📁 آخر الأخبار

العقل ضد السلطةـ نعوم تشومسكي جون.pdf

العقل ضد السلطة ـ نعوم تشومسكي جون بريكمون.pdf

العقل ضد السلطة يمثل عنوان هذا الكتاب تلخيصاً وافياً بأعمال تشومسكي، وإجمالاً لمسار حياته. فالمثقف الذي من طينته لا يملك إلا العقل وسيلة لخوض المعارك . والخلاف بين تشومسكي ومثقفين معاصرين عديدين يتمثل في أن هؤلاء كثيراً ما نبذوا سلاح العقل؛ بل إن منهم من يعدّ هذا السلاح في جوهره سلاحاً قمعياً. غير أن تشومسكي لا يحمل إيماناً ساذجاً بقوة العقل، بل يرى أن العقل هو كل ما نملك ولا يصدر تشومسكي كذلك عن إيمان ساذج بالتقدم؛ لكن الديمقراطية، والحريات الفردية واللائكية، وتحرّر المستعمرات، وحقوق الأقليات وحقوق النساء، وحقوق الأجيال المقبلة (الحركة من أجل حماية البيئة، تُعتبر علامات دالة على التقدم، والتقدم المقرون بإعادة النظر في الأشكال التقليدية للسلطة، وهي عملية صارت ممكنة بفعل حركة النقد العقلاني والتحرّري المتحدر من الأنوار.
العقل ضد السلطةـ نعوم تشومسكي جون بريكمون.pdf
العقل ضد السلطةـ نعوم تشومسكي جون بريكمون.

ملخص الكتاب

يتناول الكتاب ثلاثة محاور جعلت من مراجعته عربياً مراجعة هامّة؛ لأنه يرتبط بما يجري الآن في المنطقة العربيّة من ثورات وفوضى وتدخل دوليّ من جهة. ومن جهة أخرى، يمكن إسقاط مضمونه على الواقعين، العربيّ والدوليّ؛ لامتحان أجوبته في سياقهما من أجل معرفة جدوى فرضية تشومسكي وقبله باسكال.
ونجد في هذه المحاور:
أ - قضايا متنوعة نحصد تداعياتها عربياً حتى الآن؛ كاحتلال العراق وأفغانستان والأزمة الماليّة.
ب - مسائل ما زالت راهنة تستحق إعادة التفكير فيها؛ كالتقدم والتراجع في حقوق الإنسان ومستوى الفقر وقضايا التحرر والثورات ومبدأ «مسؤولية الحماية» وتطبيقاته المزدوجة.
ج - إشكاليات فلسفيّة متجددة؛ كرهان باسكال الاحتماليّ وجدوى التفاؤل وعبثية التشاؤم، وكمشكلة الطبيعة البشريّة (الشرّيرة والخيّرة) وعلاقتها بانعدام البديل للوضع القائم الراسخ في الظلم والاستغلال، أو علاقتها بإنتاج البديل وإمكانيته، ونقد الكتاب لفلسفة ما بعد الحداثة والفلسفة التأويليّة.
ويلخِّص الكتاب قلق تشومسكي من حدوث تغييرات في المستقبل، وعدم يقينه من تحقق البدائل، وذلك من خلال رهانه الأول؛ أي أنَّ «العقل ضد السلطة» لا معها. وهذا الرهان يستند إلى رهان باسكال بعد تعديله؛ أي الرهان الذي يقول: إنَّ العقل مع الإيمان بالله وضد الإلحاد به لغياب اليقين بوجوده. وهو الرهان نفسه الذي صاغه تشومسكي على الشكل التالي: إنَّ العقل مع التفاؤل بالبديل وضد التشاؤم منه لغياب اليقين بتحققه.
وبالرغم من قِدم صدور الكتاب نسبياً، إلا أن حداثة ترجمته النسبيّة، أيضاً، هامّة لأنها تعرّفنا على تشومسكي من زوايا مختلفة وجديدة بالنسبة لما عهدناه فيه من قبل؛ أي بشكل عامٍّ، كمثقف له طريقة تفكير خاصة به، وبراهين تؤسس لمواقفه.
جون بريكمون، فيلسوف علم بلجيكيّ وأستاذ الفيزياء النظريّة في جامعة لوفان، وقد كتب في نظرية الفوضى وتفسير كوبنهاغن للفيزياء الكموميّة، ومن كتبه الإمبرياليّة الإنسانيّة، ومثقّفون دجّالون بالاشتراك مع آلان سوكال.
نعوم تشومسكي غنيٌ عن التعريف، وهو عالم لسانيّات وفيلسوف وسياسيّ له العديد من الكتب والأبحاث، والمواقف الجريئة من حرب فيتنام وحرب العراق وحرب أفغانستان ومبدأ «مسؤولية الحماية» الذي حددته الأمم المتحدة.
بليز باسكال، فيلسوف وعالم وكاهن كاثوليكيّ عاش في القرن السابع عشر، اخترع الآلة الحاسبة، ومبدأ الضغط في السوائل، ويقاس الضغط بوحدة تسمى باسمه، وساهم في تأسيس علم الاحتمالات أو نظرية الحظوظ. وقد رأى باسكال أنَّ الله لا يمكن برهان وجوده بالعقل كما فعل ديكارت قبله، فاكتفى بالبرهان العقليّ على جدوى الإيمان ونفعه كقيمة متوقعة، سواء كان الله موجوداً أم لا. واعتبر باسكال في فلسفته أنَّ علم الإنسان ناقص على الدوام؛ وبنقصه هذا تكمن عظمة الإنسان، الذي يخترع في كل مرة شيئاً جديداً، بسعيه الدائم إلى الكمال الذي لن يصل إليه الإنسان مهما سعى. وبخلاف هذا اعتبر أنَّ علم النحلة كامل على الدوام، وبكماله هذا تكمن آلية النحلة وتكرارها للعمل نفسه دون اختراع شيء جديد. وبهذا يؤسس باسكال لتجاوز الإنسان لنقصه من خلال سعيه للكمال بالإيمان؛ لأن علم الله وعمله ومعرفته وجبروته -حسب باسكال- أكبر من علم البشر وعملهم ومعرفتهم وجبروتهم دوماً. وبهذا يكون الإيمان بالله عند باسكال استراتيجيّة نافعة على المدى البعيد، ودعوة لملء النقص القائم في طبيعة الإنسان وعلمه وعمله.
عبد الرحيم حزل، كاتب ومترجم مغربيّ له عدة ترجمات مثل: على عتبة المغرب الحديث، وتازماموت، والبربر: ذاكرة وهويّة، والموت في سبيل فلسطين، والفضاء الروائيّ. ومن كتبه أسئلة الترجمة، وسنوات الجمر والرصاص، وعددٌ من المقالات. 

خاتمة

يمكن تلخيص هذه المراجعة بنقدين أساسيين لرهان باسكال/تشومسكي:
الأول- يؤكد الرهان عدم القدرة على إثبات وجوديّة القضية المُراهن عليها عقلياً، وبالرغم من هذا فهو ينطلق منها كقضيّة غير يقينيّة، وبالتالي يغيب عن القضية الجانب الفعلي والواقعي والراهن. ومن هنا نجد كثيراً من السوريين مثلاً وقفوا إلى جانب النظام؛ لأنه إذا لم يسقط فهم يربحون، أما إذا سقط فهم لا يخسرون شيئاً؛ أي أنهم لا يهتمون بواقعية قضيتهم وفعليتها وراهنيتها، بل يهتمون بالربح والخسارة كثنائية مجردة.
الثاني- يجعل الرهان من الحياة لعبة بختٍ وحظ، بينما هي مأساة ودراما وجدّ وكدّ وكدح وكبح يتخللها كثيرٌ من اللهو واللعب والحظ والمصادفة.
وأخيراً أختلفُ مع تشومسكي وبريكمون في أنَّ العقل ضد السلطة، وأنه لا بديل عن رهان باسكال. وذلك لأنَّ أفعال المقاومة المبثوثة وغير المركّزة هي التي ضد السلطة، سواء أكانت عقليّة أو عاطفيّة أو حدسيّة. ولأنَّ البديل عن رهان باسكال يبدأ بالأفعال الصغيرة جداً؛ فأي فعل يحوي درجة من درجات التغيّر، مهما كانت صغيرة، تتكرر عبر المستويات المختلفة. وهذا ما يجعلنا على يقين من أنَّ درجة التغيّر المتكررة هذه هي التي ستقود إلى إيجاد البدائل على المدى البعيد، كما فعل الإنسان عندما قهر سلطة الطبيعة والكنيسة والسلطة المطلقة عبر التاريخ.

تعليقات