سيكولوجية العقل البشري_لكامل محمد.pdf
تقديم
أول من تعرض لهذا الموضوع وهذا النوع من الدراسة هم الفلاسفة، فلا شك أنه وثيقة الصلة بآراء ونظريات الفلسفة فيما يسمى بنظرية المعرفة ، التي يحاول كل فيلسوف عن طريقها أن يجيب عن السؤال: كيف يعمل عقلنا إزاء أحداث العالم الخارجي؟ . ولا شك أن تاريخ هذه الجهود، والمحاولات والأفكار والنظريات التي نتجت عنها أدى كون، على مر الأيام، صورة غنية للموضوع. وقد يكون من الضروري أن يبدأ هذا العرض التاريخي برأي فلاسفة اليونان وخاصة أفلاطون وأرسطو الفيلسوفين اليونانيين اللذين كان لآرائهما أكبر الأثر في تاريخ الفكر واللذين سادت نظرياتهما وفلسفتهما حتى بدء ظهور الحركة العلمية في القرن السابع عشر، وسيطرت على تفكير رجال الفلسفة والعلماء خلال هذه القرون الطويلة .
يبدأ أفلاطون (٤٢٧ - ٣٤٧ ق . م . - فيذكر أن الإنسان عندما يولد تدخل الروح إلى جسده، وأن هذه الروح أو العقل هي التي تتحكم في هذا الجسد بقية حياته. ثم قسم العقل إلى أجزاء أو قوى منفصلة، وجعل لكل من هذه الأجزاء وظيفة خاصة، مثل ملكة الإعتقاد، وملكة التخمين وملكة التفكير. . الخ .
وكان أفلاطون يعتقد أن المعرفة الصحيحة لا تأتي نتيجة الحواس وإنما هي نتيجة العقل وأن مضمون هذه المعرفة العقلية الصحيحة هي ماهيات أو أفكار عقلية توجد خارج ،الذهن، وأن الأجسام الحسية هي صور أشباح هذه الماهيات أو هذه الأفكار. ويرى أفلاطون كذلك أن هذه الأفكار فطرية موجودة من الأصل، وأن العقل قبل أن يحل في البدن كان
يعيش بين هذه الأفكار ويتعقلها، وعندما يحل في البدن ينسى هذه الأفكار.
ولكن العقل البشري عندما يرى الأجسام الحسية يتذكر الأفكار المقابلة لها، ومن ثم يستطيع الحكم على هذه الأجسام الحسية ومعرفتها. فمهمة العقل عند أفلاطون على ذلك هي عملية التعرّف على الأفكار المقابلة للأشياء الحسية، أو معرفتها المعرفة الحقيقية . وقد أشار أفلاطون إلى أن الإرتباطات القديمة يمكنها أن تعمل على استيقاظ هذه الأفكار. فقد لاحظ أن رؤية قيثارة، قد يعمل على تذكر لاعب هذه الآلة الموسيقية، وهذه هي فكرة الإرتباط بالتجاور أو بالإقتران المعروفة لنا الآن. وجاء أرسطو (٣٨٤ - ۳۲۲) ق . م - ووضع رسالة منظمة عن العمليات العقلية حتى ليمكن القول بحق بأنه هو المؤسس الأول لعلم النفس. وقال في مجال مناقشته لآراء أفلاطون، أن العقل يعمل وحده وأن الأجزاء التي ذكرها أفلاطون ما هي إلا نواحي نشاط العقل المختلفة. ولم يتفق مع أفلاطون كذلك في أن ماهية الشيء توجد خارجه، بل رأى أن ماهية الشيء توجد فيه. فالشيء
الحسي عند أرسطو يتكوّن من أمرين : عنصر مادي، وهي المادة التي تكون جسمه، وعنصر غير مادي وهي الماهية التي تتمثل فيها حقيقته وسماها صورة. هذه الصورة هي التي تحدد صفات الشيء وتجعله يختلف عن غيره .