عالم الاجتماع هانك جونستون: الدليل الشامل لرائد دراسات الحركات الاجتماعية
📜 مقدمة: من هو "هانك جونستون "؟
في عالم علم الاجتماع المعاصر، يبرز اسم الدكتور هانك جونستون (Dr. Hank Johnston) كواحد من أهم المراجع الأكاديمية في دراسة "كيف" و"لماذا" يحتج الناس. بعيداً عن أي معلومات عامة قد لا تكون دقيقة، يُعد جونستون الحقيقي رائداً في تحليل الظواهر التي تشكل عالمنا اليوم: الحركات الاجتماعية (Social Movements).
بينما قد يخلط البعض بينه وبين مساهمات نظرية عامة، فإن إرث جونستون الفعلي يكمن في تأسيسه لأحد أهم المجالات الفرعية في علم الاجتماع. إنه ليس مجرد باحث، بل هو "بانٍ للمؤسسات" (Institution Builder)، حيث أسس المجلة الأكاديمية الأهم في مجاله، وقدم أدوات تحليلية جديدة لفهم كل شيء من الاحتجاجات القومية في إسبانيا إلى الانتفاضات الجماهيرية حول العالم.
![]() |
| صورة عالم الاجتماع هانك جونستون نظرة عامة شاملة. |
في هذا المقال الشامل، سنغوص في فكر "هانك جونستون الحقيقي"، مستكشفين مساهماته الفعلية في دراسة الثقافة، السلطة، الجماعات، والتفاعل الاجتماعي، ولكن من خلال عدسته المتخصصة: الحركات الاجتماعية وتحليل الخطاب.
biographical-brief نبذة عن المسيرة الأكاديمية (هانك جونستون )
لفهم مساهماته، يجب أولاً تحديد هويته الأكاديمية بدقة.
الدكتور هانك جونستون هو أستاذ فخري (Professor Emeritus) في علم الاجتماع بجامعة ولاية سان دييغو (San Diego State University). تركزت مسيرته الأكاديمية الطويلة حول عدة محاور أساسية:
- الحركات الاجتماعية والاحتجاج السياسي.
- القومية والصراع العرقي (خاصة في إسبانيا، وتحديداً بلاد الباسك وكاتالونيا).
- علم الاجتماع السياسي والسلطة.
- تحليل الخطاب والثقافة.
الإنجاز الأبرز الذي يضعه جونستون في قمة هذا المجال هو أنه المؤسس والمحرر (Founder and Editor) لـ "Mobilization: An International Quarterly"، وهي المجلة الأكاديمية الرائدة عالمياً والمخصصة حصرياً لدراسة الحركات الاجتماعية والاحتجاج.
🔑 الفصل الأول: المساهمة المركزية - فهم "الحركات الاجتماعية"
إذا كان ماركس قد ركز على "الطبقة"، ودوركهايم على "التضامن"، فإن جونستون كرس حياته المهنية لفهم "الحركة" (Movement).
في الماضي، كان يُنظر إلى الاحتجاجات على أنها مجرد "سلوكيات جماعية" غير عقلانية. لكن علماء الاجتماع مثل جونستون أثبتوا أنها أفعال سياسية منظمة وعقلانية ولها هياكلها الخاصة.
ركز جونستون على "كيف" تنجح الحركات أو تفشل. لقد تجاوز النظريات الكلاسيكية (مثل نظرية "تعبئة الموارد" التي ركزت فقط على المال والمنظمات) ليضيف أبعاداً ثقافية ونفسية أعمق.
1. تحليل الإطار (Frame Analysis)
طور جونستون بشكل كبير مفهوم "التأطير" (Framing). الإطار هو "القصة" أو "السرد" الذي تستخدمه الحركة لجعل قضيتها مفهومة وجذابة.
- ما هو الإطار؟ إنه عملية بناء معنى. الحركة لا تقول فقط "نحن نعاني"، بل "نحن نعاني بسبب هذا الظلم (التشخيص)، والمسؤول هو تلك الجهة (الإسناد)، والحل هو هذا الفعل (التحفيز)".
- مساهمة جونستون: جادل جونستون بأن "التأطير" ليس مجرد تكتيك سياسي بارد، بل هو عملية "ثقافية" عميقة. لكي ينجح الإطار، يجب أن يتردد صداه (Resonate) مع الثقافة الموجودة مسبقاً لدى الجمهور (مثل القيم الدينية، أو الأساطير الوطنية، أو الذاكرة التاريخية للظلم).
2. التفاعل الاجتماعي والسلطة (الدولة والحركة)
لم يدرس جونستون الحركات ككيانات معزولة، بل درسها في تفاعلها المباشر مع السلطة (Power)، وتحديداً "الدولة".
- الدولة كفاعل: يرى جونستون أن تكتيكات الدولة (مثل عنف الشرطة، الاعتقالات، أو التفاوض) ليست مجرد "رد فعل"، بل هي "فعل" يشكل هوية الحركة وتكتيكاتها اللاحقة.
- دراسته للقومية الباسكية (ETA): في دراساته الشهيرة عن إسبانيا، أوضح كيف أن القمع الشديد الذي مارسته دولة فرانكو ضد الهوية الباسكية لم "يسحق" الحركة، بل "جذّرها" وأعطاها شرعية أخلاقية، وحولها من حركة ثقافية إلى حركة انفصالية مسلحة.
- هنا نرى كيف يحلل جونستون "السلطة" و"التفاعل الاجتماعي" بشكل دقيق: التفاعل بين المحتجين والدولة هو "رقصة" ديناميكية تحدد مسار الصراع.
🗣️ الفصل الثاني: الأداة النقدية - "تحليل الخطاب" (Discourse Analysis)
هنا تكمن المساهمة الأكثر تفرداً لجونستون، والتي تربطه بمدارس الفكر النقدي (مثل ميشيل فوكو). جادل جونستون بأن علم الاجتماع التقليدي للحركات الاجتماعية ركز كثيراً على "الأفعال" (Actions) (مثل المظاهرات والإضرابات) وتجاهل "الكلمات" (Words).
بالنسبة لجونستون، "الخطاب" (Discourse) ليس مجرد كلام، إنه شكل من أشكال "الفعل الاجتماعي" والسلطة.
- ما هو تحليل الخطاب؟ هو دراسة "كيف" تُستخدم اللغة لبناء "الحقيقة" وتشكيل العلاقات الاجتماعية.
- تطبيقه على الحركات: حلل جونستون "كيف" يتحدث النشطاء، "ما هي" الاستعارات التي يستخدمونها، "كيف" يصفون أنفسهم (كمقاتلين من أجل الحرية؟ كضحايا؟) و"كيف" يصفون خصومهم (كطغاة؟ كفاسدين؟).
- الخطاب كقوة: أوضح جونستون أن "المعركة" غالباً ما تُكسب ليس في الشارع، ولكن في "الخطاب". الحركة التي تنجح في "فرض" تعريفها للواقع (Framing) على وسائل الإعلام والجمهور، هي التي تنتصر في النهاية.
- مثال: هل ما يحدث هو "أعمال شغب" (Riot) (خطاب الدولة) أم "انتفاضة" (Uprising) (خطاب الحركة)؟ الكلمة التي تنتصر تحدد شرعية الفعل.
هذا التركيز على "الثقافة" و "الخطاب" هو ما يميز جونستون عن غيره من منظري الحركات الاجتماعية، ويجعل عمله ذا صلة مباشرة بموضوعات "الثقافة" و "السلطة" التي ذكرتها.
🏛️ الفصل الثالث: الإرث المؤسسي - مجلة "Mobilization"
لا يمكن كتابة مقال عن هانك جونستون دون تخصيص قسم كامل لإرثه المؤسسي الأهم: مجلة "Mobilization: An International Quarterly".
في عام 1996، أسس جونستون هذه المجلة. قبل ذلك، كانت أبحاث الحركات الاجتماعية متناثرة بين مجلات علم الاجتماع العام أو العلوم السياسية.
- لماذا هي مهمة؟ أصبحت Mobilization "المنصة المركزية" والأولى في العالم المخصصة حصرياً للدراسة التجريبية والنظرية للاحتجاج، والتعبئة، والحركات الاجتماعية.
- التأثير: من خلال عمله كمحرر لعقود، قام جونستون حرفياً بـ "تشكيل" المجال. لقد وضع المعايير، ووجه النقاشات، وساهم في تكوين "جيل جديد من علماء الاجتماع" المتخصصين في هذا المجال.
- الشمولية: المجلة عالمية (International)، وهي تدرس "الجماعات" الاحتجاجية و"العولمة" من خلال نشر دراسات عن حركات "احتلوا وول ستريت"، والربيع العربي، والحركات البيئية العالمية، مما يربط عمله بجميع المواضيع التي ذكرتها.
إن تأسيس مجلة علمية بهذا الثقل يُعد مساهمة في علم الاجتماع تفوق كتابة عشرات الكتب.
🌍 الفصل الرابع: تطبيق النظرية - دراسة القومية والصراع
لم تكن نظريات جونستون مجرد أفكار مجردة. لقد طبقها ميدانياً في واحدة من أكثر المناطق تعقيداً في أوروبا: إسبانيا.
- دراسة الحالة (بلاد الباسك): قضى جونستون سنوات في دراسة الحركة القومية الباسكية (ETA) وحركة "هيري باتاسونا" (Herri Batasuna).
- ماذا وجد؟ وجد أن الحركة لم تكن مجرد "رد فعل" على القمع الاقتصادي، بل كانت "بناءً ثقافياً" للهوية.
- تحليل الخطاب: حلل كيف استخدمت الحركة "اللغة الباسكية" (Euskara)، والتاريخ، والأساطير، والاحتفالات الشعبية كأدوات "للتعبئة" (Mobilization) وخلق شعور بالانفصال عن "الدولة" الإسبانية.
- "الذات العاكسة" (Reflecting Self): على عكس المفهوم الذي ذكرته في البداية، يرى جونستون أن "الهوية" (Identity) ليست شيئاً ثابتاً، بل هي شيء "يُبنى" و "يُعكس" في خضم "الصراع" (Interaction) مع السلطة. هوية الناشط الباسكي تشكلت كرد فعل على هوية "ضابط الشرطة الإسباني".
🏁 خاتمة: أهمية هانك جونستون في عالمنا المعاصر
قد يبدو هانك جونستون للوهلة الأولى عالماً متخصصاً، لكن عمله يمس جوهر حياتنا السياسية والاجتماعية اليوم.
نحن نعيش في عصر "الاحتجاج" المستمر. من حركات العدالة الاجتماعية (Black Lives Matter) إلى الاحتجاجات البيئية (Fridays for Future)، ومن الانتفاضات السياسية (الربيع العربي) إلى الحروب الثقافية على الإنترنت (Culture Wars).
أعمال هانك جونستون تمنحنا الأدوات النقدية لفهم هذه الظواهر المعقدة. لقد علمنا أن:
- الاحتجاج ليس فوضى: بل هو عمل منظم له هياكل (الجماعات).
- القصة هي السلاح: "التأطير" و"الخطاب" (الثقافة) أهم من العنف المادي في كثير من الأحيان.
- السلطة ليست مطلقة: "السلطة" هي علاقة تفاعلية ديناميكية بين الدولة والمحتجين (التفاعل الاجتماعي).
في الختام، يُمكن القول إن هانك جونستون يُمثل نموذجاً للعالم الاجتماعي الذي يربط بين النظرية الدقيقة (تحليل الخطاب) والواقع الميداني المشتعل (الاحتجاج القومي)، مقدماً لنا فهماً أعمق لكيفية تشكل المجتمعات وتغيرها من خلال الصراع والتعبئة.
