📁 آخر الأخبار

مقالة عن الثقافة الشعبية

ما هي الثقافة الشعبية .

تقديم: الثقافة الشعبية هي مجموعة من العادات والتقاليد والمعتقدات والقيم التي يتبناها الشعب في مجتمع معين. تتكون الثقافة الشعبية من الممارسات الثقافية التي تنتشر عبر الطبقات الاجتماعية والجماعات العرقية والمناطق الجغرافية والأجيال المختلفة في المجتمع.
 
الثقافة الشعبية
ما هي الثقافة الشعبية .

تشمل الثقافة الشعبية مجموعة متنوعة من العناصر مثل الفنون التشكيلية، والموسيقى، والأدب، والألعاب التقليدية، والملابس التقليدية، والطعام، والمعارف التقليدية، والعقائد الدينية والتاريخية، والطقوس والممارسات الاجتماعية. 
تعكس الثقافة الشعبية الهوية والروح والقيم الجماعية للشعب، وتلعب دورًا هامًا في تعزيز الانتماء الاجتماعي والتواصل والتراث الثقافي. قد تتطور الثقافة الشعبية مع مرور الوقت وتأثير التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية، لكنها تحتفظ بأساسها الأصلي الذي يميزها عن الثقافة الرسمية أو الثقافة الحضرية الأكثر توسعًا.

تكمن أهمية هذا الكتاب في كونه يعد واحدا من أهم المؤلفات العلمية في ميدان الدراسات الإنسانية والثقافية التي تتعرض بالدراسة والتحليل لمختلف الرموز والموضوعات الأدبية والثقافية والنفسية من خلال نظامين يؤسس عليهما المؤلّف بحثه في الدراسات الأنثروبولوجية لما يسقيه بالنظام النهاري والنظام الليلي للصورة الذهنية.
إن قارئ هذا الكتاب سرعان ما يكتشف قدرة هائلة لدى جيلبير دوران صاحب الكتاب على الانتقال والتجوال بين مفاهيم ونماذج وصور ورموز وأنساق ثقافية عديدة ومختلفة قديمة ومعاصرة وذلك ما يجعل القارئ يكتشف غنى وتوسع ميدان الأنثروبولوجيا المعاصرة وانفتاحها على آفاق جديدة كدراسة الخيال واللغة. الأساطير والبنيات الثقافية.
جعل دوران الثقافة مجالا غنيا بالدلالات والرموز التي تنتظم في بنى رمزية وتخيلية تمثل أنساقا تستدعي التحليل والتأويل والتفسير على أساس النظر إلى الخيال باعتباره قدرة خاصة بالإنسان في التنسيق تنسيق البنى الرمزية والنفسية ضمن أنظمة رمزية ولغوية تسمح بتقييم حالات الوعي وتصنيف الاستعدادات والقدرات السيكولوجية.

1 استشكال الموضوع:

تستند الثقافات الإنسانية إلى العديد من المعطيات الرمزية والخيالية واللسانية والأسطورية، كل ذلك يحتم على الباحث في القضايا الأنثروبولوجية المختلفة) الظواهر الثقافية والاجتماعية والفكرية التزود بالمنهجيات التأويلية المركبة، خاصة منها تلك التي تستدمج في بنيتها المناهج المختلفة اللسانية والنفسية والسوسيولوجية والتأولية ..إلخ.
فهل هذا الأمر ما ينطبق على أنثروبولوجيا جيلبير دوران؟ كيف حاول هذا الأخير تأسيس منهجية تأويلية بالثقافات من خلال المزاوجة بين علم النفس والفلسفة واللسانيات؟ وما هي معالم هذه المقاربة الأنثروبولوجية الجديدة التي يقترحها في كتابه الهام الأنثروبولوجيا، رموزها، أساطيرها، أنساقهاب؟ ثم على آية أسس نظرية وخلفيات منهجية يؤشس مقاريته العلمية للظواهر الثقافية والرمزية والخيالية؟ كيف جعل هذا المفكر الموضوع الخيالي والأسطوري مدخلا رئيسيا لتأويل الأنساق الثقافية والرمزية؟ وما قيمة هذا العمل الفكري؟
لبسط هذه القضايا كان ضروريا اعتماد طريقة في التحليل والمناقشة تلائم منظور هذا المفكر الجديد لمسائل الثقافة والتخييل والترميز والتصوير والإدراك ،لذا، فقد كان عليه مناقشة كل هذه القضايا دفعة واحدة في كتابه الموسوم (الأنثروبولوجيا، رموزها أساطيرها، أنساقهاب بموازاة مع مجموعة مختلفة من الأطروحات النظرية والمنهجية السابقة حول الخيال والترميز.
لذلك. كان على هذا الأنثروبولوجي استدعاء مقارية برغسون وسارتر، وكذلك طريقة علماء النفس الكلاسيكيين الذين يخلطون بين الصورة الذهنية وخلفيتها التذكرية التي هي الإدراك مفترضين أن هذه الأخيرة تملأ الفكر بمصغرات عقلية هي مجرد نسخ عن أشياء موضوعية، مما أفضى بهم إلى اختزال الخيال في عتبة الإحساس واعتباره مجرد صور متبقية أو تعاقبية.
تفصيلا لهذا النقاش. بدأ دوران بمناقشة كيف بقيت الصور الذهنية لدى برغسون حبيسة دور التابع الذي أعطاه إياها علم النفس التقليدي، مما جعل الخيال عنده يتحوّل إلى مجرد ذاكرة، بالتالي تشيء الصورة الذهنية لدى الإنسان .ثم انتقل من ذلك إلى إبراز كيف اعتمد سارتر منهج الفينومينولوجيا لمقاربة الخيال بعيدا عن تصوّر برغسون اعتقادا منه بأن عملية التخيل عبارة نوايا مجردة من كل أوهام الاحتواء .
استخلص دوران من المقارنة السابقة أن القيمة الأساسية لنظرية سارتر تلك تكمن في كونها اجتهدت في وصف الحركة النوعية للخيال ومن ثم تفريقها الواضح بين الفعل الإدراكي والتذكري بيد أن خطأ هذا الفيلسوف، حسب دوران يكمن في أنه كلّما تقدّم في نظريته. إلا وقلل من دور الصورة والخيال حتى وصل في النهاية إلى إفقادهما أي دور.
مر دوران بعد ذلك إلى الحديث عن المدارس النفسية التي تطرقت للخيال كمدرسة اعلم النفس الفكريب الألمانية التي كانت تنادي بأهمية الفكرة بمعزل عن الصور ثم مدرسة اوورتزبورغب التي كانت تستند إلى تصورات هوسرل في القصدية ونزوع الوعي ومواقفه وقد اعتبر بالنهاية أن كل هذه (التصورات) الفلسفية والنفسية( تستحق نقدا منهجيا، وذلك لأنها جميعها تمسخ دور الخيال سواء عن طريق تحريف غايته كما عند برغسون حيث يتحوّل إلى رواسب تذكرية، أو من خلال تبخيس دور الصورة واعتبارها مرادفا تافها للحس كما عند سارتر مقا هيا الظروف للعدمية النفسية التي وسمت نظريته للخيال.
آقا علم النفس العام، فيما يزعم دوران فحتى لو كان ميالاً إلى الظواهرية. إنه يحوّل خصوبة عملية التخيل إلى مجرد ملخص أرعن للإدراك لذلك. هناك ضرورة لإعادة انجاز دراسة منهجية للتصور والخيال والرمزية بشكل عام وفق منظور جديد، وبصفة خاصة منظور غاستون باشلار الذي يؤشس مفهومه العام للرمزية الخيالية على بديهيتين اثنتين، وهما:
ان الخيال عبارة عن دينامية منظمة.
إن هذه الدينامية المنظمة عامل تجانس في التصور الذهني.
يتبنى دوران هذا التصور للرمزية الخيالية. وينطلق منه لأنه يتماشى وفكرته حول دور الخيال في إنتاج المعنى والثقافة والاستعارات لكن كيف يتصوّر دوران هذه الرمزية الخيالية في دراسة وفهم الثقافة والأسطورة وتأويلها أنثروبولوجيا؟
الخيال والرمزية وتجديد المنهج في ا الأنثروبولوجيا يصعب على أي مبتدى في ميدان الأنثروبولوجيا أن يستوعب أهمية الرمزية والخيال في تحليل الظواهر الثقافية والاجتماعية. لكن منهجية جيلبير دوران في هذا الكتاب وحشه البيداغوجي الرفيع قد سهلا علينا إدراك تلك العلاقات المعقدة القائمة بين ملكة الترميز القابعة في أعماق الإنسان ومختلف أشكال استثمارها في إنتاج المعنى وتأسيسه من خلال الأنساق الثقافية التي يعيش داخلها ويتفاعل معها بشكل دائم ومستقر.
يعقب دوران في معرض نقده للتصورات والتصنيفات التي تحاول التلاؤم مع العالم الموضوعي) سماويا، أو أرضيا، أو مناخيا على مثل تلك المحاولات بكونها قد انحرفت نحو اعتبارات غير موضوعية، حيث يكتفي أغلب محلّلي المحركات الرمزية) الذين هم من مؤرخي الديانات بتصنيف الرموز حسب قرابتها من إحدى الظواهر الكونية الكبرى.
على خلاف هؤلاء، ينظر دوران إلى الرمزية والاستعارات على أنها نتاج الدلالة التي ينتجها الخيال حيث تتولّد عنها كل الأفكار المعقلنة وتفرعاتها اللغوية فما هو تحديده للخيال والرمز تحديدا؟

- 1 مفهوم الرمزية والخيال، ومحركاتها:

إذا كان علم النفس التقليدي يحاول أن يفضل الخيال على مقاس التفكير أو أن يدرسه بمنظار التفكير المنطقي المنقح فإن إسقاط دوران لمسألة اعتباطية الإشارة في عملية التخيل هو ما حدا به لأن يرفض ضمنيا مبدأ تتابعية الدلالة التي تقول بها تلك التصورات المختزلة للخيال والرمزية لذلك لم يعد الرمز ذا طبيعة السنية وذاك ما جعله ينفتح على عدة إمكانيات للتأويل والتفسير مقا يؤدي إلى القول بأن التعليل المنطقي التتابعي لم يعد كافيا في الاستنباط المنطقي أو في استبطان المحركات الرمزية . هكذا، يتخلّص دوران من عقم التعليل الترابطي لصالح ما يسقيه باشلار التمثل الذاتي في ترابط الرموز ومحركاتها.
يأخذ صاحبنا بتصور باشلار، بهذا الخصوص في تحليلاته معتبرا أن كل المحركات اجتماعية كانت أو النفسية التي تقترح لفهم البنى الرمزية وتكوينها، إنما تنهج في الغالب نهجا غيبيا ضيقا فيحاول البعض جعل دوافع الرموز مقتصرة على مجموعة عوامل خارجة عن الإدراك ومرتبطة بالغرائز. في حين يعتمد البعض الآخر على الغرائز أو على ما هو أسوا من ذلك. أي الرقابة والكبت؛ غير أن كل هذه الطرق لا تجعلنا نفهم الرمزية الخيالية ودورها في إنتاج المعنى والثقافة.
في مقابل ذلك. يقترح دوران لدراسة الرمزية الخيالية ضرورة السير في خط الأنثروبولوجيا في شكلها المعاصر، أي في اعتبارها امجموعة العلوم التي تدرس الجنس البشري دون الاعتماد على أفكار مسبقة ودون الاعتماد على أفكار مسبقة ودون المراهنة على أونطولوجيا نفسية ليست في الواقع سوى روحانية مغلّفة أو على أونطولوجيا ثقافية ليست عموما سوى قناع لموقف يربط كل الظواهر بعلم الاجتماع، مادامت كل هذه المواقف في النهاية هي أشكال مختلفة لعقلانية أعراضية .
من هذا المنطلق، يسعى دوران من خلال دراسته للمحركات الرمزية والخيالية إلى إعطاء تصنيف بنيوي للرموز، وذلك بعد الإلقاء جانبا بنظريات علماء النفس الظاهراتيين وبأنواع الكبت والمسببات الاجتماعية العزيزة على علماء الاجتماع وعلماء التحليل النفسي .لذلك يقترح هذا الأخير التحرر نهائيا من الخلاف الذي ينشأ من حين لآخر بين أنصار الثقافة وعلماء النفس لصالح اعتماد وجهة نظر أنثروبولوجية ترى أن أكل ما هو إنساني لا يمكن أن يكون غريباب، بل هو نتاج التبادل الدائم الموجود بين مستوى التخيل بين الغرائز الذاتية والتمثيلية وبين العوامل الموضوعية الصادرة عن المحيط الكوني والاجتماعي. "
إن التخيل وفق هذا التأويل عبارة عن المسار الذي يتشكل فيه تصور شيء ما من خلال الحاجات الغريزية للشخص والذي تفشر فيه التصورات الشخصية ابالتكيف المسبق للشخص في محيط موضوعيب تأسيسا على ذلك أصبح الرمز. بشكل دائم. نتاج المتطلبات العضوية والنفسية التي تقع ضمن محيط مادي واجتماعي معين ويسقي ج. دوران هذا المنحى المسار الأنثروبولوجيب الذي ينطلق من الثقافة، أو من الطبيعة النفسية على حد سواء. حيث تقع أسس التصور والرمز بين كلا هذين الطرفين القابلين للتعاكس .
غير أن هذا التصور الجديد لا يسمح بإغفال أي شيء من المحركات الاجتماعية للرموز إذ يوجه البحث نحو التحليل النفسي و المؤسسات الطقوسية والرمزية الدينية وكذا الشعر والأساطير والأيقونات وعلم النفس المرضي مقا يفترض نهج منهج يأخذ بعين الاعتبار تقاطع كل هذه الجوانب والتقائها عند نقط معينة فما هي مواصفات هذا المنهج الجديد؟

حدور منهج التقاطع والنفسانيات المنهجية

من أجل أن يحدّد ح . دوران المحاور الأساسية للمسارات الأنثربولوجية التي تشكلها الرموز عمد إلى استخدام منهج براغماتي نسبي للتحليل، بحيث رمى به معاينة وتحديد مجموعات واسعة من الصور التي هي تنتظم في شكل مجموعة من الكوكبات الثابتة تقريبا والمبنية على تماثل لرموز متقاطعة (Convergents) : بحيث يتجاوز بواسطته المنهج التمثيلي الذي ينطلق من مجرد الاعتراف بالتشابه بين العلاقات ذات الخصائص المختلفة في حين يعمل منهج التقاطع على إيجاد مجموعة من الصور المتشابهة
في مختلف ميادين التفكير، فيكون متشاكلا أكثر منه مماثلة.
يساعد هذا المنهج التقاطعي على إجراء المقارنات بشكل فقال والإحصاءات الدقيقة التي تتيح استخراج سلاسل ومجموعات من الصور وكل ذلك يتم من خلال سماحه بالتركيز على مظهري طريقة المقارنة : الثابت والمتحول بأن تتشكل المجموعات الصور الحركية في آن واحد، حول نقاط تكاثف رمزي والأشياء التي تتبلور من خلالها الرموز.
يؤكد ج .دوران حول نقطة البداية النفسية التي ينطلق منها هذا المنهج أنه إذا كنا قد اخترنا عن قصد نقطة انطلاق منهجية تعتمد على علم النفس. فذلك لا يعني على الإطلاق استسلاما لنفسانية أونطولوجية لذلك. بيدو لنا بكل بساطة أنه من الملائم الانطلاق من النفسي للوصول إلى ما هو ثقافي لأن ذلك ملائم للمنهج.
خاصة قاعدة البساطةب التي كان ديكارت يطالب بها، حيث البساطة تعني بداية تبسيط قواعد اللغة ويكون وفقا لذلك. من السهل جدًا الانطلاق من الفاعل إلى المفعول به، ثم من هذا المفعول إلى باقي المفعولات الأخرى. 
أيضا. ينطلق دوران من الأسلوب الحركيب الذي يعيد النظر بالإطار التصنيفي للرموز، وقد سبق للكثير من علماء النفس أن وظفوه بودوان برادين، بياجيه (حيث اعتبروا تكرار النماذج الأصلية للرموز ليس تكرارا لنقطة في فضاء الخيال ولكنها اتشكيل لاتجاههب؛ لذلك يعتبرون االحقائق الحركيةب هي طبقات التفكير والسؤال الذي يتمحور حوله منهج التقاطع في الأنثروبولوجيا، كما يؤسس له دوران هو في أي ميدان من ميادين المحركات والدوافع سوف تجد هذه الاستعارات الأساسيةب. أي الطبقات الحياتية الرئيسية للتصور؟.

جوابا عن هذا السؤال. استثمر دوران نتائج مجموعة من الدراسات والأبحاث السيكولوجية التي أجريت على الإنسان الطفلب، والتي أبرزت كيف أن للعوامل والمتطلبات العضوية الرئيسية، مثل : الغذاء والجنس والحركة تأثيرات نفسية على سلوك الإنسان وكيف أن جسم الإنسان كله يشارك في تشكيل الصور والخيال عنده .وقد استدل على ذلك من خلال ما توصلت إليه أبحاث جان بياجيه من أنه يمكننا أن نتتبع بشكل دائم تحوّل التمثل والتكيف الحشيين الحركتين ... إلى التمثل والتكيف الذهنيين اللذين يميزان بدايات التصور 15
إن الصور الذهنية. وكذا الرموز التي ينتجها الإنسان في ثقافته ما هي إلا تقليد مشتبطن للمحيط . فإذا لم تظهر منذ البدايات الأولى عند الطفل، فلأنها تتبلور فقط فيما بعد، مما يعزّز القول بوجود ترابط قوي بين حركات الجسم والمراكز العصبية والتصورات الرمزية " يؤكد هذا الترابط قوة ارتباط الثقافة والطبيعة عند الإنسان، مما يفضي إلى القول بأن الثقافة الحقيقية، أي تلك التي توجه التفكير والتأملات البشرية هي التي تحدّد بنوع من القصدية النزوع الطبيعي الذي تشكله الانعكاسات الغالبة التي تلعب بالنسبة إليه دور الوصي الغريزي ومن المؤكد أن الانعكاسات البشرية بفقدانها للوضوح والدقة اللذين تجدهما عند أغلب الأدبيات، قابلة لتكيف ثقافي واسع ومتنوع.
إن التكيف عند الإنسان عبارة عن تلاؤم بين الانعكاس المسيطر والمحيط، حيث يحدث التوافق بين الغرائز المنعكسة لشخص معين مع محيطه فيغرس لديه، بشكل الزامية، الصور الكبرى للتخيل والترميز ويمدها بالطاقة الكافية لديمومتها وبما أنّ الرمزي غالبا ما يخضع لتقلبات المعنى، فإنّ هذا التشابك في المعاني وهذا التعقيد الرمزي هو الذي سيبرر منهج دوران الذي ينطلق من الحركات الانعكاسية الكبرى ليحل الشبكات والعقد الرمزية التي يشكلها تسليط الأضواء على الأشياء المحسوسة في الطبيعة.
هكذا تصبح مبادئ المنهج التأويلي للثقافة تأخذ بعين الاعتبار هذا التلاقي بين الانعكاسية والجوانب التقنية وعلم الاجتماع. ويرتكز هذا المنهج على التفريق بين نظامين رمزيين : الأول انهاريب والثاني اليليب وإضافة إلى التقسيم الثلاثي للانعكاسات، يعتمد دوران تصنيفا ثنائيا للرموز الأولى انطلاقا من اعتبارين اثنين هما : 
إن هذا المنهج المزدوج، الذي هو في نفس الوقت ثنائي وثلاثي دون أن يكون في ذلك أي تناقض يغطي بشكل رائع مختلف المحركات الأنثروبولوجية التي توصل إليها باحثون متباعدون ومختلفون من أمثال : دوميزيل ولورا غوران وبيغنيول وميرتسيا الياد وكراب وآخرون من دارسي الانعكاسات وعلماء التحليل النفسي .
إن التصنيف الثلاثي للانعكاسات الغالبة قد ترد على أيدي التحليل النفسي التقليدي إلى تصنيف ثنائي، إذ إنّ االغلمة ب بارتباطاتها الوراثية تقدم، بصورة تدريجية ولكن متواصلة تقييما وربطا عاطفيين للنزاعات الجنسية والنزاعات الهضمية وهذا ما يجعلنا نعترف من الناحية المنهجية على الأقل. بوجود قرابة بين الحاجة الهضمية والحاجة الجنسية؛ إذ من الشائع في الغرب إعطاء املذات البطنب مدلولا ظلاميا أو على الأقل ليليا.
بناء على هذا التفسير يعتمد دوران في انموذجه التاويلي المقابلة بين ما يسقيه االنظام الليليب للرموز مع نظيره النظام النهاريب المرتكز على الغالبة الوضعية وملحقاتها اليدوية والبصرية وحتى املحقاتها الأدلريةب في بعض الأحيان.
يختص االنظام النهاريب لديه من الناحية النفسية، بحاجة الوضعية وسيادة الأسلحة من الناحية التقنية أما من الناحية الاجتماعية فيتميز بالسيد. قاضيا ومحاربا.
ويطقوس الارتفاع والتطهر بينما يختص النظام الليليب بسيادة حاجتين هضمية ودورية الأولى تختص بتقنيات الاحتواء والسكن ورمزية الغذاء، والثانية بالروزنامة الزراعية وصناعة النسيج والرموز الطبيعية أو الاصطناعية للعودة والأساطير النجمية والعضوية.
يتصرف الكتاب الأول والثاني من هذا المؤلف) الأنثروبولوجيا إلى تحليل هذين النظامين وذلك حسب منهج التقاطع المعتمد في العمل ككل وهكذا ينصرف الكتاب الأول من العمل إلى تفصيل الكلام في النظام النهاري للصورة عبر قسمين : الأول، وقد خصصه لإبراز وجوه الزمن عبر ما يسقيه بالرموز الحيوانية والظلامية بينما خصص الثاني لتوضيح ما يسقيه برموز الارتقاء ورموز النورانية ورموز الفصل. ثم علاقة النظام النهاري ببنى التخيل الفصامية.
ولإتمام نظريته في أهقية الرمزية للتأويل الثقافي جعل الكتاب الثاني لبسط الكلام في النظام الليلي للصورة عبر قسمين رئيسين : الأول اتصرف فيه إلى بحث رموز التعاكس، ورموز الحميمية والبنى الصوفية للتخيل عبر ما يسقيه با الهبوط والكاسب وقسم ثاني اتصرف فيه إلى بحث الرموز الدورية من خلال بحث كيف يتم الانتقال من النسق الدوري إلى أسطورة التقدم وبنى التألف الخيالية وأنماط التاريخ. ثم العودة إلى دلالات الأساطير من جديد ويختتم كتابه في النهاية. بخاتمة عامة يضقنها خلاصات عامة حول فرضياته النظرية والمنهجية، يدعو فيها إلى تربية جمالية ذات نظرة إنسانية شاملة قادرة على تحرير الدراسات اللغوية والفكر من القوالب الجامدة والأحكام المسبقة

دلالة الأساطير في انثروبولوجيا جيلبير دوران

للبحث عن دلالة الأسطورة، يحاول الكاتب الجواب عن السؤال التالي ما هي علاقات الدلالات النموذجية والرمزية مع الرواية الأسطورية؟ لمقاربة هذا السؤال، يعود دوران إلى تأكيد دور االنظام الليليب بالنسبة للمخيلة من خلال عدم اكتفاء الصور الرمزية بذاتها وترابط بعضها مع البعض بدينامية خارجية، على شكل رواية تتحكم بها أنماط التاريخ والبنى الدرامية لتصبح أسطورة فما معنى الأسطورة في استعمالات دوران التحليلية والتأويلية؟

- 1 معنى الأسطورة:

يستعمل دوران الأسطورة بالمعنى الواسع للكلمة، حيث يدخل فيها كلّ ما يمت إلى سكونية الرموز وما يمت إلى التحقيقات الأثرية من جهة أخرى .هكذا فالأسطورة.
بهذا المعنى، تشمل الأساطير بمعناها الدقيق، أي الروايات التي تبرّر هذا المعتقد الديني والسحري أو ذاك. وكذا الملحمة وخصوصياتها التفسيرية، والحكايات الشعبية والسرد الروائي . من ناحية أخرى. هناك علاقة بين الأساطير والنماذج من جهة علاقة الرواية الأسطورية وعناصر الدلالة التي تحملها فقد تبين مثلا، أن شكل الطقس أو رواية أسطورية ما لا يمكن أن يكون مستقلاً عن خلفية دلالية للرموز .

يستثمر دوران في تحديده للأسطورة بهذا المعنى أبحاث الأنثروبولوجي الفرنسي المعاصر كلود ليفي ستراوس الذي يعتقد بأن الأسطورة هي صيغة الخطاب الذي تفقد فيه كلمة اترجعب واحورب كل قيمتها، وذلك لكونها بالأساس خطابا يقوم على نوع من تسلسل الدال. وهذا الذال يستمرّ قائما كرمز وليس كعلامة لغوية اعتباطية .
غير أنه بالنسبة لدوران فحتى إذا كانت الأسطورة لغة من الوجهة التسلسلية للرواية، فإنّ ذلك لا يمنعها من الابتعاد عن الأساس اللغوي الذي انطلقت منه .
يطرح السؤال هنا من جديد حول ما إذا كانت الحاجة إلى الاستعانة بالأصوات والكلمات أي بكل الجهاز اللغوي ضرورية لكي نستطيع التعرّف إلى الأساطير التي توجد على مستوى أعلى؟
يجيب دوران على هذا السؤال بأن الأسطورة لا يمكن أن تصغر لتصبح لغة، ولا أيضا، كما يحاول ليفي ستراوس أن يصوّر ذلك مجازيا، إلى تناغم حتى وإن كان موسيقيا: ذلك أن الأسطورة ليست تدوينا يترجم أو يحلل بل هي وجود دلالي مكوّن من مرموز يحتوي على معناه الخاص بشكل شامل.
من هذا المنطلق، يتعامل صاحبنا مع الأسطورة، على خلاف ستراوس. يكونها لا تعادل في بنيتها التخيلية المسيرات الشكلية للمنطق والرياضيات فما يميز البنية، حسب دوران أنها تتشكل وتنطلق في المسار الأنثروبولوجي المحسوس الذي نشأت فيه؛ فهي ليست شكلا فارغا، بل مثقلة دائما بوزن دلالي غير قابل للتصرف.
تماشيا مع ما سبق تصبح الأسطورة في هذا الأنموذج الجديد بنية تزامنية لكونها تكرارا مستمرًا لنشأة الكون، وبالتالي دواء ضد الزمن والموت من حيث تحتوي في ذاتها مبدأ دفاع وصياغة تنقله للشعائر والطقوس اما. هذه البنية التزامنية، فليست سوى ما اسماه دوران بالنظام الليلي للصورة، وتشهد على ذلك أساطير البداية الكبرى في المكسيك القديمة أو عند قبائل المايا حيث الأسطورة عبارة عن تكرار إيقاعي للخلق، مع تنويعات طفيفة . من هنا يصبح دور الأسطورة هو التكرار كما تفعل الموسيقى أكثر مما يتمثل في الرواية مثلما يفعل التاريخ 
ففي  الأسطورة لا يرتبط التزامن بالمضاعفة فقط، بل أيضا بالتكرار الزمني وبالبنى التركيبية، حيث تضيف الأسطورة في الإطار البسيط والمتلاحق للخطاب الكلامي، بعد الزمن العظيم من خلال قدرتها التزامنية على التكرار يؤكد دوران على أن تكرار المقاطع الأسطورية له محتوى دلاليا، مما يعني أن نوعية الرموز ضمن التزامن لها أهمية العلاقة المكرّرة بين شخصيات الدراما.
إذا فتزامن الأسطورة ليس فقط لازمة، ولكنّه موسيقى يضاف إليها معنى كلامي، فهو تعزيم وتعويذ يخرجه الإيقاع الموسيقي من المعنى الكلامي العادي ليعطيه القدرة على تغيير العالم إن دقائق هذه الدلالات هي التي يحاول دوران إضاءتها مستعينا بالدراسة القيمة التي قامت بها كومهير سيلفان (Comhaire Sylvain) حول أسطورة) أم الماء ، والتي سبق له أن أشار إليها في بداية كتابه هذا.
لقد استخلص من ذلك أن الصورة التعاقبية والعلاقات التزامنية لمجموعة أأم الماءب الأسطورية هذه. إنما تمثل مظهرا لتقاطع نماذج وأنساق ورموز التعاكس والحميمية
المشكلة لبنية هذه الأسطورة مقا يجعلها تجسيدا للبنى الصوفية للمخيلة وقد كانت إحدى الثوابت الأساسية لهذا التقاطع والتشاكل. أن تم إبراز الصفة المادية للبني الرمزية وكذا للأشكال النحوية والدلالية المشكلة لهذه الأسطورة لكن هل يعني ذلك أن تأويل وقراءة الأسطورة مسألة سهلة؟

- 2 التباس الأسطورة

تأتي صعوبة تأويل الأسطورة من كونها كائنا خلاسيا - هجينا يصدر عن الكلام وعن الرمز في آن واحد، إذ الأساطير تدخل تسلسل الرواية في عالم الدلالة المتعدد الأبعاد وغير المتسلسل كما يصرح بذلك الكاتب في نهاية كتابه هذا؛ لذلك تصبح الأسطورة على مسافة متساوية بين الملحمة، كخزان للأساطير التي تستخرجها الاهتمامات الوضعية للبحوث الأثرية، وبين اللغة التي تترابط فيها علاقات وضعية.
بهذا الخصوص يتفق دوران مع فكرة ليفي ستراوس في اأن المفردات أقل أهمية من البنيةب التي يبرر بها كون الأسطورة لا تخان إذا ما ترجمت) أي أنها ليست بحاجة إلى الترجمة مما يقلل من ارتباطها اللغوي (غير أنه لا يوافق على أن يكون للشكل الأسطوري أفضلية على محتوى الحكاية. 
غالبا ما تبدو الأسطورة كمحاولات للتوفيق بين تسلسل الكلام وتزامنية الدمج الرمزي. لذلك تظل البنية الأساسية لأي اسطورة مثل بنية تركيبية تسعى لتدمج لا زمنية الرموز في زمنية الخطاب تجعل هذه الخاصية الأساطير تبدو كما لو أنها ميدان لا يخضع لعقلانية الخطاب إنّها بهذا المعنى تتّصف بانعدام المعقولية، فلا تنكشف أسرارها إلا أثناء إنجاز التحديد المتضافر لحوافزها التفسيرية المتشابكة 
هكذا فالأسطورة هي تأليف وتجميع لأكبر قدر من المعاني الممكنة، ولذلك يصبح من العبث شرح وتأويل اسطورة وتحويلها إلى لغة سيميائية صرفة إن كل ما يمكن القيام به بهذا الخصوص هو تصنيف البنى الرمزية المشكلة للأسطورة إلى مجموعة من القوالب التي تنتج تعددية متحركة من الدلالات والمعاني والرموز فالأساطير إذاً مشبعة بالدلالة والرمزية وهي بهذا المعنى سرب دلالي تنظمه البنى الدورية لذلك، وكما يقول دوران اما من مكان كالأسطورة نستطيع أن نرى فيه كيف يتكشر الجهد السيميائي والنحوي للخطاب على تنويعات الدلالة، حيث استقرار النماذج والرموز يقاوم الخطاب الشفويب.
تعمل الأسطورة إذاً على تنسيق الرموز بما يسمح بتشخيص بنيتها غير أنه لتحديد كيفية ذلك، يتوجب علينا أن ندرس العوامل الجغرافية والتاريخية التي يمكن أن تحوّل الأنموذج إلى رمز لذا أصبح لزاما علينا العودة إلى عدة مستويات لكي نسترجع المعنى المتعدّد للأسطورة:
المستوى السيميائي والنحوي كما يريد ليفي ستراوس حيث يمكن إيجاد المعنب التعاقبي للحكاية انطلاقا من درب اللغة التعليمية للخرافة أو التفسيرية للسيرة أو الحكاية في الأسطورة.
أما المستوى التزامني الذي يدلنا على التكرارات التي تسود في الأسطورة.
ثم المستوى التناظري الذي يعطينا تشخيصا لتوجه الأسرابب الصور وأخيرا تكشف المعطيات الجغرافية والتاريخية نقاط انعطاف الأسطورة وابتعادها أو اقترابها من التمحور النموذجي.

إن القبض على المعنى في الأسطورة يعتبر محاولة لاستعادة الزمن المفقود وهي بهذا المعنى. أي بصفتها المزدوجة : الاستطرادية والاسهابية، تنطوي على بنى تركيبية وجب تحليلها وتأويلها وفق منهجية تكاملية بذلك تشكل الأسطورة عند دوران نوعا من البحث عن المصالحة مع الزمن والموت المتحوّل إلى مغامرة فردوسية.


الانثروبولوجيا باعتبارها تقاطعا للإنسانيات:

تتلمذح دوران على يد مفكر العلم المشهور في الساحة الفكرية الفرنسية في القرن الماضي، غاستون بشلار، الذي فتح التأمل الفلسفي العلمي المعاصر على بحث الرمزية، وربطها بعلاقة وطيدة مع التفكير العلمي وكان لذلك تأثيره البين على تصوّر دوارن للانثروبولوجيا بصفة خاصة وإلى جانب ذلك، تأثر دوران، أيضا، بكبار نظار الدراسات الثقافية والنفسية المعاصرين أمثال : يونغ، ميرسيا الياد، كلود ليفي ستراوس، وغيرهم علماء الإنسانيات المقتدرين في الغرب.
لكن، ورغم كل هذه التأثيرات الفكرية البينة على تصوّرات دوران للثقافيات، إلا أنه استطاع أن يجترح لنفسه مسلكا دراسيا تحليليا خاصا به فتميز به عما سواه من بقية نظار الأنثروبولوجيا المعاصرة وقد دفعت هذه المميزات الخاصة بهذا الانثروبولوجي بالمترجم العربي) مصباح الصمد أثناء تعداده للأسباب التي دفعته إلى ترجمة كتابه.
لأن يعتبر كتاب) الأنثروبولوجيا : أساطير ورموز وأنساقها (عمل) لا يشيخ نظرا لما يمثله من ثورة منهجية على الصعيدين : العلمي والأدبي؛ حيث جعل البحث الثقافي والأنثروبولوجي ينفتح على كل الميادين : اللغوية والنفسية والرمزية والفنية .
وجه ح دوران نداءات كثيرة أطلقها في خاتمة الكتاب هذا من أجل تربية جديدة للتخيل، من أجل تربية جمالية ذات نظرة إنسانية شاملة، من أجل تنظيم الكسل وانطلاق الكوامن وأوقات الفراغ، ومن أجل تحرير الدراسات اللغوية ، فتوجها بها إلى استنهاض همم المفكرين والباحثين وتشجيعهم على التحرّر من القوالب الجاهزة للفكر والأحكام المسبقة. وذلك لمواصلة الدرب الذي سار عليه دوران كواحد من الأنثروبولوجيين الكبار في اللحظة المعاصرة.
دافع ح . دوران عن الخيال والتخيل عبر ما سقاه بالمهمة التخيلية التي تضيف إلى الموضوعية الميتة أهمية المنفعة التمثلية. ثم إلى المنفعة لذة المتعة وإلى المتعة ترف الانطباع الجمالي . وقد توقل في النهاية بفضل هذا التخيل إلى موضعة مختلفة للفكر عبر ما يسقيه : التلطيف الشاملب سواء في الاستكانة أو في التمرد الفلسفيين .
إن الخيال موهبة الممكن وقوة مجيء المستقبل، لذلك ينفي عنه أن يكون مجرد نزوة لا طائل منها، بل على خلاف ذلك هو ما يشكل الفكر البشري.
هكذا برهن كتاب الأنثروبولوجيا بحس تحليلي تأويلي رفيع على أن ما يوجه روافد مختلف مظاهر التخيل ومناهج التعبير عن الصورة هو الاهتمام الوحيد بتحويل الزمن من ميدان القدر المحتوم إلى ميدان الانتصار الأنثروبولوجي وقد بدا الخيال للمؤلّف على امتداد هذا الكتاب كإبداع وكتغيير تلطيفي للعالم، بحيث يحمل طابعا الطولوجيا وينزع نحو تنسيق رمزي للكائن ضمن أنظمة غنية ومشبعة بالدلالات.

أتاح هذا التأويل الجديد للثقافة تقييم حالات الوعي وتصنيف مواهب النفس .وقد أعاد ج . دوران من خلالها الاعتبار لدراسة البلاغة والرمزية والبيان بشكل عام، حيث حاول أن انتزاع الدراسات الأدبية والفنية من النظرة الأحادية للتاريخ ولعلم الآثار لكي يسمح ذلك بموضعة العمل الفني في مكانه الأنثروبولوجي المناسب في متحف الثقافات، حيث يصبح بإمكانها أن تكون دعامة لأمال البشر. 
كشف هذا النموذج الأنثروبولوجي عن الكيفية التي قطع بها الفكر الموضوعي لحظات عطشنا الوسيطة بطريقة آلية كما وضّح ذلك جيلبير دوران: كما يبين الكيفية التي يبدو بها الزمن ملجأ أخيرا للوعي نتيجة لذلك، دعا صاحبه إلى إنشاء تربية جمالية فنية إنسانية تستطيع تهذيب تخيلاتنا وأوهامنا البشرية تربية قادرة على إنارة وتوجيه هذا الظمأ للصور والأحلام .

لقد حان الوقت حسب دوران للدفاع عن الخيال والأسطورة بعد الهجمة الشرسة التي جوبهت بها الرمزية الخيالية من قبل النزعة العقلانية الموضوعية الداعية إلى التخلّي عن الروحانيات والأسطورة والوهم . بيد أن هنالك اليوم أكثر مقا يبرر المطالبة الملكة بالخيال والتخيل، فالتحول إلى نموذج الخيال، والبحث عما يؤسسه نظريا ومنهجيا، قد غدا خلفية للعديد من الأبحاث في مجال الإنسانيات، وذلك ما يجشدة الإقبال على الفن، وباقي الأشكال اللاعقلانية الأخرى. 
في خضم التزقت العقلاني الذي وسم الحداثة حيث التحامل على الأسطورة قد بلغ أوجه، ارتدت الطاقة التخيلية إلى الموضوعية المتزقة، فغدت الدعوى إلى إلغاء كل ما هو أسطوري نوعا من التسلّط الفكري الداعي إلى إلحاق آمال وارث البشرية كلّها بركب حضارة تقنية ناكرة لكلّ ما يتصل بالخيال دفع هذا الوضع ح دوران إلى أن يجتهد في البحث عن ظواهرية جديدة للتخيل يمكن اعتمادها في مقاربة الأنثروبولوجيا للظواهر الثقافية. 
ظهر لصاحبنا أن من أهم المهقات البحثية التي يتوجب القيام بها في ميدان الأنثروبولوجيا المعاصرة، هي ضرورة الكشف عن التلازم القائم بين الأسطورة والعلوم الروحية غير أن مهمة كهذه تحتاج إلى جهد كبير ومضني من حيث هي مجهود فكري علمي وروحي لإعادة تأهيل الرمزية وتأسيسها تأسيسا فلسفيا وثقافيا وتربويا وفنيا لأجل تحويل الإنسان إلى كائن قادر على التخيل المثمر. 
يلعب الخيال الرمزي هنا بشكل عام دورا بارزا في تشكيل نوع من التوازن النفسي الاجتماعي والتربوي من خلال جدلية سكونية قادرة على خلق نوع من التوازن الحاضر للشعور . وقد كشف التاريخ الثقافي بهذا الخصوص، وخاصة تاريخ الموضوعات الأدبية والفنية وكذا تاريخ الأشكال والأساليب، أن الجدلية الحركية لمجتمع ما إنما تخضع لنفس الوظيفة الحيوية التي يتضبط بها نفس ذاك المجتمع. 
وفقا لذلك يرى دوران أن التوازن الاجتماعي التاريخي لمجتمع معين قد لا يكون شيئا آخر غير الإنجاز رمزيب مستمر ومن ثم تصبح حياة ثقافة ما مصنوعة من الانبساطات والانقباضات البطيئة أحيانا والسريعة أحيانا أخرى التي تسمها عبر هذه الرمزية المثمرة وحسب المفهوم الذي يستخلصه المجتمع من تاريخه . لذا تعمل كل الثقافات من حيث هي أنظمة رمزية على خلق التوازن الروحي والتربوي والفني للجنس البشري بأسره، وذلك ما يجعلنا تتحدث عن كونها تشكل ما أطلق عليه نوثروب االمتحف الخياليب القابل للتعميم على كل فروع الثقافات على اعتبار انه ما يمثل عاملا رئيسيا في إعادة التوازن للجنس البشري بأسره. 
لذلك اقترح ح . دوران الحديث عن أنثروبولوجيا ليس هدفها مجرد تأويل مجموعة من الصور والمجازات والمواضيع الشعرية ولكن أيضا الالتزام إلى جانب ذلك بامتلاك طموح إقامة لوحة مركبة من آمال ومخاوف النوع البشري بهدف أن يعرف كلّ فرد منا نفسه ويؤكدها .لذلك فإنّ ما تسمح به أنثروبولوجيا الخيالي، وتنفرد به، هو أنها تفتح المجال أمام الروح التعرف نفسها ونوعها، عبر نتاج الفكر البدائي والمتحضر والطبيعي والمرضي على حد سواء.
يعتقد دوران أن ما يحرك الفكر البشري في مراحله التاريخية هما : النظام النهاري والنظام الليلي، فحول هذين القطبين يتمحور الفكر الإنساني وتدور حولهما بالتناوب تلك الصور والأساطير والأحلام والقصائد وكل الرمزيات الأخرى لذلك تتنوع مسكونية الخيالي، بالنسبة إليه بثنائية متماسكة لا تسمح لنا بأن نقلّل من قيمة الأساطير بالمقارنة مع التقنيات الحديثة والمعاصرة، فكلاهما نتاج الفكر الخيالي البشري وبالتالي علينا أن نوازن بين فكرنا النقدي وخيالنا، وقد أزيلت الأوهام عنه، وبين االفكر البريب الذي لا يجوز التصرف فيه والذي يعد يد العون الأخوية لشعور المتحضر بتخلّي الرب عنه، يقول دوران  على سبيل الختم.

لقد حاول جيلبير دوران في كتابه الهام : الأنثروبولوجيا : رموزها، أساطيرها، أنساقهاب أن يظهر دور الخيال في تاريخ الفكر البشري الثقافي والنفسي والروحي، وذلك من حيث التشكل والفهم والتفسير تفسير وفهم الظواهر الثقافية والواضح انه تبنى في هذا الكتاب الدعوى التي أطلقها الفكر العلمي الجديد في القرن العشرين.
خصوصا مع غاستون باشلار، والتي تؤكد على أن للخيال دورا هاما في تأويل الفكر وفهم حياة الإنسان من خلال إدراك كيفية تأسيسه للرموز وباقي الموضوعات الفنية والأدبية والروحية وكذا سائر العلوم الإنسانية.
البين مقا سلفناه أن دوران قد تمكّن، فعلا، من خلال كتابه هذا من تحليل أبرز تلك الجوانب الثقافية التي يتمظهر من خلالها الخيال عبر النظامين الرمزتين) النظام النهاري، والنظام الليلي للصورة الذهنية (حيث يبني عبرهما أطروحته في أهمية الرمزية والخيال في تأويل الثقافات والحاصل من ذلك أن الأنثروبولوجيا قد غدت بفضل هذا التصوّر رحلة استكشاف شيّقة للصور والنماذج الرمزية والأسطورية السائدة لدى مختلف حضارات شعوب العالم) القديمة والحديثة.
وتكمن قيمة وأهمية هذه المحاولة الأنثروبولوجية في كونها تسمح للباحث المهتم بتأويل الثقافات أن يسبر أغوار الرمزية والخيال، بمظاهره المختلفة، وفق أسس منهجية علمية ونظرية فلسفية عميقة . لذلك كان لجدّة هذا الكتاب ورصانة تحليله أن جعل الرمزية والخيال أفقا للتأويل والفهم الثقافي، وربما هذا هو الباعث على أن المجلس الوطني للأبحاث العلمية ب في فرنسا قيمته النظرية وصلاحيته المنهجية في ميدان البحث الأنثروبولوجي بالمعاصر.
الحسين أخدوش ذ كاتب من المغرب:
الثقافة، أنساق ثقافية، فهم الثقافة الخيال، الأسطورة الرمز الرمزية، الأنثروبولوجيا، الوعي البنية الأنساق الرمزية، التأويل الثقافي المنهج منهج التقاطع ... إلخ.

قد يهمك أيضا

تعليقات