستقراء فإن الفلسفة لا يمكن أن تسير في نفس الطريق بل إنها يجب أن تستمر في استخدام منهج الاستدلال القائم علي التأمل. وقد تم فهم هذا فريق من المعاصرين وجعلوا الخلوة الي الذات والتأمل شرطا أساسيا للتفلسف.
وقد أثار هذا الموقف الواضعي المتزمت ثاثرة كثير من الفلاسفة فهب فريق منهم للدفاع عن الفلاسفة ودورها الهام الذي تلعبه في مضمار الحضارة الإنسانية فنجد هوسرل صاحب مذهب الظواهر يثور ثورة عنيفة علي أمثال هذه المذاهب ويرفض ان يجعل الفلسفة ذيلا للعلم بل يتقدم في مشروع إصلاحه الفلسفي لكي يجعل العلم تابعا للفلسفة بحيث تصبح الفلسفة مرشدة للعلم وملهمة له وقائدة لتقدمه. ويبين هوسرل في وضوح تام أن أعظم ميزة للفكر الفلسفي هي ما يسميه بالتوقف او تعليق الحكم أو وضع الوجود الواقعي للاشياء بين قوسين حيث تظهر القيمة النقدية والشك البناء للعقل الفلسفي الذي يدرس الموضوعات كما تبدو في الشعور ويوضح الظواهر ويرتبها بكل دقة حتي يعرف طبيعتها الحقة الثابتة التي تؤدي الي قيام علوم جديرة بهذا الاسم كالرياضيات.
علي أن فريقا من الوضعيين والتطوريين امثال كونت وسبنسر لم ينهجوا نفس النهج الذي سار فيه التجربيون والوضعيون المتزمتون فقد اختلطت أراءهم بالفلسفة فنري كونت وكذلك سبنسر يضعان تصنيفا للعلوم وكذلك يحاول كل منهما وضع نظرية تركيبية عريضة في المعرفة. وهذا النوع من العمل الفلسفي لا يمكن بالطبع أن يتم أنجازه في معامل العلماء ومختبراتهم وهذا يعني أن فريقا من بين أصحاب النزعات التجربية للمعرفة ظل أمينا علي المسار التقليدي للتراث الفلسفي في مرحلة من أشد المراحل التجربية تزمتا اي في غضون القرن التاسع عشر.
وكذلك نجد فلاسفة مثل وليم جيمس وبرجسون يجعلون العلم نقطة بداية فلسفاتهم ولكنهم لا يجعلونه نقطة النهاية في مواقفهم إذ أنهم يرون أن الفلسفة تستطيع أن تعرض لتأملات مستفيضة وتركيبية عن الطبيعة النهائية للكون وعن مركز الإنسان فيه مع احترام حصيلة العم المعاصر وفروضه المثمرة.
ويلاحظ ان التغيرات الاجتماعية والسياسية في القرن 19 كان لها أثرها الكبير في مجهودات الفلاسفة المعاصرين الذين هيوا لصياغة نظم جديدة اجتماعية وسياسية لكي يحققوا عن طريقها حياة أفضل للنوع الانساني فنشات بفضلهم علوم كثيرة هامة مثل علم الاقتصاد وعلم السياسة والاجتماع وعلم النفس والتربية وأصبحت لهذه العلوم نظمها الخاصة بها والمستقلة عن الفلسفة.
علي أننا يجب أن نلاحظ أمرا خطيرا حدث مع بداية القرن العشرين وهو أن الازمات الاجتماعية والسياسية والثورات والحروب التي عاناها الانسان في هذه الفترة قد خلقت نوعا من الحيرة والقلق والضياع في نفوس البشر هذا بالاضافة الي ما تخلف عن الثورة الصناعية من استحكام روح التزمت التجريبي وسيطرة النزعة الالية الامر الذي ادي الي ازدياد شعور الانسان بضالته في مواجهة التطور العلمي الضخم وسيطرة الالات الصناعية علي جميع مرافق الحياة الانسانية.
هذه الامور كان لها تاثير علي القيم الانسانية الروحية والاخلاقية حيث أخذ مركزها يتضاءل بين الناس فكان لذلك تاثيره علي مفهوم الحرية وممارستها وكذلك علي المفاهيم الاخلاقية والدينية بوجه عام.
وكان أن ظهرتيار الفكر الوجودي منذ كير كجارد كصيحة الم انسانية وكثورة صارخة ضد النظم الالية والمطلقة التي تكبل حرية الانسان فحمل الوجوديون رسالة التدعيم لحرية الانسان ممثلا في افراده فالحرية في نظرهم هي المعني المساوق للوجود.
أما رد الفعل الروحي والاخلاقي علي النزعات التجربية والوضعية المتزمته فقد تمثل في مذهب إميل بوترو وفي مذهب تلميذه هنري برجسون فليست البرجونسونسة سوي ثورة عنيفة ضد المذاهب المادية التي سيطرت علي الفكر الفلسفي خلال القرن التاسع عشر وفي مطلع القرن العشرين. وسنتكتفي في هذا البحث عن الفلسفة المعاصرة باستعراض موقف برجسون كممثل لهذه النزعة.