أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

بحث بعنوان الماركسية عند كارل ماركس

 بحث بعنوان الماركسية عند كارل ماركس 

بحث بعنوان الماركسية عند كارل ماركس
بحث بعنوان الماركسية عند كارل ماركس 

خطة البحث الماركسية مقدمــــة 
المبحث الأول/ الماركسية الكلاسيكية 
نبذة عن حياة كارل ماركس 
عوامل ظهور الماركسية الكلاسيكية 
نظرية ماركس حول الصراع الطبقي 
المادية الجدلية 
المادية التاريخية 
تقييم النظرية الكلاسيكية 
المبحث الثاني/ الماركسية المحدثة 
عوامل ظهور الماركسية المحدثة 
بعض رواد الماركسية المحدثة 
- رالف داهرندروف و الصراع في مجتمع ما بعد الرأسمالية 
فرانك باركن و القيم و الصراع في المجتمعات الحديثة 
- دافيد لوكود و النسق و الطبقة في المجتمع الحديث 
تقييم النظرية الكلاسيكية المحدثة 
خاتمـــة 
ملحق 
المراجع 

مقدمـــــــــــــــــــــة:

ظهرت الماركسية كمذهب و تيار فكري في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في شرق أوربا، و سميت كذلك نسبة لمؤسسها كارل ماركس، حيث استوحى نظريته من التراث الفكري آنذاك والذي عاصر فيه الفلسفة الكلاسيكية الألمانية، الاقتصاد السياسي الكلاسيكي الانجليزي و الاشتراكية الفرنسية، حيث كانت نظريته مادية بحتة بعيدة عن الميتافيزيقة و المثالية تدور حول ملكية الأفراد لوسائل الإنتاج و التي تملكها الطبقة الرأسمالية و طبقة البروليتاريا الكادحة و تطور المجتمع من طبقة إلى أخرى حيث لا يتم هذا التحول إلا بوجود الصراع بين هذه الطبقات كما وضع قوانين جدلية و تاريخية و اتخذها كمنهج لنظريته، حيث كان يطمح إلى قيام مجتمع شيوعي إلا أن هذا الطموح اصطدم بواقع الرأسمالية المتعصب و لم تضمحل الرأسمالية لتحل محلها الاشتراكية و من ثم الشيوعية، هذا ما أدى ببعض المفكرين لنقد نظريته و نعتها بالناقصة، ليأتي من بعده تلامذته و مفكرين معجبين بنظريته و اتبعوا خطاه و درسوا الواقع المعاش بتطبيق النظرية الماركسية الكلاسيكية عليه فوجدوها تحوي على نقائص، مما اضطرهم إلى تحديث النظرية التقليدية و اكتشاف طبقة وسطى في المجتمع و إضافة بعض المفاهيم التي كانت غائبة عن كارل ماركس مع حفاظهم على الأساس و لب النظرية الكلاسيكسة.
فيا ترى هل استطاع كارل ماركس و الجيل الذي بعده من خلال النظرية دراسة المجتمع دراسة علمية بعيدة عن الميتافيزيقة و التأثير فيه؟ هذا ما سنلحظه من خلال تقديمنا لعرض النظرية التقليدية و المحدثة.

المبحث الأول/ الماركسية الكلاسيكية

نبذة عن حياة كارل ماركس (1818-1883):

ولد كارل ماركس في الخامس من ماي سنة 1818 في تريف الروسية، كان والده محاميا يهوديا إعتنق البروتستنتية سنة 1824 ، ينحدر من عائلة مثقفة ميسورة الحال، درس الحقوق في جامعة بون ثم جامعة برلين و اهتم بالفلسفة و التاريخ، و في سنة 1841 قدم أطروحته الجامعية حول فلسفة أبيقور، و كانت مفاهيمه هيجيلية بحتة، وبعد تخرجه أقام في بون أملا الحصول على منصب أستاذ جامعي لكن السياسة الرجعية القائمة حالت دون ذلك حيث أقالت الأستاذ فيورباخ من منصبه و منعت الأستاذ برونو باور من تقديم المحاضرات، في ذلك الوقت كان فيورباخ ينتقد علم اللاهوت و يتجه نحو المادية و التي كانت لها الغلبة سنة 1841 كما كان سياسيا و صحفيا و منظر اجتماعي، حيث تأثر ماركس بكل من الاقتصاد الانجليزي الذي ساد انجلترا بعد الانقلاب الصناعي، والذي أسسه ادم سميث و دافيد ريكاردو اللذان أثارا نظرية القيمة في العمل وتأثر ماركس كذلك بالمذهب الاشتراكي الفرنسي في حينه لقد كان ماكس فيلسوفا ومفكرا مادياً، وألف مع زميله فردريك انلجز، مجموعة من الكتب شرحا فيها أفكارهما و يعدان أول المؤسسين للشيوعية الحديثة التي بدأت من ألمانيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ثم تابعها في نفس الاتجاه لينين وغيره من مفكري المادية أو الماركسية أو الشيوعية الحديثة في القرن العشرين، وهو صاحب مقولة الدين هو أفيون الشعوب لأن الدين لا يشجع الفكر الحر الذي ينتج بل يبقيهم كالمخدرين دون طموح للتقدم والتغيير.

و من أهم أعمال كارل ماركس:

’’1- البيان الشيوعي: في عام 1845 ماركس كان قد أجبر على مغادرة فرنسا بسبب نشاطاته الثورية وكان قد استقر في بروكسل ولحقته زوجته وأطفالها إلى هناك وساعده صديقه انغلس الذي كان أبوه برجوازيا على شراء منماوال والذي تحول فيما بعد إلى مركز للإتصال والاجتماع بالشبكات العمالية الثورية.
2- عصبة الشيوعيين: في عام 1847 اجتمع الشيوعيون ليؤسسوا عصبتهم وفوض ماركس وانجلز ليشكلوا مبادىء هذه العصبة وبرنامجها المتبع وكان هذا البرنامج قد عرف فيما بعد ب بيان الشيوعية حيث وضع فيه ماركس جوهر أفكاره وأسس العمل على تحقيقها، وكانت عصبة الشيوعيون قد قامت على أنقاض جماعة رابطة العادلين في فرنسا والتي كانت لا تؤمن بضرورة الثورة والاستيلاء على السلطة وكان شعارها: الناس كلهم أخوة طبعا أقنع ماركس أعضائها بأنهم يحلمون بعالم وردي واستبدل الشعار إلى أن صار يا عمال العالم اتحدوا  البيان الشيوعي كان يمهد لعقيدة الاشتراكية العلمية ويجسد المادية التاريخية بعيدا عن الكنيسة أو الدين باعتقاد ماركس .
3- رأس المال: جمعت مؤلفات كارل ماركس في مجلد رأس المال، حيث ربط تكون رأس المال بالقيمة المضافة الناتجة عن علاقات الإنتاج ولم يجعله يقتصر على حالة تراكمية جامدة. 
4- العائلة المقدسة عام 1845
5- الإيديولوجية الألمانية عام 1846 
وفي 14 مارس 1883، توفى كارل ماركس بعد مصارعته لمرض الكبد و داء النماوالة الشعبية، ودفن في مقبرة هاي غيت (Highgate Cemetery) بلندن.

عوامل ظهور الماركسية الكلاسيكية:

يمكننا القول بأن الظروف التي أعانت كارل ماركس على وضع نظريته كانت ظروفاً سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وفكرية، سادت في عصره وعاشها في بداية حياته مثل:
- التناقضات التي جاء بها تطور النظام الرأسمالي في أوروبا خلال القرن التاسع عشر بين طبقة الملاك الرأسماليين وطبقة العمال الكادحين.
- التطور الكبير الذي قطعه علم الطبيعة خلال القرن التاسع عشر، فقد كف هذا العلم (الطبيعة) عن دراسة الأشياء والوقائع منفصلة عن بعضها البعض، وتحول إلى علم نظري يسعى إلى تفسير هذه الوقائع، وإيضاح الصلة بينها على أساس ديالكتيكي ، وقد ساعدت النظريات والاكتشافات الكبرى في علم الطبيعة إبان القرن التاسع عشر على تشكيل النظرة المادية الجدلية إلى الطبيعية، كاكتشاف بقاء الطاقة وتحولها، ونظرية تركيب الكائنات الحية من خلايا، ونظرية داروين التطورية.
- الفقر المذقع و الاوضاع المزرية التي كان يعيشها عامة الناس ماعدا قلة منهم.
- الاضطهاد الكنسي الذي كان يمارس شتى الضغوط على المجتمع الأوروبي .

نظرية كارل ماركس حول الصراع الطبقي:

يعد كارل ماركس مؤسس اتجاه الصراع الذي هو أحد الاتجاهات الأساسية في النظرية الاجتماعية، و السبب في هذا الصراع هو صراع قائم على المصالح بين الطبقات الاجتماعية حيث التي اعتبرها ماركس تناقضات داخلية تظهر في المجتمع و تنسجم أساسا من تأثير علاقات الإنتاج على حياة الناس و التي تؤثر على طريقة تفاعلها، فالطبقات المالكة لوسائل الإنتاج تكون قادرة على استغلال الطبقات الأخرى لصالحها و من جهة أخرى أن الطبقات التي يقع على كاهلها نتائج الاستغلال مهتمة بإحداث تغييرات أساسية في هذا النظام، لتضح حدا لاستغلاله إذا أصبح لدى تلك الطبقات وعي كافي تصبح الثورة لا مفر منها و من نتائج هذه الثورة المزيد من التقدم التكنولوجي الذي لم يكن من قبل.
يعتقد ماركس أن التطور التاريخي للجماعات البشرية ساهم بشكل فعال في تطور الملكية و قد حدد لهذه الملكية عدة أنواع فقد تكون الملكية في ظل:
النظام المشاعي: تكون علاقات الإنتاج لا تعترف بسيد أو عبد و أن وسائل الإنتاج مملوكة جماعيا، وهذا ينسجم بصورة رئيسية مع طابع قوى الإنتاج في تلك الفترة، الأدوات الحجرية وبعدها القوس أعاق أن يقوم الناس منفردين في مكافحة قوى الطبيعة والحيوانات المفترسة. من اجل جمع فواكه الغابات وصيد السمك، وبناء نوع من المأوى، اضطر الناس إلى العمل مجتمعين إذا لم يريدوا أن يموتوا جوعا، أو أن يقعوا فرائس للحيوانات المفترسة أو ضحايا للمجتمعات المجاورة. إن العمل سوية أدى إلى الملكية العامة لوسائل الإنتاج وكذلك لثمار الإنتاج، هنا لم توجد بعد فكرة الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، فيما عدا الملكية الشخصية لبعض أدوات الإنتاج التي كانت في الوقت ذاته وسائل للدفاع ضد الحيوانات المفترسة، هنا لم يكن ثمة استغلال ولا طبقات.
النظام العبودي: ففي هذا النظام مالك العبيد يملك وسائل الإنتاج؛ هو كذلك يمتلك العامل في الإنتاج العبد الذي يستطيع بيعه أو شراءه أو قتله كما لو كان حيوانا، إن علاقات الإنتاج هذه تنسجم بصورة رئيسية مع حالة قوى الإنتاج في تلك الفترة فبدلا من الأدوات الحجرية أصبح تحت تصرف الإنسان الآن أدوات معدنية؛ وبدلا من صورة الصيد البدائية التي لم يكن تعرف الرعي ولا الحرث، ظهر الآن الرعي والحرث و وتوزيع العمل بين فروع الإنتاج هذه حيث تظهر هنا إمكانية تبادل المنتجات بين الأفراد وبين الجماعات، إمكانية تراكم الثروة في أيدي القلائل من الناس بامتلاكها لوسائل الإّنتاج، وإمكانية إخضاع الأقلية للأغلبية وتحويلها إلى عبيدّ، حيث يغيب هنا العمل العام الحر لأعضاء المجتمع في عملية الإنتاج فلا توجد ملكية عامة لوسائل الإنتاج أو لثمار الإنتاج و حلت محلها الملكية الخاصة، هنا يبدو مالك العبيد مالك الثروة الرئيسي والأساسي بكل ما في العبارة من معنى، فثمة الغني والفقير، المستغل والمستغل، أناس لهم كامل الحقوق وأناس لا حقوق لهم، وصراع طبقي ضار بينهم هذه هي صورة النظام العبودي.
النظام الإقطاعي: إن أساس علاقات الإنتاج في هذا هي أن السيد الإقطاعي يمتلك وسائل الإنتاج ولكنه لا يمتلك عامل الإنتاج العبد امتلاكا تاما، لم يعد السيد الإقطاعي يستطيع قتل العبد ولكنه يستطيع شراءه أو بيعه، إلى جانب الملكية الإقطاعية ثمة ملكية فردية يمتلك فيها الفلاح والحرفي أدوات إنتاجه ومشروعه الخاص القائم على أساس عمله الشخصي، إن علاقات الإنتاج هذه تنسجم بالدرجة الرئيسية مع حالة قوى الإنتاج في تلك الحقبة تحسينات أخرى في صهر الحديد والعمل به، انتشار المحراث الحديدي والمغماوال، مزيد من التطور في الزراعة و البستنة وزراعة الكروم، وصناعة الألبان، ظهور الو رشات الحرفية، حيث تتطلب قوى الإنتاج الجديدة إن يبدي الكادح ميلا للعمل واهتماما بالعمل، و هنا تطورت الملكية الخاصة تطورا إضافيا والاستغلال ما زال كما كان في ظل العبودية تقريبا لكن لقد جرى تلطيفه بعض الشيء، و الصراع الطبقي بين المستغلين و المستغلين هو الصفة الرئيسية للنظام الإقطاعي.
النظام الرأسمالي: إن المعالم الرئيسية لعلاقات الإنتاج تكمن في أن الرأسمالي يمتلك وسائل الإنتاج، ولا يمتلك العمال في الإنتاج بل لهم أجور الذين و لا يستطيع قتلهم ولا بيعهم لأنهم أحرار، ولكنهم محرومون من وسائل الإنتاج، ولكي لا يموتون جوعا هم مضطرون إلى بيع قوة عملهم إلى الرأسمالي وان يرزحوا تحت نير الاستغلال، إلى جانب الملكية الرأسمالية لوسائل الإنتاج نجد أولا نطاقا واسعا من الملكية الخاصة للفلاحين وأصحاب الحرف في ملكية وسائل الإنتاج، وهؤلاء الفلاحون وأصحاب الحرف لم يعودوا اقنانا، وتقوم ملكيتهم الخاصة على أساس كدحهم الشخصي، وبدلا من الو رشات الحرفية تظهر معامل ومصانع مجهزة بالماكينات. و بدلا من القطع الزراعية للفلاح المزروعة بأدوات إنتاج بدائية، تظهر الأن مزارع رأسمالية واسعة تدار بطرق علمية ومزودة بالماكينات الزراعية.
وهذا يعني إن علاقات الإنتاج الرأسمالية توقفت عن الانسجام مع حالة قوى إنتاج المجتمع وأصبحت في تناقض متعارض معها و أن الصفة الأساسية للنظام الرأسمالي هي أشد أشكال الصراع الطبقي حدة بين المستغلين وموضوع الاستغلال.
النظام الاشتراكي: أن أساس علاقات الإنتاج هو الملكية الاشتراكية لوسائل الإنتاج، هنا لا يوجد مستغلون ومستغلون بعد الآن توزع البضائع المنتجة وفقا للعمل المنجز وفقا لمبدأ "من لا يعمل لا يأكل"، هنا تتميز العلاقات المتبادلة بين الناس وعملية الإنتاج بالتعاون الجماعي والمساعدة الاشتراكية لعمال تحرروا من الاستغلال و هنا تنسجم علاقات الإنتاج انسجاما تاما مع حالة القوى المنتجة لان الطابع الاجتماعي لعملية الإنتاج يتعزز بالملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج.
و من خلال ما رأينا من نماذج في انتقال الملكية فقد توصل كارل ماركس إلى أن المجتمع ينقسم إلى طبقتين الأولى رأسمالية مالكة لوسائل الإنتاج و الثانية تتمثل في طبقة البروليتاريا الكادحة هذه الأخيرة التي من شأنها القيام بالثورة ضد الطبقة الأولى لتستعيد مكانتها في المجتمع.

مبادئ النظرية الماركسية: و تقوم النظرية الماركسية على عدة مبادئ أهمها:
1- أنها تعبير عن صراع طبقي ومصالح مادية
2- المهم ليس فهم العالم بل العمل على تغييره
3- المادة توجه العالم وتفسر التاريخ
4- التاريخ عند الماركسية عبارة عن صراع بين الطبقات نتيجة عوامل اقتصادية
5- الاقتصاد وعلاقات الإنتاج هما أساس كل ظاهرة اجتماعية
6- الدعوة لتغير العالم لصالح الكادحين (البروليتاريا)، مع رفض قاطع للميتافيزيقا
7- تفسير الأحداث والتاريخ بناء على نظام الملكية 
8- محاربة الأديان واعتبارها وسيلة لتخدير الشعوب، وخادماً للرأسمالية والإمبريالية
9- الإيمان بأماوالية المادة وأن العوامل الاقتصادية هي المحرك الأول للأفراد والجماعات
10- الأخلاق نسبية وهي انعكاس لآلة الإنتاج
11- القضاء على الاستغلال الفردي وسحق الفرد حيث قام تحليل ماركس على أساس الظروف المادية بعيدا عن القوى الروحية و من ثم من أسس نظريته الاجتماعية على:

1- المادية الجدلية أو الديالكتيكية:

هي تلك النظرية التي تقرر بأن المادة هي كل الوجود، وان مظاهر الوجود على اختلافها ما هي إلا نتيجة تطور متصل للقوى المادية ،وان ما هو عقلي يتطور عما هو مادي ولابد أن يفسر على أساس طبيعي، أول من وضع مبادئ المادية الجدلية، هو الفيلسوف الألماني الجنسية كارل ماركس الذي أسسها مع صديق عمره فردريك انجلز 1820- 1895، ولكن الذي دعى إليها ونشرها هو لينين 1870- 1934، ويطلق على هذه الفلسفة اسم المادية الجدلية، لقد تأثر ماركس بالفلسفة الألمانية المادية التي كانت سائدة في عصره، فأخذ عن (هيجل) الجدل حيث يكمن محور الديالكتيك الهيجلي في أن المتناقضات تنشأ في العقل الجمعي أولا ثم تنعكس على أرض الواقع لكن هذه الجدلية لم تعجب ماركس و انجلز، و قال بأن المذهب الهيجلي يمشي على رأسه و لا بد أن يعاد إلى توازنه و يمشي على قدميه و أخذ ماركس وانجلز من الديالكتيك الهيجلي نواته المعقولة نابذين قشرته المثالية وطوراها ابعد من ذلك لكي يضفوا عليها شكلا علميا. 
وتقوم المادية الجدلية عند كارل ماركس على قوانين ثلاثة و هي كالتالي: 

1- قانون وحدة الأضداد وصراعها:

كل شيء طبيعي وكل ظاهرة تشتمل على طرفي تضاد، ولا يمكن أن يظل هذان الطرفان في سلام فمن المحتم ان يتولد الصراع بينهما وهذا الصراع بينهما لا يقضي على وحدة الشيء أو الظاهرة، بل يقضي إلى تغلب الطرف المعبر عن التقدم على الطرف الآخر فيحدث التحول، وهذا هو السبيل الى التطور، ويرى ماركس أننا نجد التضاد في الشيء الواحد: الحار والبارد، والصلابة والليونة، والحياة والموت، والأنانية و الغيرية. 
وأن التحول يحدث حينما يتغلب طرف على الآخر دون القضاء على وحدة الشيء، وبالتطبيق على الواقع السياسي نجد أن المجتمع الرأسمالي يشمل على البروليتاريا والبرجوازية، وكل طبقة منها تفترض وجود الطبقة الأخرى على الرغم من تضادهما، إذ أنهما سيؤلفان وحدة النظام الرأسمالي. 

2- قانون الانتقال من التغير الكمي على التغير الكيفي:

يوضح هذا القانون كيف يسير التطور، فالتغير الكمي يحدث من ناحية المقدار أما التغير الكيفي فيحدث من التحول في الكيف أو الصفات، ويرى ماركس انه عندما تتراكم التغيرات الكمية و تتزايد، فإن التغير الكيفي لا يلبث أن يتم، كما يرى انه إذا اختفت الملكية الرأسمالية وهي الكيفية الأساسية للنظام الرأسمال وحلت محلها الملكية الاشتراكية، فإن نظاما جديداً يحل محل النظام الرأسمالي وهو النظام الاشتراكي، وبينما يحدث التغير من الرأسمالية إلى الاشتراكية فجأة أي بالانقلاب الثوري المباغت، نجد أن الانتقال من الاشتراكية إلى الشيوعية لا يتم فجأة بل بالتغيير المستمر البطيء. 

3- قانون نفي النفي:

وهذا القانون يكشف عن الاتجاه العام للتطور في العالم المادي، فتاريخ المجتمع الإنساني يتألف من حلقات نفي النظم الجديدة للنظم القديمة، فقد قضى مجتمع الرقيق على المشاعية البدائية، وقضى مجتمع الإقطاع على مجتمع الرقيق، وقضت الرأسمالية على مجتمع الإقطاع ثم قضى المجتمع الاشتراكي على مجتمع الرأسمالية. وكل نظام يشتمل في نفسه على مبادئ كامنه في ذاته تكون هي البيت في القضاء عليه؛ فالمجتمع الرأسمالي يحوي في ذاته على مبادئ ولا يعني السلب أو الجديد ينسج القديم كله بل الواقع انه يستبقي من القديم أفضل ما فيه فيدمجه في الجديد ويرفعه إلى أعلى.
إن المادية الجدلية، لا تناقش الأمور الغيبية، لأنها لا تؤمن إلا بالمادة المحسوسة، وترى المادية الجدلية أن كل ما في الوجود يضمن عناصر متناقضة، و متصارعة، وان التصارع بين النقيضين (الشيء وضده) ينشأ عنه شيء أرقى مرتبة منه، وهذا ما يوضح طبيعة التطور ويجعل منه تقدماً وهو ما يعرف بقانون نفي النفي. 

2- الماديـة التاريخيــة: 

هي امتداد و نتاج تطبيق المنطق جدلي على التطور التاريخي للمجتمع ، و هي علم يفسر لنا كيفية تطور القوانين الاجتماعية وكذا نظرية سوسيولوجية ، استخدمها ماركس في دراسة المجتمع لتحليل جوانبه المادية و قضية الإنتاج الاقتصادي و هو أساس دراسته، و مغزاها أن المادة أو الوجود هما أصل ظهورالوعي أو الفكر، و التي اتخذ منها ماركس محورا لنظريته، حيث هي إيديولوجية واضحة المعالم يمكننا معرفة الأساس المادي و الاقتصادي للعالم و هي في تطور مستمر على أساس جدلي، فهي العالم الذي يبحث عن القوانين العامة و القوى الدافعة لتطور المجتمع الإنساني بصورة عامة دراسة تاريخ المجتمعات و الشعوب و تاريخ تغير و تطور النظم الاقتصادية و الاجتماعية، و أيضا تدرس قوانين الحياة المعاصرة سواء كانت رأسمالية أو اشتراكية. 
ففي رأي ماركس أن المجتمع ناتج من حركة المادة التي تشكل الطبيعة و خاصة أشكالها الطبيعية، حيث يقول أن سلف المجتمع البشري هو قطيع حيواني ينمو و يقوم على أساس الطعام و الجنس و تحوله البيولوجي إلى مجتمع بشري كان نتاج تأثير مباشر للعمل و النشاط المزود بالأدوات و لتحقيق هدف محدد كان لا بد خلق أدوات ضرورية بالعمل على تطوير أشياء طبيعية و كان المجتمع البشري نتاج سعي الإنسان إلى تغير صفاته من جهة و من جهة و كذا الأدوات التي يؤثر بها في الطبيعة، فظهرت هناك روابط في العمل، فتفاعل الطبيعة و المجتمع شرط ضروري لقيام المجتمع بوظائفه و تطوره و من ثم تؤثر الطبيعة في المجتمع يؤثر هو عليها حسب آليات محددة.
حسب الدراسة التاريخية لماركس رأى أن الإنتاج المادي هو أساس وجود المجتمع فكل من الرؤى السياسية، الأخلاقية، التشريعية و الدينية تقوم على أساس الإنتاج و هو الأساس الاقتصادي للمجتمع و هذا الأخير يقوم على طبقات تعكسها المصالح المتضاربة و التي تقوم على العداء و من ثم قدم وجود المادة على الوعي و بنى علم الاجتماع قاعدتين هما:
الوجود الاجتماعي: و يتمثل في الظواهر المادية في المجتمع (نشاط، إنتاج، عمل، استغلال و تأثير الطبيعة
الوعي الاجتماعي: و هو مجموعة الظاهرة الروحية من أفكار، نظريات، مشاعر، تقاليد و أعراف و التي تعكس الوجود الاجتماعي للناس في مجتمع ما.
و أن جوهر المادية التاريخية يعود إلى البناء الفوقي للمجتمع الذي هو ناتج البناء التحتي للمجتمع، حيث أن هذا الأخير هو مجموع علاقات المجتمع الاقتصادية ، و البناء الفوقي هو القوانين والأخلاق والسياسات العامة ، و تعتبر الماركسية أن البناء الفوقي للمجتمع يعكس بنائه التحتي ، فمثلا في المجتمع الرأسمالي تتولد دولة تخدم المصالح الرأسمالية وأحزاب لا تتناقض مع الرأسمالية و تسن القوانين بما يخدم الرأسمالية.
تقييــــم النظرية الكلاسيكية:كأي نظرية وجهت إلى ماركس بعض الانتقادات نذكر منها:
- إتهام سوروكين لماركس بأن نظريته تقوم على الحتمية أو أساس ميتافيزيقي و تقوم على جانب واحد فقط حيث أنها في حقيقة الأمر علاقة تبادلية تأثر و تأثير
- بوتومور وجه انتقادات لماركس و أهمها:
أن فروض ماركس لها صفة قوانين عامة لكنها مجرد مبادئ
نظرية ماركس تعتريها أخطاء فيما يخص الوصف الفعلي لنمط الصراع و التوازن، و لكنه أيده من في خلال الوجهة التاريخية
- كذلك نظرية ماركس تبقى ناقصة و أن الصراع الطبقي لم يتم في الطبقة الرأسمالية للانتقال إلى الطبقة الاشتراكية و من ثم إلى الشيوعية كما كان يطمح.
و رغم الانتقادات الموجهة إلى كارل ماركس إلا أنه ترك إسهامات سوسيولوجية مهمة أهمها:
- ارتكز كارل ماركس في تحليله للظواهر الاجتماعية على العوامل المادية مبتعدا على الغيبيات و الروحانيات مما يخضع الظواهر لدراسة علمية
- أكد على أهمية تفسير العوامل السوسيولوجية في ضوء تفسير العوامل التاريخية
- النظرية الاختيارية للفعل الاجتماعي هي أن الثورة لا تحدث من تلقاء نفسها و إنما يدفع بها الناس و اشتق ماركس مفهوم الفعل الاجتماعي من المبادئ الكلاسيكية الغاية تبرر الوسيلة بطريقة آلية و أن سعي الأفراد لتحقيق أهدافهم يلزمهم بالتفاعل مع العالم المادي، هذا الأخير الذي يستلزم وجود علاقات اجتماعية تنشأ عنها الحاجة إلى التكنولوجيا و هذا ما أطلق عليه ماكس قوى علاقات الإنتاج أو الترشيد الآلي
- أكد على بناء المواقف الاجتماعية و التلاحمات المنطقية. 
المبحث الثاني/ الماركسية المحدثة

عوامل ظهور الماركسية المحدثة:

تحديث أفكار الماركسية الكلاسيكية التصويرية التي اتخذت من الصراع مدخلا وظيفيا للعديد من الظواهر الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية المتغيرة.
- ظهور من العلماء الشبان الغربيين الذين انبهروا بنظرية الصراع لكنهم إعتروها أداة للتغير و التحديث لا كما نظر إليها ماركس لكن الصراع في داخله يحمل احترام للنظام و السلطة مثل الانسجام.
- أراد أنصار الماركسية أن يقوم علم الاجتماع و يطور ذاته عن طريق دراسته لعناصر الصراع و التغير.
-ركزوا على التوفيق بين الماركسية التقليدية التي تركز على الصراع، و الوظيفية البنائية التي تركز على التوازن النسقي.
- حرص أنصار الماركسية على تطبيق نظرية الصراع و تصنيفها إلى اتجاهين هما:
اتجاه ينظر إلى المجتمع على أنه نسق معياري و يركز على العوامل الاجتماعية  و اتجاه طبيعي يسعى لتفسير الصراع بالاهتمام بالأسباب الاجتماعية و الثقافية الكامنة التي بسببها يظهر الصراع.

بعض رواد الماركسية المحدثة:

رالف داهرندروف و الصراع في مجتمع ما بعد الحداثة:
أثناء دراسته للمجتمع توضح له بأن هناك طبقة وسطى لم ينتبه إليها كارل ماركس في نظريته، حيث ينتمي لهذه الطبقة أصحاب الياقة البيضاء و يتمثلون في الأطباء و الصحافيين و المحامين و الأساتذة ، و كذا أصحاب الياقة الزرقاء و هم العمال الموجودين في المصانع و كونوا مجموعة من النقابات المختلفة حيث كان المجتمع في حاجة إلى عقل مفكر، حيث تنادي هذه الطبقة بالمساواة و القضاء على التمييز الطبقي و المطالبة بحقوق العمال و توعية المجتمع، كما تمثل هذه الطبقة حلقة و صل بين الرأسماليون و العمال الكادحون، و ذكر داهرندروف عدة عوامل لظهور المجتمع ما بعد الرأسمالي وهي:
- ضعف قوة رأس المال: كلما تزايد تواجد الشركات الصناعية نتيجة للتكنولوجيا ضعفت قوة الاتصال بين الملكية و إدارة هذه الشركات الصناعية.
- ضعف قوة العمال: يكون التمايز شديد بين العمال ذوي الكفاءات و الذين لا تتوفر فيهم الكفاءة، و من ثم يعكس مستو الوعي الطبقي لكل فئة و يصبح التضارب في المصالح.
- ظهور الطبقة المتوسطة
- نمو الحراك الاجتماعي: نتيجة لتزايد التعليم و التغيرات الاجتماعية ظهر حراك بين مختلف المهن الاجتماعية.
- نمو المساواة: تقلصت ظاهرة اللامساواة الاجتماعية و الاقتصادية و للجهود المبذولة من طرف الدولة في تحقيق معدلات الحد الأدنى للمستوى المعيشي للمواطنين، بفرضها الضرائب على ذوي الدخل المرتفع فرانـك باركــن و القيم و الصراع في المجتمعات الحديثة: 
لقد جاءت أفكار فرانك باركن حول القيم و الصراع في أحد مؤلفاته الهامة عن اللامساواة و الطبقية و النظام السياسي و التدرج الاجتماعي في المجتمعات الرأسمالية و الشيوعية و ذلك في محاولة منه في العودة إلى أفكار و تصورات ماركس الأصلية حيث حاول تحليل المصادر الاجتماعية التي تؤدي إلى حدوث الاستقرار في المجتمعات الحديثة و ذلك بطرح سؤال هام جدا مؤداه: لماذا تتمرد غالبا الجماعات المحرومة على غيرها من الجماعات التي تتمتع بالامتيازات؟ و للإجابة عن هذا التساؤل سعى باركين لتوضيح السبب، و الذي يرجع إلى أن الجماعات المحرومة لا يتم السيطرة عنها بواسطة القوة الفيزيقية و لكن بواسطة مجموعة من الميكانيزمات أو العوامل المتداخلة و التي تشمل كل من الحراك الاجتماعي و التوقعات المتدنية و الاستسلام، و هذا ما جعل باركين يسعى إلى تحليل النظام المعياري في المجتمعات الحديثة و ذلك عن طريق مناقشته للفكرة القائلة بوجود العديد من الاختلافات في القيم و في الوعي بين الطبقات في المجتمع كما ميز بين ثلاثة أساليب أو أنساق للمعنى التي عن طريقها يتم تنظيم القيم و هي:
1- أن الجماعات في المسيطرة في المجتمع لديها أيضا قيم مسيطرة و التي عن طريقها يتم تأسيس الإطار الأخلاقي و الأفكار و المسلمات العامة في المجتمع,
2- إن نسق القيم الخاضعة في المجتمع غالبا ما ينتج عنها جماعات خاضعة و تزويد أصحابها بأساليب الامتثال  و التكيف و غيرها من الحقائق غير المرغوب فيها حول اللامساواة و المكافآت المتوقعة بغض النظر على تقبلها
3- أن النسق القيمي الراديكالي يطرح الإطار الأخلاقي البديل في المجتمع و يقدم إطارا أو إشارة ضمنية لإعادة تنظيم المجتمع, و في الواقع إنما سعى باركين لتوضيح أفكاره النظرية حول العلاقة المتبادلة بين القيم و الصراع في المجتمعات الحديثة عن طريق تحليله لبعض الشواهد الواقعية و التي استخدم فيها عدد من الإجراءات البحثية الميدانية و التي اعتمدت على البيانات الإحصائية، التي قام بتجميعها في عدد من المجتمعات الغربية الحديثة مثل بريطانيا و خلص إلى أن تلك المصادر التي قام بتجميعها لم تظهر وجود أي متغيرات أساسية في الطبيعة الطبقية للامساواة التي توجد بين الطبقة العاملة, خلص باركن من خلال أرائه حول العلاقة المتبادلة بين القيم و الصراع في المجتمعات الشيوعية و النظام الاشتراكي و محاولة مقارنتها بما هو موجود بالفعل في المجتمعات الرأسمالية الغربية نتيجة هامة مفادها:
أن النظام الاشتراكي للمجتمعات يكون أكثر انفتاحا عن المجتمعات الرأسمالية.
ومن هذا المنطلق نلاحظ أن باركن حاول أن يستخدم الإطار الماركسي لعقد نوع من المقارنة بين الطبقات العاملة في كل من المجتمعات الرأسمالية و الاشتراكية و ذلك من أجل إثبات العلاقة المتبادلة بين النسق القيمي و نسق الصراع في المجتمع.

دافيد لوكود و النسق و الطبقية في المجتمع الحديث: 

جاءت إسهامات دافيد لوكود حول النسق و الطبقة في المجتمع الحديث من خلال تقديمه لرؤى ماركسية محدثة لطبيعة العناصر البنائية و الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية التي ترتبط بالطبقة من ناحية و النسق الاجتماعي من ناحية أخرى كما جاءت اهتمامات لوكود التي ترتبط بدراسات النسق الاجتماعي و خاصة على تركيزه على نقد نظرية النسق لبارسونز عن طرق تبنيه لمنظور أو مدخل الصراع، و الذي أهمل فيها جانب المصالح المتعارضة و التي أطلق عليها مفهوم أخر ألا و هو المستوى التحتي للنسق الاجتماعي. 
ارتبطت تحليلات لوكود حول الطبقية الاجتماعية و ذلك بالاشتراك مع مجموعة من زملائه و نظرا لأهمية إسهامات لوكود في مجال تطوير النظرية الماركسية المحدثة سعى حاليا لعرض هذه الإسهامات فيما يلي:
لطبقة الاجتماعية: حيث جاءت إسهامات لوكود حول الطبقة الاجتماعية بمشاركة بلات و جولد ثروب عن دراستهم للعامل المترف، ففي دراسته عن العامل ذو السترة الداكنة حاول فيها أن يفسر العلاقة بين المظاهر الحقيقية الموضوعية و عن المظاهر الغائية للطبقة، و ذلك عن طريق مناقشته لنظرية ماركس حيث رأى أن الموظفين أو العمال ذوي السترات السوداء، يعبرون جزءا من أعضاء الطبقة العمالية و هي البروليتاريا لأنهم لا يعتبرون من الطبقة الرأسمالية التي تملك وسائل الإنتاج و لكن حتى الوقت الحاضر نجد أن معظم هذه الفئة من العمال لا يعتبرون أنفسهم مختلفين تماما بل هم أسمى، و من هنا يتساءل لوكود -هل هذا يعتبر نوعا من الشعور أو الوعي الطبقي الزائف؟ و هل لدى هذه الفئة الإدراك لطبقتهم الحقيقة؟
سعى لوكود إلى إعطاء إجابات للتساؤلات السابقة إعنمادا على تفسيرات ماركس للطبقة و ذلك من خلال مناقشته لموقفين أساسين و هما:
أولا/ موقف السوق: رأى لوكود أن فئة الموظفين لا تمتلك وسائل الإنتاج لأنهم فقط يقومون ببيع قيمة أعمالهم في السوق المفتوح و لذا يمكن أن ننظر إليهم على جزء من الطبقة العمالية الكبرى (البروليتاريا)، و لا سيما إذا ما نظرنا إلى طبيعة دخول فئة الموظفين خلال الخمسين سنة الماضية نجد أنهم لا يحصلون فقط إلا على متوسط أجير دخل العمال البروليتاريين أو العاديين.
ثانيا/ موقف العمل:لقد توصل لوكود إلى وجود تمايز واضح بين الموظفين و العمال العاديين، و لا سيما أن الفئة الأولى تتمتع بمميزات أعلى مثل عملهم في ظروف عمل أفضل و معدلات أعلى من المعاشات، العمل يعكس مدى وجود الفوارق الكبيرة في الأجور بين أفراد هذه الفئة و إلى إمكاناتهم المهنية أو الوظيفة التي يحصل عليها البعض دون الأخر، و عموما إن فئة الموظفين ارتبطت بكثير من الجوانب الإدارية هذا بالإضافة إلى قيامهم بأداء أعمالهم بصورة فعالة.
كذلك أكد لوكود على وجود نوع من التمايز و الاختلاف بين فئة الموظفين و العمال العاديين و ذلك من خلال موقف العمل ، هذا ما جعلهم يشعرون بنوع من الاتجاهات المختلفة حول طبيعة إدراكهم لحقيقة البناء الاجتماعي الذي ينتمون إليه، و هكذا حسب تحليلات لوكود فإن فئة الموظفين أو العمال ليس لديهم رغبة بظهور وعي خاص بينهم ينتمي إلى الطبقة العمالية على الإطلاق و السبب يرجع إلى سعي هذه الفئة دائما إلى الربط بين موقف عملهم و العالم الاجتماعي الخارجي الذي يعيشون فيه و الذي يختلف بالطبع عن موقف عمل العمال اليدويين و هذا ما يترجم عموما الأسباب التي تؤدي إلى نوع من الوعي الزائف لدى الفئة الأولى.
و من هذا المنطلق حرص لوكود على ضرورة تفسير الوعي الزائف لدى العمال أو الموظفين من خلال تفسيره بين الجوانب الموضوعية و الذاتية للطبقة، ولا سيما أن الجوانب الموضوعية تظهر في علاقات أو موقف العمل.
أما في دراسته الثانية حول العمال الميسورين بالتعاون مع زملائه أمثال بلات و جولد ثروب، قاموا بإجراء دراسة على عمال شركة الإنتاج السيارات الذين يحصلون على مميزات كبيرة و أجور عالية جدا، أطلق عليهم اسم العمال الأثرياء و يتساءل عن مدى تغير الاتجاهات الطبقية و السياسية و الصناعية، حيث سعوا على تحليل ثلاث مظاهر للطبقة العمالية و هي: المظاهر الاقتصادية، المعيارية و العقلانية، و ذلك عن طريق تحليل موقف السوق و مكاسب العمال العالية بالرغم من تدني وضعهم الاجتماعي و المهني العام بالنسبة للفئات المهنية المتوسطة، أما المظاهر أما المظاهر العقلانية تتمثل في قلة مشاركة العمال في المناسبات الاجتماعية أو الالتحاق بالنوادي الترفيهية أو إقامة ندوات اجتماعية، و أما الظهر المعياري يتضمن مجموعة من القيم  و الاتجاهات و المعايير السلوكية و مستويات الجماعات التي لم تستطيع فئة العمال تحقيقها بصورة أفضل من الفئات المهنية المتوسطة.

تقييم النظرية الماركسية المحدثة:

تعد النظرية المحدثة نقطة انطلاق للعديد من النظريات السوسيولوجية المعاصرة و هذا ما ظهر في النظرية البنيوية أو نظريات ما بعد البنيوية، كانت كذلك محور اهتمام المنظرين الاجتماعيين أمثال النظرية النقدية، كذلك فسحت المجال أمام العديد من روادها لتحديث الإطار المرجعي الذي يجب أن تقوم عليه النظرية السوسيولوجية العامة مثل تحليلات داهرندروف في دراسته لقضايا اجتماعية معاصرة.

خاتمــــــــة

على الرغم من الانتشار الواسع للرأسمالية أو ما يسمى اليوم بالإمبريالية في العالم و سيطرتها على دول العالم الثالث، و الذي تولد عليه الأزمة المالية الحديثة و ما خلفته من مشاكل، حيث وقفت الرأسمالية حاجز أمام تطور المجتمعات، و أن مظاهر الرأسمالية لا تزال واضحة جلية في المجتمعات و مظاهر القهر  و الاستغلال الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي للعمال لا تزال موجودة، و على الرغم من انهيار الإتحاد السوفياتي سابقا إلا أنه كذلك النظرية الماركسية سواء الكلاسيكية أو المحدثة استطاعت أن تترك بصمتها و تراثها لا يزال يتجدد و لا سيما في أكبر دولة في العالم و هي الصين، حيث تركت إسهامات كارل ماركس و أنصاره أثرا كبيرا في الفكر الإنساني و دراسته للمشاكل الواقعية في العصر الحديث و كذا ساهم في تطور النظرية السوسيولوجية عامة.

ملحــــق

شرح بعض المصطلحات الواردة في البحث
نظرية الصراع: و هو أن الظواهر الاجتماعية في الماضي و الحاضر و المستقبل ما هي إلا نتيجة صراع
و يعتبر كظاهرة محورية أو حتمية لا بد منه في الحياة الاجتماعية.
النسق: هو تنظيم ينطوي على أجزاء مترابطة تتميز بالاعتماد المتبادل و تشكل وحدة واحدة على أن هذا النسق يعتبر نموذجا حصريا.
عمال الياقة البيضاء: هم فئة كبيرة غير متجانسة تتمثل في العمال الذين يقومون أعمال الكتابة و العمال التقنيين. 
الصراع الطبقي: يقوم على تضارب و تناقض المصالح بين طبقة أرباب العمل الذين يملكون وسائل الإنتاج
و طبقة العمال التي تعمل لدى الطبقة الأولى.
التنقل الاجتماعي: و هو تنقل الفرد أو الجماعة من طبقة اجتماعية إلى أخرى و يشير أيضا هذا المصطلح إلى درجة أعلى و أدنى في التدرج الطبقي.
البروليتاريا: طبقة العمال الكادحة.
القن: هي وجه من وجوه استغلال السيد للعبد و هي درجة أقل شأنا من العبودية
البناء الفوقي للمجتمع: هو القوانين والأخلاق والسياسات العامة
البناء التحتي للمجتمع: هو مجموع علاقات المجتمع الاقتصادية
الراديكالية: هي فكر اجتماعي سياسي و سلوك عمل مرتبط به الذين يطالبون بضرورة إحداث تغيرات جدرية مباشرة في النظام القائم.
الامبريالية: و هي تطور الرأسمالية إلى أبعد من حدودها الإقليمية حيث لا يكون هناك صراع في المجتمع.

b]قائمة المراجـــــــع[/b]
1- عبد الله محمد عبد الرحمان، النظرية في علم الاجتماع (الكلاسيكية)، دار المعرفة الجامعية، 2003، الاسكندرية.
2- عبد الله محمد عبد الرحمان، النظرية في علم الاجتماع (المعاصرة)، دار المعرفة الجامعية،دط، الاسكندرية.
3- رشاد غنيم و أخرون، النظرية المعاصرة في علم الاجتماع، دار المعرفة الجامعية، 2008، الاسكندرية.
4- عبد الزهرة فيصل يونس، مرجعيات الفكر التنموي و امتداداتها المعاصرة، دار الوفاء للطباعة و النشر، دط، الاسكندرية.
5- صلاح مصطفى الفوال، معالم الفكر السوسيولوجي المعاصر، دار الفكر العربي، دار الفكر العربي، دط، د بلد.
6- صلاح الدين شروخ، مدخل في علم الاجتماع، دار العلوم للنشر و التوزيع، دط،
7- عدناني رزيقة، الكافي في الفلسفة، دار الريحانة للكتب، ط 3، الجزائر 
8-. كارل ماركس\كارل ماركس - ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.

تعليقات