📁 آخر الأخبار

تعليم التفكير الفلسفي والسياق الثقافي العربي أي دور للمعطلات الثقافية؟ .pdf

تعليم التفكير الفلسفي والسياق الثقافي العربي أي دور للمعطلات الثقافية؟ .مقدمات في الحداثات التطبيقية
تعليم التفكير الفلسفي والسياق الثقافي العربي أي دور للمعطلات الثقافية؟ .pdf
مقدمات في الحداثات التطبيقية 

مقدمة

موضوع البحث ومبرراته

انطلاقا من معايشة لصيقة بالشأن الفلسفي تعلُّما وتعليمها وإشرافًا بيداغوجيا وبحثاً علميا امتدت على ثلاثة عقود، واعتمادًا على مقاربة كيفية متداخلة المناهج جمعت بين دراسة الحالة والملاحظة المباشرة والمقابلة والاستبيان، تسعى هذه الأطروحة إلى الإجابة عن الأسئلة الآتية: أي منزلة للفلسفة ضمن السياق الثقافي التونسي؟ كيف نفهم العوائق الثقافية المعطلة تدريسها في المعاهد الثانوية التونسية؟ وأي دور للتفاعل بين المكونات الوجدانية والمكونات المعرفية داخل هذه العوائق الثقافية؟.
انتهينا إلى أن المشكل ليس في الفلسفة ذاتها بقدر ما هو في السياق وفي الوسائط، فالنصوص التأسيسية لهذه الثقافة العربية تنخرط بشكل واضح في تثمين العقل والنظر والتأمل والاعتبار، ولكن الممارسات التطبيقية تكشف عن كثير من الخشية والتظنن والاحتراس في التعامل مع الفلسفة والتفلسف والفلاسفة، يعود أساسا إلى توتر تاريخي في العلاقة بين العقل والنقل، وبين الحكمة والشريعة، وبين الفلسفة والدين.

وقد افترضنا أن هذا التوتر لا تستوفيه الأسباب المعرفية المحض بقدر ما يمكن إرجاعه إلى دوافع وجدانية نفسية، ففي ضوء مجلوبات العلوم المعرفائية، لم يعد من الممكن تناسي الدور المحوري الذي تضطلع به الجوانب الوجدانية في نشاطاتنا المعرفية وعملياتنا الذهنية تعطيلا ودفعا، تيسيرًا ومنعا.

لبلورة هذه المفارقة وللسيطرة عليها فهما وتفسيرًا، تحليلا وتأويلا، وبناء على مقاربة مركبة متعددة المنهج والمرجعية، حاولنا بناء مفهوم المعطلات الثقافية بما يقوم عليه من تفاعل جدلي مركب بين البنى الثقافية العميقة واللاوعي الجمعي والذاكرة الوجدانية. ومن خلال تطويع هذا المفهوم إجرائيا، سعينا إلى تشخيص أزمة تدريس الفلسفة ضمن السياق الثقافي العربي، ثم تفسيرها ومحاولة فهمها، علنا نتهي إلى تحديد شروط تجاوزها.

أولا: الفلسفة والسياق الثقافي

يشهد تاريخ الفلسفة على بداياتها الصعبة والعسيرة، فقد اقترنت دائما، ومنذ لحظتها الإغريقية، بكثير من الأزمات والتحديات التي لا تزال قائمة إلى اليوم، فولادة الفلسفة، بما هي تعبير رمزي ثقافي ونمط مخصوص من التفكير، ظلت في أغلب الحالات ولادة عسيرة ومورطة في كثير من المواجهات والصراعات، ومستهدفة بشتى الاتهامات والاعتراضات ومحاولات التبخيس والاستبعاد. كذلك الحال تقريبا بالنسبة إلى ظهور الفلسفة بما هي مادة تعلمية أو اختصاص معرفي دراسي (School Discipline): فهذه المنزلة المتأزمة للفلسفة داخل الثقافة السائدة قد انسحبت على منزلتها ضمن المؤسسة التعليمية واقترنت بكثير من
التردد والتشكك والعوائق والمعطلات. إذا سلمنا بأن راهن الفلسفة في الثقافة العربية عموما وفي مؤسساتنا التربوية على وجه الخصوص، يشهد بوجود هذه الأزمة، فبأي معنى يمكن أن نفهمها: هل تعود إلى أسباب من خارج الفلسفة أم من داخلها؟ هل هي مجرد أزمة ديداكتيكية بيداغوجية أم هي أزمة مؤسساتية سياسية؟ هل هي أزمة برهان أم أزمة
وجدان أم الاثنان معا؟ هل هي أزمة عالمية وكونية أم هي أزمة خاصة ببنية الفكر العربي دون سواه؟
إذا الزمنا أنفسنا طريقة مركبة في التفكير (مثلها سنبرر ذلك لاحقا)، فإننا لا بد من أن نقر أولا بوجاهة نسبية لكل من هذه الأسباب والتأويلات، وأن نؤكد ثانيًا حاجتنا إليها جميعها. ومع ذلك، ومن دون أن نستبعد بقية المداخل، فإننا نرشح الافتراض الثقافي مدخلًا جديدًا في مقاربة هذه الأزمة»، أي أننا - من دون أن نقع في ضرب من الاختزال أو التناول الأحادي الجانب للمسألة في هذا البحث – سنحاول اقتراح
مدخل جديد لها»، وهو المدخل النفسي – الثقافي، ونعني بذلك أن المقاربات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأيديولوجية التي انشغلت بإشكاليات النهضة والتحديث والتقدم منذ أواخر القرن الثامن عشر، قد نالت حظا وافرا من الاهتمام. وفي المقابل فإن العوامل النفسية والثقافية، وعلى الرغم مما تحظى بهمن أهمية خاصة من جهة طابعها المبدئي والاستراتيجي، فقد ظلت مع ذلك مهمشة.

-
على الرغم من أن السياق العام السائد اليوم، بما يقوم عليه من عولمة وثورة اتصالية ومعلوماتية ... إلخ، لم يعد يعطي
الأيديولوجيا وقوة الأفكار أهمية كبيرة ، حتى أننا بتنا نتحدث عن موت الأيديولوجيا» و«اندثار السرديات الكبرى»
أمام هيمنة السلوك الاستهلاكي وقيم البذخ المادي وأولوية نظام السلع والأشياء على حساب نظام الثقافة والأفكار على
الرغم من ذلك كله، وربما بسبب ذلك، فإننا نعتقد بأنه لا تزال للأفكار قوة تأثير بالغة وإن لم تتخذ شكلا عقليا ومنطقيا
وعلميا ولبست رداء التمثل والتصور والاعتقاد والرأي والموضة والإشهار، أو الأحكام المسبقة والاتجاه. الثقافي يعود من جديد، وما سُمي «المنعطف الثقافي زمن العولمة يمكن أن يتخذ شكلا غير معهود وأن يؤدي أدوارًا غير متوقعة.

إذا، ومن دون أن نسقط في ضرب من التعامل السحري مع مفهوم الثقافة، فإننا ندعي بأن هذا المفهوم إذا ما شددناه
إلى أحدث مجلوبات علم النفس المعرفاني (Cognitive Psychology)، فإنه يمكن أن يصبح أداة تحليل على
درجة عالية من الإجرائية والقدرة التفسيرية للظواهر الإنسانية عموما والتربوية منها على وجه الخصوص، فهذا
البحث يسلّم بأن بناء الثقافة، ثقافة الطفل، ثقافة الديمقراطية، ثقافة النقد والحوار والتواصل، ثقافة العقل والعقلانية والحداثة والتنوير ثقافة الفلسفة... مشروط إلى حد كبير بمواجهة المعوقات النفسية والثقافية تشخيصا وفهما وتفسيرًا... فتجاوزا.

لكن، ماذا نعني تحديدًا بالسؤال التربوي للثقافة؟

يعود اهتمامنا بالثقافة وبعلم النفس الثقافي عموما وبهذا التقاطع بين الثقافي والتربوي على وجه الخصوص، إلى
انشغالنا بمجلوبات العلوم المعرفانية (Cognitive Sciences) الواعدة، وبإمكانات الاستفادة منها وسبل هذه
الاستفادة في مجال العلوم الإنسانية وعلوم التربية وتعلمية الفلسفة، ففي مستوى إعدادنا شهادة الدراسات المعمقة (2)
كنت قد اهتممت بعلاقة «التربية - الحداثة»، وتبين لنا أن أهم وجوه العلاقة بين التربية والحداثة وأخطرها هي
التي تمر عبر الثقافة. كما كنا تنبهنا إلى الأهمية الإجرائية لمفهوم التمثلات الاجتماعية» وإلى طاقته التفسيرية الهائلة
في مجال العلوم الانسانية. ثم نبهنا، في مستوى نتائج البحث وتوصياته، إلى ضرورة الاشتغال العلمي الدقيق والمعمق على «الآليات الداخلية التي تخضع لها هذه التمثلات». ولعل أهم ما يمكن أن نساهم من خلاله في هذا المجال هو الشروع في الاهتمام بالجانب الوجداني من هذه التمثلات والمساهمة في رصد ديناميات تفاعله مع الجوانب المعرفية، فبالنظر إلى ما تراكم إلى زمننا من بحوث ودراسات وتجارب في غاية الأهمية في مجال ما سمي «الذكاء الوجداني».

تحميل كتاب تعليم التفكير الفلسفي والسياق الثقافي العربي أي دور للمعطلات الثقافية؟ .pdf



تعليقات