📁 آخر الأخبار
العنف العائلي.pdf
العنف العائلي.pdf

المقدمة

العنف العائلي سلوك موجود في جميع المجتمعات وخلال الأرمنة المختلفة ، وهذا العنف يأخذ أشكالاً كثيرة ويتعرض له في الغالب الضعفاء في الأسرة ، ولكن جزءاً كبيراً من هذه الأفعال لا يتحدث عنها ولا تنتشر أخبارها ، إذ يبذل الكثيرون مجهوداً كبيراً لكي تبقى ضمن أسرار الأسرة، كما أن هذه الأفعال قد لا تعتبر أفعالاً غريبة ولا مستهجنة في بعض المجتمعات أو في بعض الأزمنة ، فقد يعتبر ضرب الأطفال مثلاً .

بل وحتى ضرب الروجة - ضمن برنامج التربية أو التنشئة الاجتماعية ، لكن رغم هذا تنتشر أخبار بعض أفعال العنف العائلي ، وخصوصاً التي تتجاوز شدة عنفها درجة معينة
يعمد المهتمون بدراسة هذه الظاهرة إلى تحديد مجال الأنماط السلوكية التي يمكن أن تقع تحت مظلة مفهوم العنف العائلي، ويفضل البعض توسيع هذا المجال بحيث تندرج تحته مجموعة كبيرة من الأفعال تتصل بمختلف جوانب الحياة بما فيها الجوانب الاقتصادية والنفسية والاجتماعية ،
بينما يفضل البعض الآخر تصييق المجال بحيث تنحصر في أفعال محدودة ، وبدون الخوض في الدفاع عن أي من الاتجاهين فقد فضلنا لغرض البحث الحالي . حصر ر أفعال العنف العائلي في سبعة مجالات واضحة ومعروفة لأفراد المجتمع العربي ، لذلك فسعتبر «العنف العائلي» الأفعال التي يقوم بها أحد أعضاء العائلة ، وتلحق ضرراً مادياً أو معنوياً أو كليهما بعضو آخر في نفس العائلة ، ويعني هذا بالتحديد :
الضرب بأنواعه ، وحبس الحرية ، والحرمان من حاجات أساسية ، والإرغام على القيام بفعل ضد رغبة الفرد ، والطرد ، والتسبب في كسور أو جروح ، والتسبب في إعاقة ، وقتل .

تحدث أفعال العنف العائلي في مختلف المجتمعات (ومن بينها المجتمع العربي) يومياً ، بعض هذه الأفعال يطفو على السطح ويتحدث عنه ويلاحظه الآخرون ، لكن هذه عبارة عن نسبة متواضعة ولا تمثل الكمية الفعلية تمثيلاً جيداً . إذ يفضل أعضاء العائلة في الغالبية العظمى من الحالات الاحتفاظ لأنفسهم بما يحدث في داخل الأسرة من أفعال عنف ، لكن الكيل قد يطفح ، ويتحدث عضو العائلة الذي تعرض لأفعال العنف العائلي لأكثر من مرة إلى آخرين .

قد ينتمي هؤلاء إلى العائلة الكبيرة من أقارب ومن يتصل بهم ، أو يكونون من العاملين في داخل المؤسسات الرسمية ، كأن يضطر المتصرر إلى رفع الأمر إلى الأجهزة الرسمية كالشكوى للمسئولين في المؤسسات التعليمية ، أو الاجتماعية ، أو القانونية ، والأفعال التي تصل إلى علم المؤسسات القانونية هي التي تجد طريقها إلى الإحصاءات الرسمية ، وتضم إلى كمية جرائم العنف في المجتمع ، وتساهم في تحديد وفي انتشار المشكلات الاجتماعية .

ومع أن أفعال العنف العائلي عرفها معظم المجتمعات إلا أن ارتفاع معدلاتهازمقاسة بالكمية المعلن عنها قد تكون من بين الظواهر المرتبطة بالنمو الحضري من جهة ، وبالتغيّر في الدور الاجتماعي للأسرة الناتج عن تحولها نحو الحداثة
من جهة أخرى .

إن التغير الاجتماعي من بين الظواهر الاجتماعية التي عرفتها
المجتمعات منذ القدم ، لكن المجتمعات البشرية تمر بمراحل متميزة من حيث نمط التغير الاجتماعي ، وهو نمط يحدده عاملان مهمان : الحجم والسرعة ، ففي بعض المراحل يتسم التغير الاجتماعي بالسرعة الفائقة ، بينما تكون سرعة التغير بطيئة أثناء مراحل أخرى بحيث لا يكاد يشعر بها الأفراد
الذين يعيشون خلالها ، كما أن حجم التغير قد يكون بسيطاً ومحدوداً وفي مراحل أخرى كبيراً ويطال كل جزء من البناء الاجتماعي، وقط التغير الذي يمبير المرحلة الأخيرة للتغير التي يمر بها المجتمع العربي يمكن وصفه بالسرعة والتنوع ، والشمول ، وهو تغير نفصل تعريفه بالتحديث .

لقد اهتمت غالبية العرب خلال نصف القرن الأخير بعمل كل ما في وسعها لتحديث المجتمعات العربية بأقصى سرعة ممكنة . ومن بين النتائج المباشرة لهذا التحديث تحول نسبة عالية من السكان نحو المراكز الحضرية التي نمت بسرعة مذهلة ، كما أن عدداً من الظواهر الاجتماعية نمت هي الأخرى مع نمو هذه المراكز.

الفصل الأول

الإطار النظـــــــري
العنف من بين أولى مظاهر السلوك التي عرفتها المجتمعات البشرية ، لكن معدلاته إرتفعت كثيراً خلال العقود الأخيرة ، كما أن أنواعاً جديدة ظهرت لأول مرة ، ولا يكاد مجتمع معاصر يخلو من بعض أشكال العنف ، وبعض أشكاله عرفتها المجتمعات منذ زمن قديم ، إلا أن بعض أسبابه مرتبط ببعض خصائص المجتمع الحديث ، وخصوصاً ما يبدو أنه تعبير
عن الضغوطات ومشاعر الإحباط لا تزال الأسرة - وستظل - أهم الوحدات الاجتماعية التي تلعب الدور الرئيس في المحافظة على استمرار الحياة الاجتماعية ، وقد اهتم
الباحثون في مختلف فروع العلوم الاجتماعية بدراسة مختلف الموضوعات المرتبطة بالأسرة ، إلا أن العنف الذي يحدث في داخل محيطها لم يحظ بالاهتمام الذي يستحقه.


ولعل بعض أسباب هذا التقصير راجع إلى صعوبة القيام بدراسات تتصف بالموضوعية وتوظف إمكانات وتقنيات البحث العلمي ، فالحديث عما يجري في محيط الأسرة من مشاكل لا يناقش بسهولة وبتوسع مع الغرباء ، إلا أن طبيعة التغير الذي حدث في المجتمعات الحديثة ، وخصوصاً
الغربية ، سمحت بمناقشة القضايا الخاصة بصراحة وصلت في بعض الأحيان إلى حد الكشف عن أدق الأسرار ، إلا أن خصائص الثقافة العربية تحتوي على الكثير من المكونات التي تحول دون التحدث بسهولة مع الغرباء حول ما يعتبره الفرد أسراراً ، لكن رياح التحديث العانية أخذت تهب على مختلف أجزاء المجتمع العربي ، ومن جميع الاتجاهات ، وأخذت مؤشرات التحديث تظهر واضحة للعيان في مختلف جوانب الحياة ، وقد شجع هذا التحول في المواقف وفي الاتجاهات الباحثين في مجال العلوم الاجتماعية على محاولة دراسة عدد من خصائص الحياة الاجتماعية التي تدخل في دائرة الأسرار الشخصية ، لذلك فإن العنف في محيط الأسرة سيكون على رأس قائمة تلك الخصائص الاجتماعية التي يمكن أن تدرج ضمن أولويات البحث الاجتماعي ، وقبل استعراض ما أنجر في هذا المجال واقتراح نموذج نظري قد يكون من المناسب تحديد الإطار العام الذي سيستعمل في نطاقه المفهوم .


تعليقات