علم الاجتماع المعرفي.pdf
المقدمة
تبوأت المعرفة مكانة مهمة منذ أقدم العصور، وشغلت المفكرين والفلاسفةوعلماء الاجتمـاع عـلـى اختلاف انتماءاتهم وتنوع بيئاتهم الاجتماعية والثقافية والسياسية، فالإنسان محب للاستطلاع، ولا يستطيع أن يحيا في بيئة لا يعـرف ظواهرها، دون أن يكونَ لنفسه أفكاراً تساعده على تحديد سلوكه تجاهها ليتمكن من التغلب على المشكلات التي تعترض مسيرة حياته، فازدادت حصيلته المعرفية للكثير من الظواهر التي تحيط به.
ولا بد للإنسان أن يشعر بعناصر ثلاثة أولها العالم الخارجي المحيط به، والواقع من حوله، ووجود ذهن خاص له، أي معرفة، ولا بد من وجود علاقة معرفية بينه وبين العالم الذي يعيش فيه حتى يعيش بطمأنينة ورضا وتواؤم مع نفسه ومع العالم حتى يستمر بعطائه وعمله.
إقرأ أيضا كتاب سوسيولوجيا المعرفة.pdf
إن حضارة القرن الحادي والعشرين تتسم بسمات تختلف عما سبقتها، فقد أصبحت منابع المعرفة متعددة في عصر ثورة المعلومات ومجتمع المعلومات والتكنولوجية (التقانة) الحديثة، ومجتمع المعرفة واقتصاد المعرفة، وما تعكسه كل هذه المفاهيم لدى المفكرين وعلماء الاجتماع والإعلام والسياسة والثقافة والاقتصاد، كـل ذلـك يؤكـد ارتقاء أهمية المعرفة في المجتمع المعاصر، وما تخلفه من آثار على المجتمع والأسرة والجيل الجديد، ويؤكد ذلك كله أيضا أهمية علم الاجتماع المعرفي الذي يهتم بفهم وتفسير وكشف شكل وآليات التأثير المختلفة لهذه المعرفة على الإنسان، وانطلاقا من أهمية علم الاجتماع المعرفي في العصر الراهن، وتعدد منابع المعرفة التي لا غنى عنها، فالمعرفة تشكل أساس كل تقدم لأي مجتمع من المجتمعات، وإذا أسيء استخدام المعرفة فآثارها على الإنسان والمجتمع تحمل الخطورة، فلا بد من التنبيه إلى الاستخدام السليم لكل منابع المعرفة حفاظا على الإنسان ووجوده الاجتماعي وعلى الإنسانية جمعاء.
وانطلاقاً من أهمية المعرفة، وعلم الاجتماع المعرفي، وما يمكن أن يقوم به في عالم التفجر المعرفي كان السعي لتقديم هذا الكتاب لطلبة قسم علم الاجتماع في كلية
الآداب جامعة دمشق، ويتضمن الكتاب تسعة فصول:
يختص الفصل الأول بعلم الاجتماع المعرفي، ويتناول المعرفة ومصادرها الأساسية ونظرية المعرفة، ومفهوم المعرفة في علم الاجتماع ثم البحث في علم الاجتماع وميادينه وعلم الاجتماع المعربي ونشأته وموضوعاته وأهميته. ويتناول الفصل الثاني علم الاجتماع المعرفي وعلاقته بالعلوم الأخرى، منها علم اجتماع الأدب، وعلم الاجتماع الديني، وعلم اجتماع القيم، وعلم اجتماع الموسيقى فعلم الاجتماع المعرفي يهتم بالمعرفة السائدة في المجتمعات بكل أنواعها، علمية وفنية ودينية، وثقافية، وأدبية.. الخ.
ويعرض الفصل الثالث منهجية علم الاجتماع المعرفي وطرائقه، فيستخدم هذا العلم الطرق المنهجية المستخدمة في علم الاجتماع، فطريقة تحليل المضمون تعد من أكثر طرائق البحث الاجتماعي استخداما في علم الاجتماع المعرفي، أما طريقة المسح الاجتماعي فتستخدم حيث يكون في مقدور الباحث أن يعبر عن آرائه وأفكاره دون خوف أو تردد، وحيث يكون في مقدوره أن يتحدث عن بحثه وأهدافه مع المعنيين به سواء أكانوا أفراداً أو جماعـات أو مؤسسات، ويأتي استخدام الطريقة التاريخية في سياق تناول الباحث لموضوعات خاصة تتصف بالاستمرارية والتغير خلال فترات زمنية متباينة، كما تعد طريقة المقارنة من الطرائق الأساسية عندما يراد من خلالها تحليل أوجه التقارب أو التباعد بين تجربتين فكريتين خلال فترة زمنية واحدة، أو تحليل أوجـه
التقارب والتباعد في مسارات منظومة معرفية محددة بين فترتين زمنيتين مختلفتين، ويضاف إلى ذلك استخدام علم الاجتماع المعرفي لطريقة دراسة الحالة، التي تعنى بتحليل مظاهر التغير في مذهب فكري محدد أو تيار فكري خلال فترات زمنية محددة.
، الفصل الرابع مناقشة تحليلية لقضايا المعرفة الإنسانية ومشكلاتها في إطار الفلسفة اليونانية، وتم تناول قضايا المعرفة ومشكلاتها في الفلسفة اليونانية من خلال أبرز مفكريها ،أفلاطون وأرسطو، وأبيقور، بينما يتضمن الفصل الخامس معالم من الفلسفة الإسلامية وموضوع المعرفة لدى المفكرين المسلمين، وتأتي أعمال الفارابي وابن سينا، وابن خلدون في مقدمة هذه الأعمال التي مازالت موضع اهتمام المفكرين والفلاسفة وعلماء الاجتماع.
أما الفصل السادس فمن خلاله تم البحث في معالم الفلسفة الحديثة وقضايا المعرفة من خلال أعمال كل من فرنسيس بيكون، وفيكو، ومونتسكيو، فقد أعطت أعمالهم لموضوعات المعرفة الإنسانية أبعاداً جديدةً مختلفة عما سبقها من أفكار ورؤى وتصورات .
ويختص الفصل السابع بالبحث في التوجهات الجديدة في معالجة قضايا المعرفة والمعارف الإنسانية مع الرواد الأوائل لعلم الاجتماع، والذين أسسوا لعلم الاجتماع المعرفي، أوغست كونت وكارل ماركس و هربرت سبنسر، وليفـي بريل، وأميـل دوركهايم، وماكس فيبر .
ويتناول الفصل الثامن موضوعات علم الاجتماع المعاصر وقضايا المعرفة من خلال الأعمال الرائدة لكل من ماكس شيلر، وبيتريم سوركين، وأنطونيو غرامشي، وكارل مانهايم، وأخيرا جورج غروفيتش.
وأخيرا يعالج الفصل التاسع موضوع مجتمع المعرفة وقضايا التنمية في المجتمعات الحديثة، وفيه شرح لمفهوم مجتمع المعرفة وخصائصه، وما يميزه عن المجتمعات السابقة عليه، بالإضافة إلى مناقشة صلة مجتمع المعرفة بالتنمية المستدامة التي باتت ركيزة أساسية من ركائز الفكر التنموي، كما يأخذ الفصل بتحليل المعارف الإنسانية وأشكال استخدامها في المجتمعات الإنسانية المختلفة.