📁 آخر الأخبار

قواعد المنهج الاجتماعي عند ابن خلدون

قواعد المنهج الاجتماعي عند ابن خلدون؛

 • قواعد المنهج الاجتماعي عند ابن خلدون


- مقدمة:-

ان من يستعرض مقدمة ابن خلدون لا يجد فصل او باب بعنوان المنهج أو القواعد المنهجية ، الا انه ليس من الصعب على الباحث المدقق ان يستخلص هذه القواعد بوضوح. 
فقد شكلت دراسة ابن خلدون للظواهر الاجتماعية جزءا كبيرا من مقدمته ، وقد دارت أفكاره الأساسية حول السكان والعمران ، والتغير والتطور ، والسياسة والاقتصاد ، والطبقات والأحوال الاجتماعية.
وذهب إلى أن هذا التطور لا يتم مصادفة أو عشوائيا ، ولكن له قواعد وقوانين تحكمه وتفسره. 

- ويمكن استخلاص هذه القواعد علي النحو التالي:-

1- الاطلاع والمعرفة والاستزادة من العلوم والمعرفة:
يرى ابن خلدون ان هذه القاعدة العامة أساسية لكل من يريد أن يشتغل بالبحث العلمى ، والباحث كما يرى ابن خلدون يحتاج إلى عدد متنوع من المعارف العلمية التي تنير له طريق الفهم والتحليل ، فلا بد في هذه الحالة من الاطلاع في مجالات السياسة ، وباقى الموجودات واختلافات الشعوب ، والسير ، والاخلاق ، والعادات. 

2- التشكك كمقدمة لليقين:
يشير ابن خلدون -وقد سبق ديكارت- إلى أن الكثير من الروايات والمعارف يشوبه الكذب ، وعدم الدقة ، نتيجة لاسباب منها؛ كأن يتعلق الراوى بأصحاب المكانة ، والمرتبة العالية ، وميل النفس لقبول ما يلائمها حتى لو كان كذبا أو أن يسلم المرء بصدق ناقل الرواية نتيجة الثقة فيه ، فيقبل ما يقوله دون تمحيص ، كذلك فقد يكون ناقل الخبر قد فهم ما سمع على نحو غير سليم ، واضافة إلى ذلك فقد يؤدى الجهل بالقوانين الطبيعية ، وهذا كثيرا ما يؤدى لوقوع المؤرخين في الخطأ. 
ومن هنا يؤكد ابن خلدون على ان التشكك يفتح الباب لمراجعة الأخبار والروايات والتدقيق فيها ، ومطابقتها على طبائع الأشياء وعلى القوانين الطبيعية ، وقوانين العمران ، حتى يتبين ما قد يشوبها من خطأ أو كذب ، أو عدم دقة ، أو عدم فهم. 

3- التحليل العقلي:
وتلك احدى القواعد التي أكد عليها أبن خلدون ، فهو يرى تحكيم العقل في رفض الروايات والاخبار التاريخية أو قبولها ، وقد رفض ابن خلدون كثيرا من الروايات لأنها لم تستقم مع منطق التحليل العقلي. 
فهناك روايات إذا أمعنا فيها النظر والتأمل العقلى نجد أنه من العسير القبول بها أو بما احتوت عليه من أخبار وتفاصيل ، ومن السهل على العقل الذي تسلح بالمبادئ السابقة أن يتوصل إلى قبول ما هو ملائم ، ورفض ما ليس كذلك من الأخبار والسير. 
ويتلازم مع هذه القاعدة ، القاعدة التالية. 

4- التأكد الحسي:
فإلى جانب التحليل والتأكد العقلي ، يشير ابن خلدون إلى التحقق بالمشاهدة أو الملاحظة الحسية ، وقد اعتمد ابن خلدون على منهج الملاحظة اعتمادا كبيرا في الكثير من أعماله.
حيث اعتمد في استنباط واستخلاص معظم افكاره من الواقع الاجتماعى المحسوس أو الواقع المادي ، فما كان يمكن أن يدخل في نطاق الامكان كان يقبله ، وما يخرج عن هذا النطاق فيرفضه ، فكان هدف ابن خلدون ليس الامكان العقلي المطلـق ، بـل الامكان بحسب المادة التي للشيئ الخارجي المحسوس. 

والملاحظة عنده تأتي عن طريقتين:-

الطريقة الأولي: تتمثل في القيام بملاحظات حسية وتاريخية ، هدفها جمع المادة الأولية لموضوع البحث من المشاهدات ومن بطون التاريخ. 
الطريقة الثانية: القيام بعمليات عقلية ، يجريها علي هذه المعطيات ، ويصل عن طريقها إلى الغرض الذي قصد إليه من البحث ، وهو الكشف عن القوانين التي تحكم الظواهر الاجتماعية.

5- منطق المقارنة:
لعل المقارنة من بين المناهج الأساسية في دراسات علم الاجتماع فهي تساعد فى الكشف عن أوجه الشبه والاختلاف ، ثم الوصول إلى القوانين والمبادئ التي تحكم الظواهر الإجتماعية ، وقد ظهر أثر هذا المنهج في دراسات ابن خلدون في الفروق بين العمران الحضري والبدوى ، كما ميز في هذا المجال بين التجمعات الانسانية أو البشرية التى تتعاون فقط من أجل الحصول على ضروريات الحياة ، والتجمعات التي تشكل مجتمعا متفاعلا متغيرا تحكمه نظم السلوك الجمعي ، وينخرط أفراده فى جماعات هادفة تخلق لنفسها تراثا وثقافة. 

6- منطق التجريب:
وقد كان التأكيد على التجريب من الاسهامات التي نقلت علم الاجتماع من ميدان الفلسفة الاجتماعية إلى ميدان العلم. 
وقد سبق بذلك الاكتشافات والتطورات العلمية بوقت كبير ، فكثيرا ما أكد بن خلدون على أهمية المران والتدريب لاكتساب المهارات العملية والصنائع والمعاملات ، ولو أننا أضفنا هذه القاعدة المنهجية لقاعدة الملاحظة الحسية لتبين لنا كيف تلمس ابن خلدون الطريق لدعائم أكيدة واضحة للمنهج العلمي في علم المجتمعات الانسانية ، الأمر الذى مكنه من استقراء كثير من الشواهد العامة.

تعليقات